شرقًا وغربًا.. ترويج سوري لاتفاقيات اقتصادية “فارغة”
عنب بلدي – أمل رنتيسي
تتصاعد وتيرة تصريحات مسؤولي النظام السوري حول ما يصفونه بـ”تغير في الأجواء السياسية الدولية” و”الانتصارات في الحرب” و”الانفتاح على المبادرات للخروج من الأزمة”، كما جاء على لسان وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، في أحدث مقابلاته، إذ تحمل هذه التصريحات أهدافًا اقتصادية وراء الأهداف السياسية.
ويتركز التوجه الاقتصادي الذي يسلكه النظام الآن على دول الشرق الأقصى من الهند وإندونيسيا والفلبين، والجنوب الأمريكي كالبرازيل والأرجنتين، إضافة إلى صربيا.
ويرى النظام السوري في بعض الدول التي كانت منذ بداية الثورة السورية عام 2011 وحتى الآن حليفة له، مكانًا يلجأ إليه لتعزيز الاستثمارات والتعاون الاقتصادي، بعد اتخاذه موقفًا تجاه الدول الغربية من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، ويصفها بأنها تمارس سياسة “الإرهاب الاقتصادي التي تسهم في معاناة الشعب السوري”.
ترويج إعلامي للقاءات ومباحثات “فارغة”
خلال الشهرين الماضيين، أجرى النظام لقاءات مع دول غير عربية حليفة له تم الترويج لها في إعلامه الرسمي.
وفي 28 من أيلول الماضي، التقى وزير النفط والثروة المعدنية، بسام طعمة، بالسفير الصربي في دمشق لبحث إمكانية مساهمة شركات صربية في استثمار الصخر الزيتي (السجيل الزيتي) لتوليد الكهرباء، إضافة إلى تعزيز التعاون المشترك في مجالات النفط والغاز والثروات المعدنية.
ومن جهته، أكد وزير الخارجية الصربي، نيكولا سيلاكوفيتش، رغبة بلاده بدفع وتعزيز العلاقات الثنائية مع سوريا في المجالات كافة، منها السياسية والاقتصادية، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، في 7 من تشرين الأول الحالي.
أما السفير البرازيلي في دمشق، فابيو فاز بيتالوكا، فتحدث، في 30 من أيلول الماضي، عن “ضرورة تفعيل مجلس الأعمال السوري- البرازيلي، وتقوية العلاقات بين غرفة صناعة دمشق وريفها والغرفة العربية- البرازيلية، إضافة إلى أهمية إعادة التبادل التجاري بين سوريا والبرازيل إلى سابق عهده”.
وأبدى السفير استعداد بلاده المساهمة في إعادة الإعمار، “من خلال التعرف على ما تحتاج إليه المرحلة المقبلة من صناعات ثقيلة”، حسب قوله.
وتوجّه النظام في مباحثاته إلى دول أقصى الشرق، منها الهند، لبحث شراء الفوسفات السوري مقابل تصدير بضائع هندية إلى سوريا، وإندونيسيا لتأهيل قطاع النفط، إذ أجرى القائم بأعمال السفارة السورية في إندونيسيا، عبد المنعم عنان، مباحثات مع مسؤول في إحدى كبرى الشركات في القطاع النفطي الإندونيسي في 24 من أيلول الماضي.
وبحث المقداد على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، في 23 من أيلول الماضي، مع وزير الخارجية الفيتنامي، بوي ثانه سون، تطوير العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين، إذ أبدت فيتنام استعدادها لإعادة الإعمار والاستثمار.
إضافة إلى تفعيل الرحلات الجوية بين سوريا وباكستان، في 16 من أيلول الماضي، الأمر الذي يسهم في تعزيز جوانب التعاون الاقتصادية الصناعية والدفاعية، حسب قول سفير باكستان في سوريا، سعيد محمد خان.
كما وجد النظام السوري في الفلبين سبيلًا لتحسين “التعاون البحري في كل المجالات”، وفق ما قاله محافظ طرطوس خلال استقباله القائمة بأعمال سفارة الفلبين في سوريا، في 10 من أيلول الماضي.
الأستاذ المُنتسِب في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا بإيطاليا، والمشارك في مشروع “زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا” الدكتور جوزيف ضاهر، يرى خلال حديث إلى عنب بلدي أن الاجتماعات التي يعقدها النظام السوري مع هذه البلدان هي غالبًا “فارغة” ومجرد إثارة إعلامية.
