كثيرًا ما يرد مصطلح الحكم الرشيد مرتبطًا بمبدأي الشفافية والمساءلة اللذين يشكلان دعامتين من دعائم التنمية البشرية، ففي ظل انتفاء المساءلة والشفافية سيسود الفساد والبيروقراطية المتلازمين مع الاستبداد وغياب الحريات.
ينبني الحكم الرشيد على تهيئة المجال لمراقبة كل التفاصيل ضمن مؤسسات الحكم والدولة، وضمن الهيئات والمؤسسات الاقتصادية، وفي ظل الحكم الرشيد تنتفي الهيمنة الفئوية والتحكم من وراء الستار عبر الحكومات الخفية (الغلاديو) التي يديرها سياسيون أو تجار أو أصحاب احتكارات كبرى، والذين يديرون شبكات فساد تنخر جسم الدولة، فتستحيل اقتصادياتها إلى مزارع يذهب ريعها لجيوب المتنفذين.
إدارة الموارد بشكل منظم وشفاف، ومأسسة صنع القرار، ووضع ضوابط لعدم تفرد شخص أو فئة بالقرار والموارد هو إحدى أهم الانتصارات الفعلية التي يحققها الحكم فيصبح حينئذ حكمًا رشيدًا أو صالحًا.
إن وجود أي سلطة أو هيئة أو شخص غير خاضع للتقييم والمراقبة والمساءلة والمحاسبة يعني أن هناك من هو فوق القانون، ويصبح من الصعب تحول الدولة المعنية إلى نموذج صالح للحكم الرشيد.
تقوم الشفافية على قدرة المواطنين من أي شريحة كانوا أن يتحصلوا على المعلومات، وأن تتدفق إليهم هذه المعلومات دون عوائق أو حدود، وتمتلك الدول التي تعتمد الشفافية مبادئ وإجراءات واضحة خلال عملية صنع القرار. كما تتلازم الشفافية مع مرونة الجهاز الإداري وقابلية الإصلاح ضمن مؤسسات الدولة بحيث تكون أكثر كفاءة.
المساءلة هي وضع المسؤولين بشكل مباشر أمام معايير صارمة بحيث يقدمون التوضيحات اللازمة لأصحاب المصلحة حول كيفية استعمال السلطة والصلاحيات الممنوحة لهم، وأن يتقبلوا الانتقادات الموجهة لهم بحيث يتماهى هذا الشخص المسؤول مع اسمه بحيث يكون (مسؤولًا) أي خاضعًا للسؤال دائمًا.
الغش وخداع المواطنين والعجز وإساءة استعمال الموارد والسلطات والمحسوبيات لا بد أن يكون لها مستويات من المعالجة آنية ومستدامة.
في سوريا التي شهدت على مر العقود الماضية فسادًا وإفسادًا، وغيابًا تامًا للشفافية، ونهبًا منظمًا للموارد والثروات واستعمالًا كثيفًا للتزوير، وتحولًا للدولة بشكل كامل إلى آلة منتجة تخدم المتنفذين من أذرع النظام ومافياته بات من الصعوبة إنجاز تحوّل سريع نحو المأسسة، وفرض آليات عصرية للمحاسبة والمساءلة والشفافية وخاصة بعد أن عمد النظام إلى استهداف المؤسسات والبنى التحتية عدا عن استهدافه العنصر البشري ضمن حربه الشعواء على الشعب السوري.
على السوريين وخلال فترة التحول نحو الديمقراطية والحكم الرشيد أن يفرضوا المحاسبة على كل المسؤولين ضمن سوريا الجديدة، وألا يكون هناك من هو فوق القانون مهما تشبث بشرعية ثورية أو أجمع عليه الناس، فالتغاضي عن الأخطاء تحت أي مبرر كان يصبح مقبرة للديمقراطية والحكم الرشيد.