ست سنوات من الجرائم الروسية في سوريا
إبراهيم العلوش
قبل ست سنوات، قالت القيادة الروسية إن تدخلها في سوريا سيحقق أهدافه بعد شهرين أو ثلاثة، ولكن الضلوع الروسي بجرائم قتل المدنيين وتهجيرهم لا يزال مستمرًا حتى اليوم، ولا تبدو له نهاية قريبة حتى الآن.
التدخل الروسي المباشر اعتبارًا من 30 من أيلول 2015 ساعد إيران والنظام على استعادة السيطرة على 60% من الأراضي السورية، وساعدهما أيضًا على ترحيل السوريين، فالأراضي المستولى عليها من قبل قوات النظام والميليشيات الإيرانية سرعان ما تصبح طاردة للسكان عبر الباصات الخضراء أو عبر التهجير الجماعي غير المباشر، حيث تعمل على ترحيلهم إلى الشمال أو إلى تركيا أو إلى لبنان والأردن بمعونة روسية تعتبر المواطنين السوريين مجرد أحجار “دومينو” للضغط على الغرب، وعلى دول الجوار التي لا تزال ترفض الاحتلالين الروسي والإيراني للبلاد السورية.
“الفيتو” الروسي بدوره كان بمثابة قنبلة نووية نزلت على السوريين، فقد سمح لإيران وميليشياتها باستباحة دم الشعب السوري وتهجيره، وسمح بوصول الميليشيات اللبنانية والعراقية والأفغانية التي تديرها إيران في سوريا وتستعملها كسلاح تدمير شامل يجمع بين التدمير العسكري والتدمير السكاني، وهذا الأثر الخطير لا يقارن اليوم حتى بمفعول القنابل النووية في هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين.
ما فعله الروس والإيرانيون ونظام الأسد في سوريا أشبه ما يكون بمحاولة محو بلاد كاملة، فقد أشرفت قواتهم على تهجير أكثر من عشرة ملايين سوري من بيوتهم، وقذفت بستة ملايين منهم إلى خارج سوريا، وقتلت مع قوات النظام أكثر من نصف مليون، وخلّفت أكثر من مليون جريح وذي إعاقة!
وبالإضافة إلى كل هذه الجرائم، فإن الدبلوماسية الروسية تستعمل ملف مئات ألوف المعتقلين والمختفين قسرًا كورقة ضغط على المجتمع السوري المعارض، وتساعد النظام على الاحتفاظ بهم لفرض شروط استمرار الاحتلال، ولإجبار السوريين على القبول باستمرار نظام المخابرات وتبرئة مجرميه، مقابل الإفراج مستقبلًا عن المعتقلين والمختفين قسرًا في سراديب “الأمن العسكري” و”الجوي” ومختلف أنواع المخابرات التي ابتكرتها قريحة حافظ الأسد لخنق السوريين إلى الأبد.
أصدرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، في 30 من أيلول الماضي، تقريرها السنوي السادس المفصّل عن انتهاكات القوات الروسية المباشرة منذ بدء تدخلها العسكري في سوريا، وقالت إن بعض تلك الانتهاكات “ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب”.
حيث تستعمل القوات الروسية الأراضي السورية كحقل رمي لعتادها العسكري ولتصوير فيديوهات تسويق لأسلحتها الجديدة التي يتم تجريبها على المدنيين السوريين، وعلى المنشآت المدنية التي زاد تعدادها على 1231 منشأة. وبنفس هذه الذكرى المشؤومة للتدخل الروسي، قال “الدفاع المدني” في الشمال السوري، إن “فرقه وثّقت مقتل 4018 مدنيًا بينهم أطفال ونساء، وتمكّنت من إنقاذ 8272 مدنيًا أُصيبوا جراء القصف والغارات الروسية”.
ورغم دعم الروس لنظام بشار الأسد واعتباره رئيسًا شرعيًا لسوريا بعد كل الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها، فإنها تستدعيه بلا مواعيد، وتستقبله دون رفع العلم السوري، وتعرّضه لمواقف علنية مهينة، أسوة بسلوك المحتل الإيراني الذي ابتكر هذه المعاملة لنظام الأسد ولرئيسه، وهو الذي يقبل صاغرًا الإهانة والتبعية للمحتلين، سواء بتحويل سوريا إلى محافظة إضافية تتبع لإيران، أو تحويلها إلى مستعمرة روسية.
وتتفاوض روسيا اليوم على سوريا مع إسرائيل، ومع تركيا، ومع أمريكا، ومع أوروبا، ومع الأمم المتحدة، وتعتبر الشعب السوري رهينة لها ولأهدافها الاستراتيجية في القرم وفي شرق أوكرانيا، وتتنافس مع إيران على أكبر قدر من الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية مع نظام الأسد، وتنشر المرتزقة الروس من قوات “فاغنر” في المواقع التي تستولي عليها لحماية بعض المواقع التي نجحت في انتزاعها من النفوذ الإيراني، وتستعمل بعض أنصار النظام لتجنيدهم في قواتها كمرتزقة في ليبيا وربما في مالي، وفي غيرهما من البلدان، حيث يسهل عليها التنصل من المسؤولية عنهم.
ورغم كل مظاهر الانتصارات الروسية، فإن القمة الروسية- التركية التي عُقدت في 29 من أيلول الماضي عشية الذكرى السادسة للاحتلال الروسي لسوريا، كان من أهم مواضيعها وضع خارطة طريق لسوريا، وطبعا دون أي حضور سوري أو إيراني، فالروس يريدون إنهاء الوضع الضاغط عليهم في سوريا، سواء من قبل المجتمع الدولي، أو من قبل منافستهم إيران، ومحاولة التحايل على القوانين الدولية بفبركة دستور يلبي مطامعهم، ويريدون تبرئة مجرمي الحرب الذين تشاركوا معهم في قتل السوريين وبأسرع وقت. فالانتصارات المزعومة لم تنعكس على الاقتصاد، ولا على إعادة الإعمار، ولا على القبول الدولي لنظام بشار الأسد، وهذا ما يزيد زمن ضلوع روسيا في سوريا الذي كانت قد قدّرته بثلاثة أشهر فقط، ولكنه لا يزال مستمرًا بعد ست سنوات، وقد يستمر إلى سنوات مقبلة، وربما لا ينتهي إلا بانسحاب يشبه الانسحاب الروسي من أفغانستان!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :