فادي القاضي
في الثلاثين من شهر تشرين الأول الماضي، ذاع خبر اغتيال الشابين إبراهيم عبد القادر وفارس الحمادي، الناشطَين في حملة “الرقة تذبح بصمت”، والعثور عليهما في شقة بمدينة أورفا التركية مقطوعي الرأس. والحقيقة أن خبر الاغتيال مروعٌ وبالغ الأثر، ويجب تناوله بمزيد من الحرص والتفكر، ليس فقط كونه حلقةً من جرائم الجماعة التي تُطلق على نفسها اسم “الدولة الإسلامية” والمعروفة باسم “داعش”؛ بل كذلك لكونها تضاعف التحدي، الذي ليس جديدًا بحال من الأحوال، ويواجهه الناشطون والعاملون في المجموعات المدنية والإعلامية السورية، خارج وداخل الأراضي السورية.
والمسألة المطروحة قيد البحث هنا، هي مسألة “الحماية” المتوفرة لهؤلاء الناشطين والعاملين المدنيين، والذين من ضمنهم كذلك العاملون في مجال الإغاثة الإنسانية. وفي الوقت الذي لا يستند فيه إطار الحرب القائمة حاليًا لأي احترام لمبادئ أو قوانين على الصعيد الدولي الإنساني، فإن أيًا من الفِرق في هذه الحرب لم تعمل، ولو لمرة واحدة، على تأمين أي قدر من الحماية الفعلية للعاملين في المجال المدني أو الإنساني أو الإعلامي. وليس من الدقة اعتبار أن الجريمة التي نفذتها “داعش” بحق الناشطين معزولة عن سياق الخطر العام الذي يتهدد جميع العاملين في هذه المجالات.
والحماية التي يبدو أننا بحاجة للحديث عنها هي الحماية “الذاتية” والتنظيم الذاتي من قبل المجموعات والمؤسسات العاملة في هذه المجالات، والتي من المؤكد أن جريمة قتل الناشطين تعيد التأكيد على ضرورتها، في ظل الغياب المطلق لأي مظلة حماية أخرى، محليًا أو إقليميًا أو على الصعيد الدولي.
وأولى الخطوات التي يجب على هذه المجموعات اتخاذها للشروع في بناء نظام حماية للعاملين فيها، هو الإقرار بحجم المخاطر التي تتهدد العاملين على المستوى الشخصي، بما فيها المخاطر التي قد تتعرض لها أسرهم. وقد يكون بديهيًا أن هذه المؤسسات تدرك فعلًا حجم هذه المخاطر وتعيها بشكل مناسب. إلا أن ذلك برأيي يبدو غير كاف، فالإدراك على الصعيد المؤسسي يعني مسألتين أساسيتين؛ الأولى تتمثل في وضع قيود ومحددات صارمة للإطار المكاني الذي بإمكان العاملين التحرك فيه؛ والثانية تتمثل في وجود مدونات سلوك صارمة تجعل من أسلوب حياة ومعيشة وعلاقات العاملين المعنيين قابلًا للتكيف مع متطلبات الأمن والأمان الشخصي.
ومن ضمن الإجراءات التي يجب على المؤسسات الإعلامية والإغاثية والناشطة التفكير بها جديًا، هي بناء أنظمة اتصال وتواصل يومية مع العاملين من قبل مرؤوسيهم لضمان اتباع إجراءات الأمن الشخصي المنصوص عليها والتوصل العاجل لحل أي خروقات أو مشاكل طارئة.
قد يكون ذلك “رفاهيةً” لا لزوم ولا وقت لها في إطار الموت اليومي في المشهد السوري. لكن إجابتي هي، أنك لن تتمكن من رؤية مشهد الموت، ومحاولة التخفيف من آثاره، والتقليل منه، أو مقارعته، إن انسحب إلى إلموت، أيضًا، أولئك الذين يحاربونه.