عنب بلدي – خالد الجرعتلي
أنهى النظام السوري عمليات “التسوية” في أرياف محافظة درعا الغربية والشمالية، وبدأ بالريف الشرقي انطلاقًا من محيط معبر “نصيب” على الحدود مع الأردن.
ووصف قياديون سابقون في المعارضة لا يزالون في درعا، قابلتهم عنب بلدي، هذه الخطوة بأنها شكلية للابتعاد عن المواجهات المسلحة في الجنوب، مع الاقتراب من تنفيذ مشروع خط الطاقة المتجه إلى لبنان، من مصر ثم الأردن.
وتأتي “التسويات” على غرار أولى خطوات “التسوية” التي شهدتها درعا البلد بعد حصار ومواجهات عسكرية استمرت لأكثر من شهرين، وانتهت بداية أيلول الماضي، بـ”تسوية” بين أطراف المفاوضات المتمثلة بـ”اللجنة الأمنية” الممثلة عن النظام السوري في درعا، و”اللجنة المركزية” المُشكّلة من وجهاء من محافظة درعا.
وشرعت قوات النظام، في 9 من تشرين الأول الحالي، بـ”تسويات” جديدة في ريف درعا الشرقي، شملت القرى المحاذية لمعبر “نصيب” الحدودي مع الأردن، والتي تعتبر مناطق نفوذ للقيادي السابق في ”جيش اليرموك” عماد أبو زريق، الذي يترأس مجموعة تعمل لمصلحة “الأمن العسكري” حاليًا، بعد أن شملته “تسويات” النظام.
وبحسب معلومات متقاطعة لعنب بلدي، نشرت قوات النظام نقاطها الأمنية داخل مناطق “التسويات” بدءًا من درعا البلد ووصولًا إلى بلدات وقرى أرياف المحافظة، إلا أن هذه القوات تحاول التوصل إلى تفاهمات مع سكان هذه المناطق للحيلولة دون تعرضها لهجمات من السكان المحليين مستقبلًا.
الريف الغربي.. أولى “التسويات”
“اللجنة الأمنية” التابعة للنظام السوري بدأت، في 13 من أيلول الماضي، بإجراء “تسويات” للمطلوبين في بلدة اليادودة بريف درعا الغربي، بعد الانتهاء من المراحل الأخيرة لتطبيق اتفاق “التسوية” في درعا البلد.
وبدأت “تسويات” اليادودة بعد مفاوضات بين وجهاء من البلدة من جهة، و“اللجنة الأمنية” الممثلة للنظام بقيادة رئيس “اللجنة”، اللواء حسام لوقا، من جهة أخرى، أفضت إلى اتفاق يقضي بدخول قوات النظام وتفتيش البلدة وإجراء “تسويات” للمطلوبين فيها.
التوتر في اليادودة لا يقتصر على وجود مطلوبين للنظام يريد إجراء “تسويات أمنية” لهم، إذ قصفت قوات النظام في وقت سابق البلدة، وخلّفت قتلى وجرحى بين سكانها، في 29 من تموز الماضي.
وبالمقابل، كان مقاتلون محليون من سكان البلدة هاجموا، في 27 من تموز الماضي، حواجز أمنية ونقاطًا عسكرية لقوات النظام في ريف درعا الغربي، في محاولة منهم لفك الحصار العسكري الذي فرضته قوات النظام على مدينة درعا البلد حينها.
واعتُبرت بلدة اليادودة بالنسبة للنظام هي البوابة لدخول مناطق الريف الغربي، إذ انتهت قوات النظام من “تسويات” اليادودة، لتتوالى بعدها “التسويات” مرورًا بمناطق المزيريب، وطفس، وتل شهاب، وحوض اليرموك.
الريف الشمالي.. “تسويات” أسرع من المتوقع
شهدت مدينة جاسم التي كانت مفتاح “التسويات” في ريف درعا الشمالي تحركات عسكرية بمحيط المدينة، في 29 من أيلول الماضي، بعد تعثّر المفاوضات بين وجهاء المدينة ولجنة النظام الأمنية.
وأفاد مراسل عنب بلدي في درعا حينها، أن التحركات شملت دبابات وسيارات محمّلة بالعناصر، تقدمت باتجاه مدينة جاسم من بلدة نمر والفقيع شمال المدينة، وتمركزت على حاجز “كوم مصلح” وبعض المزارع الخاصة بالجهة الشمالية، كما انتشر الجيش بسيارات محمّلة بالعناصر من الجهة الغربية للمدينة.
تطورت الأحداث لتنتقل المدينة إلى حالة حصار تشبه حالة درعا البلد، مع إغلاق الطرقات الرئيسة المؤدية إلى جاسم، وتوجيه قذائف الهاون إلى أحيائها السكنية، ليتضح لاحقًا، بحسب مراسل عنب بلدي، أن هناك خلافًا على أعداد السلاح المطلوب تسليمه من قبل سكان المدينة للنظام، إذ طالبت قوات النظام بـ250 قطعة سلاح جديدة، بعد أن تسلّمت نصف هذا العدد في بداية “التسوية”.
ثم وصلت المفاوضات إلى “تسوية“، في 3 من تشرين الأول الحالي، لتنتهي أزمة جاسم وتكمل قوات النظام سلسلة “تسوياتها” في المدينة.
وعلى مدار ثلاثة أيام لاحقة، نظمت قوات النظام “تسويات أمنية” لمئات الشباب من ريف المحافظة الشمالي، وكانت مدينة الصنمين آخر محطاتها.
ما آلية تطبيق “التسويات”
يُعطى المدني بطاقة “تسوية” عليها صورته الشخصية، ويعتبر غير مطلوب للأفرع الأمنية، ويستطيع التجول بموجبها حيث يشاء، ولكن السكان في درعا لا يثقون بهذه “التسويات”، لأن لكل فرع أمني قوانينه الخاصة، بحسب مراسل عنب بلدي في درعا.
كما يُعطى العسكري المنشق أمر مهمة صالحًا لمدة ثلاثة أشهر من تاريخ إبرام “التسوية” على أن يلتحق مباشرة بقطعته العسكرية خلال هذه المدة.
وبحسب معلومات تحققت منها عنب بلدي، فإن خطوات “التسوية” تقتصر على بعض الأسئلة، منها: “هل فررت بسلاحك (في حال كان المطلوب فارًا من الجيش)؟ هل انضممت إلى فصائل المعارضة المسلحة، هل غادرت القطر بطريقة غير شرعية؟ هل تملك أي نوع من أنواع الأسلحة؟”.
وبعد الإجابة عن هذه الأسئلة، يجري فرع الأمن التابع للنظام بحثًا عن الوضع الأمني للمطلوب، ثم يسلّمه بطاقة “تسوية” أمنية تُسقط عنه التهم الأمنية، إضافة إلى إيقاف ملاحقته بتهمة التخلف عن الخدمة العسكرية الإلزامية لمدة ستة أشهر يلاحَق بعدها.
وسيطرت قوات النظام السوري على محافظتي درعا والقنيطرة في تموز 2018، وفرضت على الراغبين بالبقاء في الجنوب السوري “تسوية”، تسلّمت بموجبها السلاح الثقيل والمتوسط، مقابل وعود بضمانة روسية، أهمها رفع المطالب الأمنية عن السكان، وسحب الجيش إلى ثكناته، والإفراج عن المعتقلين، وعودة الموظفين المفصولين.
لكن هذه البنود لم تُنفذ على مدار السنوات السابقة، ما فجّر التوتر الأخير في العام الحالي، الذي بدأ من مدينة درعا التي تظاهرت ورفضت الانتخابات الرئاسية في أيار الماضي.
اللواء حسام لوقا.. مهندس “التسويات”
تشرف على هندسة هذه الاتفاقيات “اللجنة الأمنية” التي تعتبر الممثل عن النظام السوري في المحافظة، ويرأسها اللواء حسام لوقا، وتتبع منهج التهديد ذاته الذي اتبعه ويتبعه النظام في مختلف المحافظات السورية.
يحاول اللواء لوقا عبر نفوذه الأمني الممنوح له في درعا، تحقيق أكبر كمّ من المكاسب للنظام السوري، من خلال سحب أكبر كمية من الأسلحة الموجودة لدى السكان المحليين والتي كانوا احتفظوا بها عقب “تسوية 2018″.
ينحدر لوقا من منطقة خناصر بريف حلب الجنوبي، ويعتبر من أبرز الشخصيات الأمنية التابعة للنظام السوري، وعيّنه النظام رئيسًا لـ”شعبة الأمن السياسي” خلفًا للواء محمد خالد رحمون الذي شغل منصب وزير الداخلية في حكومة النظام.
لم يقتصر عمل لوقا على الجنوب السوري، إذ كان له الدور الأكبر في السيطرة على حي الوعر في مدينة حمص، عام 2017، الذي دخل باتفاق “تسوية” رعته روسيا قضى بخروج قاطنيه ومقاتليه إلى الشمال السوري.
وسبق لحسام لوقا أن تسلّم رئاسة فرع “الأمن السياسي” في حمص، منذ نيسان 2012، خلفًا للعميد نصر العلي، وعُرف حينها بسطوته الأمنية ضد المظاهرات السلمية الأولى التي شهدتها المدينة.
وفي عام 2012، أدرج الاتحاد الأوروبي اللواء لوقا على قائمة العقوبات، بسبب مشاركته في تعذيب المتظاهرين والسكان المدنيين في المناطق التي كان بها ذراعًا للنظام السوري.
كما ورد اسم لوقا ضمن 17 اسمًا أدرجتهم الخزانة الأمريكية على قائمة عقوباتها في إطار قانون “قيصر” للعقوبات.
وفي عام 2019، تسلّم لوقا إدارة “اللجنة الأمنية” في محافظة درعا جنوبي سوريا، خلفًا للواء قحطان خليل.
وكان من أبرز أعمال لوقا في محافظة درعا، بحسب ما نقلته وكالة “نبأ” المحلية، عمليات تجنيد المرتزقة لاغتيال المعارضين لاتفاق “التسوية”.
كما صدرت عنه أوامر، بحسب الوكالة، بقصف مدينة الصنمين الذي خلّف أعدادًا من القتلى والجرحى، كما سهّل طرق تهريب المخدرات وتجارتها في الجنوب السوري.
ومنذ تسلّم لوقا إدارة “اللجنة الأمنية”، منح صلاحيات إضافية للحواجز الأمنية في المنطقة، ما خلّف اعتقال المئات من المدنيين في درعا بشكل عشوائي على أيدي تلك الحواجز.
ويتخذ لوقا من “اللواء 132” مقرًا له في حي المطار بمحافظة درعا، بحسب الوكالة المحلية.