نبيل محمد
لافت هو حضور السينما السورية التي أنتجها النظام في مهرجان “الإسكندرية السينمائي” الذي اختتم فعاليات دورته الـ37 مؤخرًا، ولعله الحضور السينمائي السوري الرسمي الأقوى منذ عشر سنوات في مصر، وربما خارج سوريا بشكل عام، وهو حضور احتفت به مختلف الوسائل الإعلامية السورية التابعة للنظام، ورجالات الفن والسينما الذين لا بد شعروا بأن شيئًا ما اختلف اليوم في الإسكندرية، بعد أن كانت السينما السورية المنتَجة في معامل النظام شبه مستبعدة بشكل غير رسمي عن مهرجانات وجوائز سينمائية كثيرة، في وقت احتلت فيه السينما التي أُنتجت على الضفة الأخرى (سينما المعارضة إن صحت التسمية) المقاعد السورية في مهرجات عالمية كثيرة، ولعل بينها مهرجانات مصرية في فترة سابقة.
مهرجان “الإسكندرية” احتفى بالسينما السورية رسميًا، وفتح أبوابه أمام المؤسسة العامة للسينما لتنتقي شكل حضورها فيه، وفي هذه الحالة بالتأكيد لن تتوقع كمتابع للسينما السورية منذ سنوات طويلة، إلا أن تجد الوجوه نفسها تعتلي المنابر وترفع الجوائز، بل وتجلس على طاولات لجان التحكيم.
جود سعيد المخرج المكرّس منذ سنوات سابقة للثورة، كان عضوًا في لجنة تحكيم الأفلام الدولية، التي منحت فيلم “الإفطار الأخير” لعبد اللطيف عبد الحميد جائزة أفضل سيناريو، ومنحت أحمد الأحمد جائزة أفضل ممثل في دور أول عن فيلم “الظهر إلى الجدار” لأوس محمد، وكذلك جائزة لجنة التحكيم التي حملت اسم الفنان المصري الراحل نور الشريف لفيلم “المطران” لباسل الخطيب، الذي يحكي قصة المطران هيلاريون كبوجي الذي سبق أن قدم المخرج ذاته مسلسلًا عنه، لعب بطولته رشيد عسّاف الذي لعب بطولة الفيلم أيضًا، رغم الانتقادات التي طالت الفيلم خلال المهرجان بأنه “ممل”.
ثلاثة أسماء تشكّل منفردة خارطة السينما السورية منذ 2011 وحتى اليوم، بعد أن قامت المؤسسة العامة بـ”فلترة” صنّاع السينما السورية من خلالها في عشر سنوات، لم تستبقِ بها سوى خالصي الولاء، من أمثال جود سعيد وعبد اللطيف عبد الحميد وباسل الخطيب. سينمائيون فرضهم القطاع العام وسخّر إمكانياته لإنتاج أفلامهم، طالما أن كاميراتها تدور في الزوايا التي يتيحها النظام، وفي الموضوعات التي يطلبها. من خلال متابعة أفلام المخرجين الثلاثة خلال السنوات الماضية، نجدها وبالدرجة الأولى سوّقت للجيش السوري وهو “يخوض معركة الوطن ضد الجماعات الإرهابية”.
لم يغفل المهرجان دريد لحّام الغائب في الأفلام المكرَّمة، فأفسح له المجال ليكون الشخصية السوريّة التي يتم تقديم تكريم خاص لها، وإحياء ندوة لها بصفتها صاحبة التجربة الأقدم والأكثر تمثيلًا للفن السوري، ليحاضر الفنان بما هو متوقع منه عن العلاقة بين سوريا ومصر على الصعيد الفني، ويعتذر عن عدم تأديته الأدوار الناطقة باللهجة المصرية خلال تجربته الفنية، لأنه متمسّك بلجته السورية التي تمثّل هويته. يكتمل بذلك نسبيًا تمثيل الفن السوري خارج الحدود بشخصيات منتقاة بعناية، لم ينقصها إلا نقيب الفنانين زهير رمضان، ولو حضر لاكتملت صورة سوريا فنيًا، حيث لحّام مختار الفن الذي نصّبه النظام عرّابًا صاحب سلطة رمزية منذ زمان غابر، وأدوات الإنتاج المتمثلة بمخرجين حفظوا عن ظهر قلب مهماتهم في المعركة، ونقيب فنانين يمثّل سلطة أمنية عسكرية تضبط إيقاع الحركة الفنية ويوزّع شهادات الانتماء وتهم التخوين.
لم يكن لهذه المكونات خلال السنوات الماضية مكان سوى في بلادها، فلا مهرجانات تتيح للكذب العلني الجوائز، ولا منصات تفرد المساحة للسينما الموجّهة بهذه الشاكلة، لكن وبالتوازي مع التطبيع السياسي مع نظام الأسد هنا وهناك، ومحاولة استعادة القبول العربي له بجهود دول وكيانات سياسية، تتاح العودة بالتدريج لأولئك الذين لم تبرد هممهم في حمل الكاميرات والتجول بين المدن المنكوبة، وإعلان الانتصار عليها مجددًا عبر السينما، ثم عرض الأفلام بين المراكز الثقافية المهترئة في المحافظات السورية، وانتظار فرصة سانحة كمهرجان “الإسكندرية”، ليثبتوا لأنفسهم قبل كل شيء أنه ما زال هناك من يشتري هذه البضاعة الكاسدة.