وعلّل ضاهر ذلك بأن سوريا لا تزال أمامها عقبات كبيرة لجلب استثمارات خارجية وضخمة، إضافة إلى العقوبات على النظام السوري، وعدم وجود استقرار سياسي واقتصادي أو استقرار للعملة السورية، ومشكلات في البنية التحتية بسبب الدمار والحرب.
وأضاف ضاهر أن هذه الدول لن تحقق عائدات وأرباحًا سريعة في المستقبل القريب بسوريا، فإمكانياتها جدًا محدودة، ولهذه الأسباب يمكن القول إن الاجتماعات “لعبة سياسية من النظام”، حسب رأي الدكتور جوزيف ضاهر.
من جهته، الباحث السوري في الاقتصاد أدهم قضيماتي، قال لعنب بلدي، إن النظام السوري يعمل على خلق مثل هذه الأحداث والترويج لها إعلاميًا ليقنع الشعب السوري القابع معظمه تحت خط الفقر بأنه ليس وحيدًا.
وتابع قضيماتي أن كل ما يُقدم عليه النظام السوري من اتفاقيات، عدا التي تخص روسيا وإيران بشكل مباشر أو غير مباشر، هي اتفاقيات يمكن القول إنها “مع وقف التنفيذ” إلى حد ما، لأن الإدارة الأمريكية والأوروبيين لن يسمحوا بتفعيل تلك الاتفاقيات بهذه السهولة.
مشاريع تصطدم بالعقوبات
ذكرت دراسة منشورة في مركز “كارتر في أيلول من عام 2020، أن العقوبات الأمريكية فُرضت على سوريا على مرحلتين، الأولى في العقد الأول من الألفية الجديدة، بسبب دعم سوريا للإرهاب وأنشطتها في لبنان.
والثانية منذ عام 2011 وحتى هذا اليوم، ووفقًا لصنّاع السياسات الأمريكية، فهي بسبب الحرب في سوريا.
أما الاتحاد الأوروبي فبدأ بفرض العقوبات عام 2011 ثم صعّدها على عدّة مراحل.
وفرضت أمريكا عقوبات “أساسية” و”ثانوية” على سوريا، وتمثلت “العقوبات الأساسية” بحظر مزاولة الأعمال التجارية من قبل المواطنين والشركات الأمريكية، باستثناء أنواع معيّنة من أعمال الإغاثة الإنسانية، كما تحظر المعاملات المالية التي تمر عبر النظام المالي الأمريكي، وبيع السلع الأمريكية الصنع في سوريا.
أما “العقوبات الثانوية” فتوسّع فيها الكونجرس الأمريكي في أواخر عام 2019 من خلال إقرار قانون “قيصر لحماية المدنيين السوريين”، وهي عقوبات تحظر معاملات البلدان الثالثة مع سوريا.
وشمل قانون “قيصر” فرض العقوبات على كل من يقدم الدعم العسكري والمالي والتقني للنظام السوري، من الشركات والأشخاص والدول، حتى روسيا وإيران، ويستهدف كل من يقدم المعونات الخاصة بإعادة الإعمار في سوريا.
وهو الأمر الذي يشكّل عائقًا أمام هذه الدول لتنفيذ الاستثمارات الفعلية في سوريا، فتنفيذ اتفاقيات كهذه يحتاج إلى حرية في حركة التبادل التجاري لكلا البلدين، وهذا ما لا يملكه النظام، وفق الباحث السوري في الاقتصاد أدهم قضيماتي.
وأشار قضيماتي أيضًا إلى وجود شخصيات تابعة للنظام السوري موضوعة على قوائم الولايات المتحدة الأمريكية والقوائم الأوروبية، وهي التي ستكون صاحبة تنفيذ هذه العقود.
الشروط.. موافقة واشنطن
أبدت الولايات المتحدة الأمريكية بعض المرونة أمام مشروع خط الغاز العربي لإيصال الطاقة إلى لبنان، بناء على مقترح السفيرة الأمريكية في لبنان، دوروثي شيا، التي أبلغت الرئاسة اللبنانية، في آب الماضي، قرار الإدارة الأمريكية بمساعدة لبنان لاستجرار الغاز المصري من الأردن عبر سوريا.
بدورها، نقلت صحيفة “واشنطن بوست“، في 8 من تشرين الأول الحالي، عن مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية أن سياسة الولايات المتحدة ما زالت تثني أي دولة عن تطبيع العلاقات مع الأسد، قائلًا عن دور الأردن الأخير في التطبيع، “لم نعطِ الأردن ضوءًا أخضر أو برتقاليًا للتطبيع مع الأسد، كما لم نؤيد الاتصال (بين عبد الله والأسد)”.
وأوضح المسؤول أن قيود العقوبات لا تزال سارية، مُقرًا بأن إدارة بايدن لن تعمل بنشاط بعد الآن لمنع الدول من التعامل مع الأسد، إلا عندما يتطلب القانون ذلك على وجه التحديد.
وبحسب ما قاله جوزيف ضاهر لعنب بلدي، وهو خبير في الاقتصاد السياسي والعلوم السياسية، فرغم أن قانون “قيصر” يعاقب أي مشروع لإعادة الإعمار أو تعزيز قدرات الإنتاج داخل سوريا، شاهدنا في نفس الوقت بحالة لبنان أن الأمريكيين يعاقبون مثلما يريدون حسب مصالح واشنطن.
وسبق أن استمعت عنب بلدي إلى جلسة أجراها مسؤولون أمريكيون، في 16 من أيلول الماضي، وأُثير الحديث بأن السفيرة الأمريكية في لبنان طرحت موضوع استجرار الطاقة إلى لبنان من مصر والأردن عبر سوريا، كحل بديل عن وصول الوقود إلى لبنان عبر “حزب الله” من إيران المعاقَبة أيضًا من أمريكا.
وهو ما دفع بوزارة الخارجية والخزانة الأمريكية إلى دراسة بعض الاستثناءات لقانون “قيصر”.
إلّا أن أي مشروع داخل سوريا ضمن مجالات إعادة الإعمار أو قدرة إنتاج الطاقة يحتاج إلى موافقة من واشنطن، وفق ضاهر، فمثلًا، إذا كان هنالك حلفاء لواشنطن ربما في المستقبل لديهم مشاريع في سوريا، من الممكن أن توافق على مشاريع صغيرة.
وأضاف أن هذا يخضع أيضًا إلى سياقات أكبر، مثل المفاوضات مع إيران على سبيل المثال.
ويتفق أيضًا مع هذا التحليل الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي، إذ يرى أنه في نهاية الأمر، كل هذه الاتفاقيات إن تمت فإنها ستتم بمظلة روسية وتنسيق روسي- أمريكي، وما ستقدمه للنظام ليس أكثر مما يقدمه الروس له أصلًا.
ونوّه ضاهر بدوره أيضًا إلى المكاسب السياسية، فالاستثمارات الأجنبية إذا نُفذت في سوريا ستشجع من عملية التطبيع مع حكومة النظام السوري، وهذه من السمات الإيجابية التي سيستفيد منها النظام سياسيًا وليس فقط اقتصاديًا، بما فيها تراكم رأس المال أو عملات أجنبية وتوظيف سوريين…
وإن تمت.. ما جدوى هذه الاستثمارات؟
بشكل عام، تؤثر الاستثمارات الأجنبية في سوريا بشكل إيجابي على اقتصاد البلاد، مثل ضخ العملات الأجنبية وتوفير فرص عمل داخل البلد، حسب ضاهر.
وأضاف أنه في نفس الوقت، وحسب قيمة الاستثمارات داخل سوريا، فهذه المشاريع المقترحة لا تكفي لحل الأزمة الاقتصادية في سوريا أو لإخراج أغلبية السوريين من تحت خط الفقر، إذ تحتاج إلى استثمارات قوية وضخمة.
ويرى الخبير جوزيف ضاهر أنه يجب أن تجري تغييرات ضمن المجال الاقتصادي السياسي للنظام السوري، فحاليًا تستفيد من سياسات النظام شريحة صغيرة من السوريين هي رجال الأعمال أو الشريحة النخبوية المرتبطة بالنظام، وهي شريحة الرأسماليين والطبقة العالية من السوريين.
كما أن سوريا بحاجة إلى تغيير اقتصادي سياسي لقطاعات منتجة باقتصاد الزراعة والصناعة، وبحاجة إلى الاستثمارات في هذه المجالات التي تخدم القطاعات الشعبية والطبقة العمالية، حسب ضاهر، إذ يرى أن القطاعات الصناعية والزراعية توظف أشخاصًا أكثر من قطاع الخدمات بشكل عام، وهو الأمر الذي من الممكن أن يسهم في إخراج أغلبية كبرى من السوريين من تحت خط الفقر.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :