عنب بلدي – علي درويش
في 5 من آذار الماضي، أنهت رصاصة أُطلقت من جانب الحدود التركية حياة الطفل أحمد ياسر العبد، خلال وجوده أمام منزله في قرية المدلوسة التابعة لمدينة سلقين شمالي إدلب، على الحدود السورية مع تركيا.
مشهد إطلاق النار من قبل عناصر حرس الحدود التركي (الجندرما) في ريف إدلب على المدنيين في القرى الحدودية، والعاملين في الأراضي الزراعية، وما يسببه بسقوط ضحايا مدنيين، صار مألوفًا لدى الأهالي، بحسب ما ذكره مدنيون من أبناء المنطقة التقت بهم عنب بلدي.
الحالات تتكرر
لم يكن أحمد العبد الشخص الأول من عائلته الذي يتلقى رصاصة من الجنود الأتراك، إذ استقرت رصاصة بقدم والده العام الماضي، أطلقها الجنود الأتراك، بحسب ما قاله عبد حسن فلاح (ابن عم المصاب) لعنب بلدي.
وبحسب عبد، فإن جدران منازل القرية توثق استهداف الجنود الأتراك لها، فعدد لا بأس به من المنازل تظهر عليه آثار طلقات نارية، متسائلًا، أين يذهب الأهالي وكيف يحمون أنفسهم من ذلك، فهناك بيوت لا تبعد عن الجدار الحدودي سوى 200 متر؟
مصدر النار الذي قتل أحمد العبد، هو ذاته الذي خرق برصاصته الكتف اليمنى للطفل يزن حاج باكير (11 عامًا) لتخرج من إبطه الأيسر، وترديه قتيلًا أمام أعين جده الحاج “أبو أحمد” (60 عامًا) وأخيه محمد.
وكان الجد “أبو أحمد” توجه في محاولة يائسة بحفيده فور إصابته، في 11 من شباط الماضي، إلى أقرب مستشفى لكن الطفل فارق الحياة.
ولم يكن “أبو أحمد” وحفيداه الطفلان لحظة إطلاق النار في وقت المساء أو بعد العصر، الذي يمنع فيه حرس الحدود التركي المزارعين السوريين من الدخول إلى مزارعهم، بحسب ما أكده بشير حاج بكير، أحد أقرباء الحاج “أبو أحمد”.
ويفصل بين الأرض والجدار التركي وادٍ عميق، ما يعني غياب أي تهديد أو خطر من قبل المدنيين على الجنود، بحسب بشير حاج بكير.
وفي 21 من أيار الماضي، أدى إطلاق نار من قبل حرس الحدود التركي على طفل من قاطني مخيم “الكرامة” في قرية أطمة شمالي إدلب، يعمل في رعي الأغنام بالقرب من الجدار الفاصل بين الحدود السورية- التركية، إلى مقتله.
دفع ذلك بعض شبان المخيم إلى إلقاء قنبلة على أحد “المحارس” التابعة للجيش التركي، وتطور الأمر إلى اشتباكات جرت بين شبان من المخيم وعناصر حرس الحدود، وتراجع عناصر حرس الحدود من نقطة الحراسة بالقرب من الجدار الفاصل في قرية أطمة.
وخلال تناوله الطعام، طال رصاص حرس الحدود الطفل رضوان العبيد (12 عامًا) بشكل مباشر، عندما كان في زيارة مع والدته لأخواله في مخيم “أطمة”.
وقال عزام العبيد، عم الطفل لعنب بلدي، إن عنصرًا من حرس الحدود أطلق النار على مسعفي رضوان أيضًا.
ونشر ناشطون، في 23 من آب الماضي، صورًا لوجبة طعام كان يتناولها رضوان لكن رصاصة الموت منعته من إكمالها.
مطالب إلى الجانب التركي.. لا استجابة
تواصل بشير حاج بكير من قرية المدلوسة مع مختار القرية التركية المقابلة للحدود السورية، وشرح وضع المنطقة له، إذ تربط أهالي القريتين صلات قرابة، كما يتكلم أهالي بعض القرى السورية الحدودية اللغة التركية (أصلهم تركمان).
كما تواصل مع قائم مقام المنطقة وشرح له الوضع، الأمر الذي قابله إنكار من الجانب التركي لإطلاق النار على المدنيين.
ويخاف المزارعون أصحاب الأراضي القريبة من الجدار الحدودي التوجه إلى أراضيهم بسبب إطلاق النار في الهواء، ما أدى إلى تأخّر الكثير من المزارعين في جني المحاصيل.
يتحجج الجانب التركي بأن المزارعين لم يأخذوا الإذن من المخفر التركي بالتوجه إلى أرضهم، لكن في بعض الأحيان يُمنع المزارعون من الذهاب وإن كانوا يملكون الإذن، حسب بيان وُجه للجانب التركي من قبل أهالي القرية، اطلعت عليه عنب بلدي.
منظمة تركية تسلّط الضوء وتحذّر
منظمة “مظلوم در” (MAZLUMDER) الحقوقية التركية المتخصصة بالدفاع عن حقوق الإنسان، سلّطت الضوء في تقرير صادر بتاريخ 9 من حزيران الماضي، على حوادث إطلاق النار من حرس الحدود على المدنيين السوريين، التي “تحدث غالبًا خارج الجدار الفاصل على طول 12 نقطة مراقبة تركية حول المخيمات، وأخرى في الأراضي الزراعية والمراعي”، حسب المنظمة.
ولا يبرر استخدام المنطقة (الحدود مع سوريا) من قبل عناصر يهددون تركيا قادمين من سوريا، وحالة تأهب الجيش التركي الدائمة، موت الأطفال وانتهاك حقهم في الحياة، للأشخاص الذين يحاولون بالفعل البقاء على قيد الحياة في ظروف قاسية، حسب “مظلوم در”.
وأشارت المنظمة إلى أن هذه الأحداث إذا لم يجرِ الاهتمام بها بالقدر الكافي، قد “تشكّل استفزازًا خطيرًا” للسوريين، وهي “انتهاكات خطيرة لا يمكن وصفها بالأخطاء”.
إذ توجد، بحسب المنظمة، عدة جهات استخبارية من دول مختلفة تعمل في المنطقة بهدف إرباكها، ومحاولة خلق تصوّر سلبي عن تركيا، خاصة في أذهان السوريين، ومحاولة تمرد اللاجئين ضد تركيا.
وحذرت المنظمة من أنه في حال استمرار الوضع على هذا النحو، يمكن أن تكون نقاط المراقبة العسكرية والعاملين في المنظمات غير الحكومية والعاملين الصحيين، الموجودين في شمال غربي سوريا للمساعدة، في حالة خطر.
ودعت المنظمة السلطات المختصة إلى “اتخاذ إجراءات عاجلة”، لوقف العنف الذي يدعو إلى الاستفزاز على الحدود السورية دون اللجوء إلى مفاهيم مثل “التهديد” على الفور، وبدء تحقيق فعال في الوفيات ومعاقبة المسؤولين عنها، واتخاذ خطوات للتخفيف من آلام الأسر التي فقدت أطفالها.
هل يمكن محاسبة مطلقي النار
المحامي غزوان قرنفل أوضح، في حديث إلى عنب بلدي، أنه على المستوى القانوني، لا يمكن لذوي الضحايا اللجوء إلى القضاء في تركيا دون وجودهم على الأراضي التركية، وتوكيل محامين لإقامة دعاوى، يكون مصيرها مضمونًا لذوي الضحايا.
ويمكن بذل جهود لإيقاف عمليات إطلاق النار، حسب المحامي غزوان قرنفل، بتشكيل لجنة، ومطالبة لقاء الوالي، والحديث معه بأنه لا داعي لإطلاق نار مميت والاكتفاء بالتحذيري حال الضرورة، والسؤال حول أسباب استهداف أصحاب المزارعين الذين تتكرر زيارتهم لأراضيهم.
وأكد المدير التنفيذي لمنظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بسام الأحمد، أهمية تسليط الضوء على عمليات الاستهداف، مشيرًا إلى أن الانتهاكات ضد اللاجئين السوريين في مختلف الدول يُسلَّط الضوء عليها بشكل أكبر مقارنة بتركيا، ما يعزوه إلى أسباب سياسية تمنع ذلك.
ويجب أن توثق هذه الحوادث وتقدم إلى محاكم أخرى، كالمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ما يفتح الباب لآليات تعويض ومحاسبة، حسب بسام الأحمد.
إطلاق نار على طالبي اللجوء
إطلاق الرصاص لا يقتصر على المزارعين داخل الحدود، بل يشمل الساعين لعبور الشريط الحدودي بين الجانبين، إذ أدانت النائبة السابقة لرئيس “الائتلاف الوطني لقوة الثورة والمعارضة السورية”، سميرة مسالمة، مقتل ثمانية سوريين على يد حرس الحدود التركي، في حزيران 2016، في بيان نقلته وكالة “فرانس 24“.
وكانت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، وثقت في تقرير لها عام 2018، إطلاق حرس الحدود التركي النار عشوائيًا على طالبي لجوء سوريين في مناطق حدودية مع محافظة إدلب.
واتهمت المنظمة حرس الحدود الأتراك بإطلاق النار على السوريين وضربهم، عند محاولتهم الدخول إلى تركيا، ما تسبب بمقتل وإصابة عدد منهم بجروح خطيرة، داعية السلطات التركية إلى التوقف عن “صد طالبي اللجوء السوريين والتحقيق في استخدام القوة المفرطة من قبل الحرس”.
ونفى مسؤول كبير في الحكومة التركية صحة التقرير، وكرر القول إن تركيا تستضيف 3.5 مليون من اللاجئين الفارين من الحرب السورية منذ عام 2011، بحسب وكالة “رويترز” للأنباء.
وبلغ عدد السوريين المقيمين في تركيا ثلاثة ملايين و576 ألفًا و344 نسمة، بحسب إحصائيات المديرية العامة لإدارة الهجرة لعام 2020.
جدار على طول الحدود
كانت تركيا أعلنت، في 14 من شباط 2015، الشروع ببناء جدار أسمنتي بارتفاع ثلاثة أمتار، يبدأ من منطقة الريحانية في محافظة هاتاي الحدودية، ويمتد على طول الشريط الحدودي مع سوريا، لمنع تسلل “الإرهابيين”.
وأنهت السلطات التركية، في كانون الثاني 2016، بناء جدار بطول 11.5 كيلومتر في مدينة الريحانية المحاذية للحدود مع سوريا.
لكن الحدود لا تزال تشهد عمليات تهريب مستمرة لنازحين فارين من العمليات العسكرية في سوريا، بالمقابل تشدّد السلطات التركية من رقابتها على الحدود، ضد عمليات التهريب.
وفي 2019، أجرت القوات التركية عملية تأمين حدود جديدة، في خطوة لمنع تدفق لاجئين محتملين من سوريا إلى الأراضي التركية، بحسب صحيفة “ديلي صباح” التركية.
وتمثّلت الإجراءات بوضع جدار وكتل أسمنتية وأسلاك شائكة على طول 21 كيلومترًا على الحدود مع إدلب، مع إجراءات مراقبة مشددة على طول ذلك الجدار.
ويبلغ ارتفاع الجدار مترًا واحدًا بعرض 2.5 متر، ووزن الكتل الأسمنتية الجديدة طنان و300 كيلوغرام للكتلة الواحدة، مع سياج حماية عالٍ ومدعوم بأعمدة بارتفاع مترين، ومضاف إليه رؤوس حادة موضوعة بأعلى السياج.
ويبلغ طول الحدود بين تركيا وسوريا من جهة محافظة إدلب 130 كيلومترًا.
ويشتكي المزارعون السوريون من وضع الجدار ضمن أراضيهم ما يمنعهم من الوصول إليها.