“مهما طال الظلم لدينا موعد مع السعادة”
جدران حمص تكتب التاريخ وتحيي ذكرى شهدائها
جودي عرش – حمص
“الأسد أو نحرق البلد”، عبارة اعتاد عناصر النظام السوري كتابتها على الجدران تزامنًا مع نكبات كل منطقة ووقوعها تحت سيطرته، بينما لم يتخلّ أبناء مدينة حمص عن اللون السلمي في المدينة رغم تحوّل الثورة إلى العمل المسلح.
ورغم القصف والمعارك التي دارت بشكل شبه يومي خلال حصار لنحو سنتين في أحياء حمص القديمة، اتخذ ناشطو المدينة من جدرانها ملاذًا للأمل، بحسب الناشط الإعلامي أنور أبو الوليد، الذي يقول “لم يُنسنا السلاح طبعنا السلمي في أي وقت، فقد كانت الكتابات والرسومات تخط على الجدران بشكل شبه يومي وتبعث في قلوبنا الأمل والتفاؤل بالرغم من قسوة الحصار واشتداد المعارك”.
وئام بدرخان، ناشطة ومصورة كانت ترسم على جدران حمص القديمة، تدلّ أبرز لوحاتها على حلم عودة النازحين إلى الأحياء التي هجروا منها، وفقًا لـ”أبو وليد”، ويضيف “كنا حقًا بحاجة تلك الرسوم باعتبارها دافعًا للمقاومة والصبر، وشعارًا للحرية”، مردفًا “إحدى الرسومات التي أحببناها كتب فيها عبارة تقول: عندما أرحل تذكروا أنني بذلت كل ما بوسعي لأبقى، ولا زلنا إلى اليوم نرغب بالعودة؛ أنا على يقينٍ أننا سنعود إليها جميعًا”.
جدران حيّ الوعر “تصرخ”
فريق من الرسامين بدأ العمل منذ أشهر في حي الوعر المحاصر وآخر معاقل المعارضة في المدينة، بهدف إخراج المدنيين من حالة اليأس التي أصبحت طاغية في ظل حصار خانق وعجز عن إيجاد حلول جذرية للمشاكل الإنسانية المتفاقمة في المنطقة، بحسب إيمان المحمد، المسؤولة عن الفريق.
وتقول المحمد إن الفكرة اقترحت بين ناشطي الحي وبدأ العمل عليها وتطويرها ليصبح عدد الفريق اليوم 10 أشخاص، وتهدف إلى رسم البسمة على وجوه الناس وإيصال معاناتهم إلى العالم.
يتكون الفريق من شباب يمتلكون موهبة الرسم ولديهم أفكار بناءة، ويدرسون الرسوم والأفكار والأماكن ونوع الشريحة المدنية التي ستصلها الفكرة، بحسب المحمد، موضحةً “انتقينا المواهب وذوي الأفكار، كما أننا ركزنا على الإيمان بقضيتنا السلمية والثورية فاستطعنا جمع الأمل والتحدي والسياسة والتعاطف وإحياء المجازر في رسومات”.
ندرة وجود الطلاء في الحي أبرز الصعوبات التي واجهت الفريق، ما جعلهم يحاولون اختراع أساليب تمكنهم من الرسم وتضمن استمراريتهم، وتردف إيمان “اضطررنا للبحث بشكل موسع عن مصادر الطلاء في الحي وجمعنا قليلًا منها، لكننا اليوم نستخدم ألوانًا مائية رغم خوفنا من زوالها بالمطر”.
جدران حمص ستكتب التاريخ
اختلافات جذرية بين المعارضة ومناصري النظام في كل المجالات ولم تبتعد الرسومات عنها بل كانت تشكل فارقًا واسعًا سيكتب التاريخ، وفق تعبير إيمان “كتبوا على الجدران عبارات امتلأت بالحقد والدمار وحبهم الواسع للسلطة، بينما نرسم للبقاء والحرية؛ الفرق بيننا واسع فهم يحاربون لأجل شخص ونحن حاربنا لأجل الكل، وهذا يعكس اختلاف رسالتنا وأهدافنا وقيمنا وحتمًا اختلافًا بطريقة التعامل مع الإنسانية والعالم”.
وتضيف “هذه الرسومات حتمًا ستكون شاهدًا على ما مرت به حمص والثورة طوال 5 سنوات”.
تخليد لذكرى المجازر
“الهدف من هذا الرسم هو تخليد ذكرى ضحايا المجزرة التي أودت بحياة 6 عائلات من أقربائي ومن بينهم عائلتي”، يقول أبو خليل الجنيدي، الذي يجلس يوميًا أمام مبنى مدمر ويتأمل ساعات رسمًا على سقفه المنهار.
ويوضح “الرسم هو لابني وأحفادي الأربعة، يلعبون على الأرجوحة التي يمثلها مجسم الساعة رمز حمص عاصمة الثورة”.
مجزرة آل جنيدي حدثت في 16 كانون الأول 2014 إثر غارة للطيران استهدفت الحي المحاصر، ووقع ضحيتها 38 شهيدًا جلهم من الأطفال والنساء، ورسمت اللوحة تخليدًا لذكراهم منتصف كانون الثاني عام 2015.
كثيرٌ من الألم ينتاب العم أبو خليل عند رؤيته للرسم ويصف مشاعره “ما من كلامٍ يستطيع وصف ما بداخلي من قهر وحزن، رسموها لأجل تخليد المجزرة لكنّهم لا يعلمون أنهم يقتلونني في اليوم عدة ساعات وأنا جالسٌ أمامها”.
لكن ذلك لا يمنعه من التطلع نحو النصر، وينهي حديثه “سننتصر، ومهما طال الظلم فلدينا موعد مع السعادة”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :