عنب بلدي | زينب مصري
تتعدد الخيارات أمام الطلاب في شمال غربي سوريا للدراسة الجامعية، في بقعة جغرافية تسيطر عليها حكومتان مدنيتان وجهات عسكرية عدة، مع تعدد الجامعات العاملة في المنطقة.
هذه الخيارات تنحسر مع انتهاء المرحلة والاقتراب من الخطوة الأخيرة التي يحصل بموجبها الطالب على إجازة جامعية معترف بها محليًا فقط، ليجد الخريج نفسه أمام مفترق طرق، إما توظيف شهادته في العمل محليًا وإما السعي للحصول على فرصة للدراسة أو العمل خارج حدود المنطقة.
ومع محدودية إمكانية السفر وغياب حرية التنقل، في ظل الشروط التي تفرضها الحكومات حول العالم بشكل عام والجارة التركية بشكل خاص، يرجّح العديد من الطلاب البقاء للعمل أو الدراسة في الشمال السوري، ما يخفض من درجة اهتمامهم بالاعتراف الخارجي لشهاداتهم.
الاهتمام بقضية الاعتراف بالإجازات الجامعية يعود إلى الواجهة مع طلب جامعات تركية من طلاب تخرجوا من جامعات الشمال ويكملون دراستهم فيها الآن، اعترافًا تركيًا بشهاداتهم، ما سيحدد مصير مستقبلهم الدراسي خارج حدود المنطقة.
في حزيران 2019، أعدّت عنب بلدي ملفًا بعنوان “جامعات الشمال.. مستقبل معلّق بالأزمات”، رصدت فيه أبرز المشكلات التي يعاني منها واقع مؤسسات التعليم العالي في الشمال، ورصدت مدى رضا الطلاب عن عمل هذه المؤسسات.
وفي هذا الملف، تسلّط عنب بلدي الضوء على قضية الاعتراف الخارجي بالإجازات الجامعية الصادرة عن جامعات الشمال السوري العامة والخاصة، وتناقش مع مسؤولين جامعيين المساعي للاعتراف بجامعات المنطقة والصعوبات التي تواجه هذه المساعي.
غياب “وثيقة اعتراف” تركية يهدّد طلابًا بالفصل
بعدما أنهى دراسة درجة البكالوريوس في الهندسة الكيميائية عام 2020 مع المرتبة الأولى على دفعته، حصل المهندس وطالب الماجستير معتز مرندي، المنحدر من مدينة حلب، على فرصة إكمال دراساته العليا في تركيا، بموجب اتفاقية وقّعتها جامعة “الشام” الخاصة التي تخرج منها مع جامعة “كارابوك” التركية.
دخل معتز إلى الأراضي التركية من معبر “باب السلامة” الحدودي بوساطة منظمة “هيئة الإغاثة التركية” (İHH)، ولم تشهد رحلته الدراسية الجديدة أي عوائق سوى طلب من الجامعة بالحصول على وثيقة الاعتراف بشهادة التخرج من جامعته السورية من مجلس التعليم العالي التركي (YÖK).
لم يستطع المهندس الشاب وزملاؤه الذين حصلوا على نفس الفرصة الدراسية الحصول على الوثيقة المطلوبة، بسبب عدم اعتراف مجلس التعليم العالي التركي بالشهادات الصادرة عن الجامعات في الشمال السوري، ولا يدري ما إذا كانت هذه الوثيقة ستعوق تحصيله العلمي في تركيا أم لا.
مؤخرًا، علم المهندس أنه سيحصل على شهادة من جامعة “كارابوك” تخوّله دراسة درجة الدكتوراه لاحقًا، وقال لعنب بلدي، إن الاعتراف بشهادته الجامعية السورية في تركيا أمر غير معروف بعد، وسط حديث عن إمكانية عمله في المنشآت والشركات التركية الخاصة، وإمكانية ترشيح اسمه كطالب للحصول على الجنسية التركية.
ولا يهتم معتز بقضية الاعتراف بشهادته، حسبما قال، إذ كان يدرس في جامعة غير معترف بشهادتها، لكن ما يهتم له هو الخبرة العملية التي سيحصل عليها من التدريب في تركيا (ستاج)، والتي سيحملها معه عند عودته إلى سوريا ليعمل كمدرّس في إحدى الجامعات.
توفر بعض الجامعات التركية مقاعد دراسية لخريجي جامعات الشمال السوري لإكمال دراساتهم العليا، لدرجتي الماجستير والدكتوراه، بأربع طرق:
– تسجيل الطالب للدراسة في الجامعة بشكل مباشر دون وساطة الجامعة أو مؤسسات المجتمع المدني. – اتفاقيات تعاون بين الجامعات التركية والجامعات السورية العاملة في الشمال. – التسجيل في الجامعات عبر إدارة المنح التركية (Türkiye Bursları). – مذكرات تعاون بين منظمات مجتمع مدني والجامعات التركية. |
لا اعتراف إلى الآن
لم تعترف الجامعات التركية أو مجلس التعليم العالي التركي (يقابل وزارة التعليم العالي في بعض الدول) بالشهادات الصادرة عن الجامعات الحكومية أو الخاصة في الشمال الغربي السوري بشكل رسمي إلى الآن.
لكن بعض الجامعات التركية تقبل بعض الخريجين لإكمال دراساتهم العليا فيها بعد توقيعها بروتوكولات تعاون مع الجامعات السورية، أو في إطار المنح الدراسية التي تقدمها إدارة المنح التركية التابعة لـ”رئاسة أتراك المهجر والمجتمعات ذوي القربى” (YTB)، في خطوة لم يُحدد بعد ما إذا كانت اعترافًا رسميًا بشهادات هؤلاء الطلاب أم لا.
وتتعلّق آمال الطلاب والعاملين في قطاع التعليم العالي بالشمال السوري بالاعتراف التركي، على اعتبار أن السلطات التركية تدعم التعليم العالي في المنطقة عبر قبول الشهادات الثانوية الصادرة عن المجالس المحلية للتسجيل في جامعاتها، والسماح بشكل محدود ووفق شروط للطلاب بالعبور إلى أراضيها للدراسة في جامعاتها، وافتتاح كليات وأقسام لجامعة حكومية تركية في سوريا.
وفي حزيران الماضي، أعلنت جامعة “إدلب” إيفاد الدفعة الثانية من طلاب الدراسات العليا المقبولين في المنحة التركية إلى تركيا، بعد أن أوفدت 30 طالبًا من حملة الإجازات الجامعية والماجستير عقب قبولهم في المنحة التركية، في تشرين الأول 2020.
وفي 10 من آذار الماضي، أعلنت مؤسسة “تعليم بلا حدود- مداد” قبول مجموعة من خريجي جامعة “حلب في المناطق المحررة” بمرحلة الدراسات العليا في جامعة “غازي عينتاب” التركية، بناء على اتفاقية تعاون مشتركة بين المؤسسة والجامعة.
وتقدم طلاب من خريجي جامعة “حلب الحرة” إلى جامعات تركية للدراسة فيها، وقُبلوا دون وجود مذكرات تعاون بين جامعة “حلب” وهذه الجامعات، بحسب نائب رئيس الجامعة للشؤون الإدارية وشؤون الطلاب، ضياء القالش.
وقال القالش لعنب بلدي، إن اتفاقًا وُقّع بين جامعة “حلب الحرة” وبعض الجامعات التركية على قبول طلاب من خريجي الجامعة في برامج الدراسات العليا لديها.
وتحدث عن التواصل مع عدد من الجامعات التركية من أجل عقد اتفاقيات تعاون في مجالات متعددة، منها قبول الطلاب، مشيرًا إلى أن الصعوبة التي تعترض الجامعة والطلبة الذين قُبلوا في جامعات تركية هي إذن الدخول إلى الأراضي التركية لمتابعة الدراسة.
ولا يُعتبر استكمال الدراسات العليا لخريجي جامعات الشمال السوري في الجامعات التركية اعترافًا بهذه الجامعات، وإنما هو فرصة تقدمها هذه الجامعات للطلاب السوريين لمتابعة تحصيلهم العلمي، عن طريق علاقات بين مؤسسات مجتمع مدني أو جامعات في الشمال مع الجامعات التركية، بحسب المدير الإداري للمنح الطلابية في مؤسسة “مداد”، أحمد إسماعيل.
وقال إسماعيل لعنب بلدي، إن مؤسسة “مداد” سجلت لخمسة طلاب من خريجي جامعة “حلب” في جامعة “غازي عينتاب” عن طريق بروتوكول مع الجامعة، كون المؤسسة تدعم كليات الجامعة التركية في الداخل السوري وتمنح رواتب للكوادر التدريسية.
لكن هؤلاء الطلاب مهددون الآن بالفصل، بسبب طلب رئيس جامعة “غازي عينتاب” الجديد منهم تزويد الجامعة باعتراف بإجازاتهم الجامعية السورية من مجلس التعليم العالي (YÖK)، وهو أمر يعجزون عن فعله.
وأضاف إسماعيل أن أغلب الجامعات التركية تطلب الآن من الطلاب السوريين اعترافًا تركيًا بشهاداتهم، وشروط قبول الطلاب تختلف بحسب الجامعة وأحيانًا بحسب إدارتها.
وأوضح أن إنشاء علاقات مع الجامعات التركية ووجود مفاوضات معها يُيسّر قبول الخريجين لإكمال دراستهم فيها، إذ إن الأمر متاح بشكل مسبق، وهذا الأمر استفادت منه جامعة “إدلب” واستطاعت إيفاد العدد الأكبر من الخريجين إلى تركيا.
من جهته، أوضح رئيس جامعة “إدلب”، الدكتور أحمد أبو حجر، في حديث إلى عنب بلدي، أن قبول الطلاب الموفدين إلى تركيا يتم بموجب اتفاق بين الجامعة وإدارة المنح التركية (YTB) التي تعمل على قبول الخريجين بمعظم الاختصاصات ومعظم الجامعات الحكومية التركية.
وقال أبو حجر، إن “هذا القبول هو عبارة عن اعتماد أو اعتراف بالشهادة الصادرة عن جامعة (إدلب)”.
وأضاف أن الاعتراف ليس فقط لشهادة جامعة “إدلب” بدرجة البكالوريوس وإنما لدرجة الماجستير أيضًا، إذ يستطيع الطالب متابعة درجة الدكتوراه عند حصوله على الماجستير من الجامعة.
وأشار إلى أن هذا “الاعتماد” موجود خارج إطار المنح، فهناك العديد من الطلاب المتخرجين من جامعة “إدلب” ويرغبون بمتابعة الدراسات العليا من دون توقيع عقد مع الـ”YTB”.
وهناك الكثير من التنسيق مع جامعات وعضويات واتحادات على مستوى العالم “معتمدة شهادة جامعة إدلب، وليست معترفة بها”، بحسب أبو حجر، الذي اعتبر أن الشهادات التي تمنحها الجامعة “قوية في محتواها العلمي”.
ماذا يعني الاعتماد والاعتراف بالجامعة؟
الأستاذ الجامعي عبد الرحمن الحاج، أوضح في منشور عبر صفحته في “فيس بوك” أن الاعتراف بالجامعة هو إقرار بأن الشهادة التي تصدر عن جامعة معيّنة هي شهادة تتمتع بالمصداقية فيما يتعلق بمؤهلات حاملها، ومطابقته لمعايير الجودة المعتمدة في مجلس التعليم العالي لدولة ما أو وزارة التعليم العالي (حسب نظام كل دولة).
وصدور قرار بـ”اعتماد” الجامعة يعني “الاعتراف” بها والتعامل معها، ويجب أن يصدر قرار الاعتماد من الجهة الرسمية المختصة في الدولة بالتعليم العالي (مجلس التعليم العالي أو وزارة التعليم العالي).
وبيّن الحاج أن الاعتراف درجات، اعتراف الدولة التي رُخصت الجامعة على أراضيها واعتُمدت من قبل الهيئة الرسمية المختصة بالتعليم العالي بالبلاد هو أدنى درجات الاعتراف، إذ إنه ساري المفعول فقط على أراضيها.
والاعتراف خارج الدولة التي رُخصت واعتُمدت فيها، ويتطلب الحصول على اعتماد أو اعتراف من إحدى هيئات الاعتماد الدولية المعترف بها (روابط، هيئات، مؤسسات، اتحادات)، ويبقى اعتمادًا محدودًا في حدود الدول التي تعترف بهيئة الاعتماد التي حصلت منها عليه.
ولا يمكن التقديم على الاعتماد خارج حدود الدولة المسجلة فيها الجامعة إلا بعد تخرج الدفعة الأولى من الطلاب (من ثلاث كليات على الأقل لدى بعض الروابط)، أي بعد مرور خمس سنوات على الأقل على إنشائها، والحصول على الاعتراف أو الاعتماد قد يتطلب سنوات.
قطاع منقسم تحت مظلة مجلسَين
تدير حكومتا “الإنقاذ” و”السورية المؤقتة” العاملتان في الشمال السوري قطاع التعليم العالي عبر مجلسي التعليم العالي في مناطق محافظة إدلب ومدن وبلدات ريف حلب الواقعة تحت سيطرتهما.
وبعد توقف الدراسة في كليات جامعة “حلب” التابعة للنظام السوري الموجودة في إدلب، مع سيطرة فصائل المعارضة على مركز المدينة في آذار 2015، أُسّست جامعة “حلب الحرة” أو “جامعة حلب في المناطق المحررة” بقرار من “الحكومة السورية المؤقتة” عام 2015 في حلب وإدلب وريف حمص وريف دمشق ودرعا، بأكثر من 13 كلية وأربعة معاهد تقانية.
وبعد سيطرة حكومة “الإنقاذ” على محافظة إدلب وأجزاء من ريف حلب الغربي في أواخر 2017، أغلقت كليات جامعة “حلب الحرة”، ومقر الجامعة في بلدة الدانا شمال إدلب عام 2018، ما دفع “الحكومة المؤقتة” لنقل مقرها إلى ريف حلب.
وفي حزيران عام 2018، أغلقت مجموعة “سواعد الخير” التابعة لـ”هيئة تحرير الشام” المسيطرة عسكريًا في إدلب، جامعة “إيبلا” الخاصة شمال شرقي سراقب في ريف إدلب، بعد اقتحامها مقر الجامعة إثر انتشار مقطع فيديو يظهر فيه الطلاب والطالبات يرقصون معًا في أثناء حفلة تخرج، واعتقلت رئيس الجامعة حينها وأحالته إلى القضاء.
وفي شباط 2019، أغلقت جامعة “الإنقاذ الدولية” في ريف إدلب أبوابها أمام الطلاب مع عدم قدرتها على الترخيص، بعد صدور قرار، في كانون الثاني من العام نفسه، عن “مجلس التعليم العالي” في المدينة يقضي بإيقاف العملية الامتحانية في كل من جامعة “الإنقاذ الدولية”، وجامعة “الريان العالمية”، وجامعة “آرام للعلوم”، و”الجامعة السورية الطبية”، وجامعة “شمس القلوب”، ومنح كل منها مدة شهر لتسوية أوضاعها واستكمال تراخيصها.
وفي شباط الماضي، أعلنت “الحكومة المؤقتة” إغلاق عدد من الكليات والمعاهد الطبية في “الجامعة الدولية للعلوم والنهضة الخاصة” في مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي، لعدم وجود ترخيص لها، مع شرط تأمين الملفات للترخيص لمتابعة العملية التعليمية فيها.
وبالإضافة إلى الجامعات السورية العامة والخاصة في المنطقة، افتتحت السلطات التركية كليات وأقسامًا لجامعتي “غازي عينتاب” و”العلوم الصحية” الحكوميتين في مدن وبلدات ريف حلب الخاضعة لسيطرة “الحكومة المؤقتة”.
وبينما اتخذت تركيا هذه الخطوة في ريف حلب، ترفض جامعة “إدلب” افتتاح كليات تابعة لجامعات تركية في المنطقة.
وقال رئيس الجامعة، الدكتور أحمد أبو حجر، وهو المكلّف بتسيير أعمال وزارة التعليم العالي في حكومة “الإنقاذ”، لعنب بلدي، “هذا لا نرغب به ولا نسعى له، وعند طلب افتتاح كليات للجامعات التركية في الشمال المحرر سيكون وفق ضوابط وشروط نحن نحددها واختصاصات تحتاج إليها المنطقة”.
شروط تعرقل الاعتراف..
جامعة “باشاك شهير” حالة فريدة
تضع الجامعات التي تحاول جامعات الشمال التعاون معها من أجل الحصول على اعتراف بها شروطها، التي تتمثل في مبالغ مرتفعة، أو أوراق رسمية مصدقة من جهة حكومية تعترف بها، أو أن تكون الجامعة قد خرّجت عددًا معيّنًا من الطلاب، وهي شروط لم تستطع معظم الجامعات السورية تحقيقها.
والاعتراف قرار سياسي، له متطلبات عديدة، منها نسبة أعداد الطلاب وحملة الدكتوراه والماجستير، وكيفية وضع الأسئلة، وعدد المخابر والتقسيمات الإدارية.
وتسعى جميع الجامعات شمال غربي سوريا إلى الحصول على اعتماد، لكن حتى الآن لم توفق أي جامعة بالحصول على اعتراف حقيقي، وجميعها حصل على اعترافات جزئية من بعض الجامعات عن طريق علاقات توأمة أو مشاركة أو تعاون علمي، مع وعود “قوية” بوجود اعترافات في المراحل المقبلة، بحسب رئيس جامعة “ماري” الخاصة، الدكتور خالد الطويل.
وقال الطويل، في حديث إلى عنب بلدي، إن بعض الجامعات التي أرادت أن تعطي جامعة “ماري” اعترافًا طلبت مبالغ كبيرة، وسيترتب قسم من هذه المبالغ على الطلاب، ولن يكونوا مستعدين لدفعها.
وأضاف أن الطالب الذي يدرس في جامعات الشمال مقتنع أنه سيعمل في هذه المنطقة ولا يهمه موضوع الاعتراف كثيرًا، أما من الناحية العلمية فهو يتلقى معلومات علمية “ممتازة”، وتعليمًا أفضل من التعليم في الجامعات التي يديرها النظام وربما أفضل من التعليم في جامعات الدول المجاورة.
وحول الهدف من إنشاء جامعات في الشمال دون وجود اعتراف خارجي بها، أوضح الطويل أن الطلاب سيتابعون تعليمهم الجامعي سواء أكان هناك اعتراف خارجي أم لا، وإذا وُجد الاعتراف فـ”الأمر جيد”، ولكن إذا لم يوجد فلن يُترك الطلاب “ليجلسوا في الشوارع دون دراسة، والأفضل أن يدرسوا مع انتظار الفرج من الله”، بحسب تعبيره.
وتحدث الطويل عن استقطاب الجامعات التركية طلابًا من الشمال لإكمال دراستهم العليا، مشيرًا إلى استقبالها نحو 75 طالبًا من جامعة “إدلب” سابقًا، ووعود هذا العام باستقطاب عدد من طلاب “إدلب” مع طلاب من جامعتي “الشمال” و”ماري” الخاصتين.
محاولة سابقة للحصول على اعتراف
حاولت جامعة “ماري” العام الماضي الحصول على اعتراف من جامعة “مريم أباشا” الأمريكية الخاصة في النيجر، وتلقت وعودًا بالحصول على اعتراف، لكن الجامعة الأمريكية طلبت عددًا كبيرًا من الخريجين (100 طالب سنويًا)، وهو عدد لا تمتلكه الجامعة لكونها جامعة خاصة “صغيرة”.
وأُسست جامعة “مريم أباشا” الأمريكية في النيجر عام 2013، وهي جامعة معترف بها من قبل وزارة التعليم الفيدرالية للحكومة النيجيرية، ومعتمدة من قبل “خدمة الاعتماد للكليات الدولية”، وهي عضو “المجلس الأمريكي للتعليم”.
كما طلبت الجامعة الأمريكية مبالغ كبيرة بهدف تصديق الشهادات أو الاعتراف بها، والطلاب لم يكونوا “متحمسين” لهذا الأمر، ما اضطر الجامعة للوقوف “عاجزة” عن الحصول على الاعتراف، ومن الممكن في السنوات المقبلة، في حال حدوث تطورات جديدة، إعادة تفعيل الاتفاق مع الجامعة والحصول على اعترافها، بحسب الطويل.
الاعتراف موجود لكنه مرتفع التكلفة
بينما تجد الجامعات في الشمال السوري صعوبة في الحصول على اعتراف بها من قبل جامعات أخرى خارج حدود سوريا، استطاعت جامعة “باشاك شهير” في مدينة الباب إبرام اتفاقية مع جامعة “اليرموك” الأردنية لمنح شهادة الأخيرة لطلابها.
وأصل الجامعة هو “أكاديمية باشاك شهير” المُفتتحة في منطقة باشاك شهير باسطنبول عام 2015، ولديها رخصة للعمل في تركيا، وافتتحت فرعها في مدينة الباب بريف حلب عام 2017، بعد تحريرها من تنظيم “الدولة الإسلامية”، وفي العام الحالي، وبعد تشكيل “مجلس التعليم العالي” التابع لـ”الحكومة المؤقتة”، حصلت على ترخيص في الداخل السوري بنفس الاسم، بحسب المسؤول الإداري للجامعة، محمد الخضر.
وقّعت الجامعة اتفاقيات مع جامعات خارج تركيا تخولها منح شهادتها، كجامعة “اليرموك” الأردنية، بشرط أن تلتزم بقوانين وأنظمة الجامعة الشريكة، بحسب ما قاله الخضر في حديث إلى عنب بلدي.
وأضاف الخضر أن “باشاك شهير” كأكاديمية في تركيا ليست جامعة تمنح شهادتها ولكنها تمنح شهادة الجامعة الشريكة، فطلابها الذين درسوا برنامج جامعة “اليرموك” حصلوا على شهادتها في مرحلتي الإجازة والدراسات العليا.
أما في الداخل السوري، فتقدم جامعة “باشاك شهير” لطلابها شهادتين، الأولى من الجامعة نفسها مصدقة من “مجلس التعليم العالي” التابع لـ”الحكومة المؤقتة”، والثانية من الجامعة الشريكة إن رغب الطلاب في ذلك.
وأوضح المسؤول الإداري أن الشهادة التي يحصل عليها الطالب كشهادة جامعة “اليرموك” معترف بها حول العالم، أما شروط التعديل فتختلف من بلد لآخر وحسب نوع التعديل المطلوب.
وتسعى الجامعة لتغطية الطلاب أكاديميًا بشهادات دولية لمن يرغب، بحسب الخضر، إذ إن لديها اتفاقيات جديدة مع “الجامعة الدولية الحرة” في مالدوفا، وحصلت منها على أغلب البرامج، ما عدا برامج الشريعة الإسلامية واللغة العربية التي بقيت مع الجامعات الشريكة الأخرى.
وأشار إلى بعض الاتفاقيات التي وقّعتها الأكاديمية مع إدارة برامج اللغة العربية في جامعات أخرى، كاتفاقيات مع جامعتي “آغري” و”إغدر” الحكوميتين التركيتين، التي تعطي الأكاديمية صلاحية إدارة وتسجيل الطلاب والتدريس في اللغة العربية في تلك الجامعات.
وتقبل الجامعة من الطلاب للتسجيل فيها جميع الشهادات التي يقبلها “مجلس التعليم العالي” وبشروطه، أما سابقًا، وعندما كانت أكاديمية فقط، فكانت تلتزم بشروط الجامعة الشريكة، التي كان من أهمها أن يصدق الطالب أوراقه أصولًا أو أن يكون حاصلًا على المعادلة التركية (Denklik).
وأشار الخضر إلى أن الإقبال على الحصول على شهادة “اليرموك” ضعيف، بسبب الضائقة لدى الطلاب، ولذلك يدرس حوالي 95% من الطلاب بمنح مدفوعة بالكامل، أما في درجة الماجستير فنسبة الطلاب الذين يدرسون على حسابهم الخاص أعلى.
وتبلغ تكلفة الحصول على الشهادة أربعة آلاف دولار لكل من درجتي البكالوريوس والماجستير مع المناقشة.
مع الاعتراف..
صعوبات تعترض عمل الجامعات في الشمال
إلى جانب أزمة الاعتراف، يفرض واقع الحرب وما خلّفه من أزمات اقتصادية صعوبات عدة على سير عمل الجامعات في الشمال السوري، ويشتكي الطلاب في المنطقة من ارتفاع الأقساط الجامعية في ظل تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي.
ويعد عدم استقرار المنطقة أمنيًا وعسكريًا من أبرز المشكلات التي تواجه الجامعات، إذ يدفع مالكوها مبالغ “طائلة” في سبيل تأمين أبنية وتجهيزات مناسبة للطلاب، لكن عدم الاستقرار يجعل المستثمر والهيئات التدريسية والطلاب في حالة قلق دائمة من تقدم للنظام أو حدوث قصف أو دمار، بحسب رئيس جامعة “ماري” الخاصة، خالد الطويل.
وقال رئيس جامعة “إدلب”، أحمد أبو حجر، إن هناك صعوبات مالية لدى بعض الطلاب، لكنهم يعملون على حلها من خلال وجود العديد من الهيئات الداعمة للمتعثرين ماليًا، مثل “الهيئة العامة للزكاة” و”فريق ملهم” وغيرهما من الفرق الخيرية.
كما تعاني مؤسسات التعليم العالي في الداخل السوري من نقص في أعداد الكوادر التدريسية وحملة شهادات الماجستير في بعض الاختصاصات ونقص في حملة شهادات الدكتوراه، وتعاني لوجستيًا من عدم وجود الأجهزة التخصصية كالحواسيب العالية الدقة والمراسم وأجهزة المخابر، بحسب المسؤول الإداري لجامعة “باشاك شهير”، محمد الخضر.