عنب بلدي – سكينة المهدي
تختلف دوافع القتل بين الأشخاص بحسب المرحلة العمرية والبيئة التي يعيشون ضمنها، كما ترتبط بعوامل نفسية وعقلية، لكن ردود الفعل على الجريمة بحسب جنس الجاني والمجني عليه تختلف باختلاف الثقافات والأعراف والمناطق الجغرافية، ومن الطبيعي أن يتعاطف الناس مع المجني عليه، وعدم تعاطفهم معه يدل على خلل ما.
قتل شاب شقيقه في 29 من أيلول الماضي، وبحسب ما نشرته وزارة الداخلية السورية عبر صفحتها في “فيس بوك”، قُتل الشاب بسبب خلافات عائلية، وبحسب الوزارة، هدد المتهم زوجة شقيقه بقتلها وقتل أطفالها، مجبرًا إياهم على القول إن سبب وفاة الرجل هو وقوعه من سلّم البناء.
تعددت ردود الفعل حول هذه القصة بعد نشرها في مواقع التواصل عبر “فيس بوك”، وعلى الرغم من أن معظم المعلّقين على هذا المنشور عبروا عن استهجانهم للجريمة، فإن عددًا من التعليقات سخرت من الجريمة وطريقة القتل.
وعلّقت “Dr-hadeel arraj” بأن من الجيد عدم وجود قنبلة لديه مثل البقية، في حين علّق آخر (أبو سامر عمر) قائلًا: “أين الكلاشنكوف والقنابل والرصاص، لم يعجبني السيناريو”.
وفي 15 من أيلول الماضي، نشرت شبكة “هاوار” في موقعها الرسمي خبر مقتل فتاة اسمها ديلان عبد الرحمن على يد شقيقها، في قرية سرمساخ فوقاني بريف الحسكة، بطلق ناري في القلب مباشرة، وكان أهل الفتاة قد زوجوها من ابن عمها بالإكراه مطلع آذار الماضي، فهربت من منزل زوجها إلى بيت أهلها طالبة الطلاق ورافضة العودة إلى منزل زوجها، وقتلها أخوها بسبب ذلك.
بعد انتشار خبر الجريمة على وسائل التواصل الاجتماعي، تعاطف أغلب المتفاعلين مع الفتاة الضحيّة، لكن بعض التعليقات جاءت ساخرة، إذ علّق إسماعيل الفازع على إحدى الصفحات التي نشرت الخبر عبر صفحتها في “فيس بوك” بالقول، إن “هذا حصل بسبب مشاهدتهن (الفتيات) للمسلسلات التركية”، أما “Mohammad Alkannas” فعبّر عن تعاطفه مع الجاني، معتبرًا أن الأهم ألا يُحبس أخوها أو يصيبه ضرر من هذه القصة.
تأثير التمييز الجندري
قال الطبيب النفسي إسماعيل الزلق، لعنب بلدي، إن الإحساس بالذنب ليس معيارًا، وقد يرى الذكر أن ارتكاب جريمة ما واجب يقع على عاتقه من قبل المجتمع، ويكون هذا بسبب التعامل مع الأنثى والذكر بطريقتين مختلفتين بدءًا من المنزل ومؤسسات المجتمع الأخرى، كتضخيم أخطاء أحد الطرفين والتخفيف من أخطاء الطرف الآخر، والتعامل مع الفتاة بطريقة اللوم أو الإهانة وإعطاء الشاب دورًا كبيرًا، على أنه حامي حمى الأسرة ولا يمكن لأحد إزعاجه، وهذا يوقع على عاتقه مسؤولية من داخله بعدم ارتكاب أخطاء بحق أي فرد في العائلة، فالدور الاجتماعي والنظرة الاجتماعية للذكور والإناث لهما دور في تسويغ مثل هذه التصرفات العنيفة والجرائم.
والتعاطف بناء على جنس مرتكب الجريمة، قد نراه من قبل الإناث تجاه بعضهن ومن الذكور تجاه بعضهم، وهذا يكون أيضًا بسبب الدور الاجتماعي الذي يُعطى للرجل، فيعتقد أن من حقه ارتكاب العنف لحماية أسرته، ويتعاطف معه من هم من مثل جنسه، حتى السيدات عندما ترتكب إحداهن جريمة تجاه رجل قد يتعاطفن معها، ويتم التسويق لجريمتها على أنها قد تكون مظلومة ولا تحظى بحقوقها، لكن لا يجب أن يصل هذا التعاطف إلى تبرير الجريمة، وبالتالي فالتعاطف مبنيّ على الخلفية الاجتماعية، بحسب ما قاله الطبيب إسماعيل الزلق.
الاختصاصي في علم النفس محمد شخيص، قال لعنب بلدي، إن الإحساس بالذنب موجود عادة عند الأشخاص الذين يدركون أنهم أخطؤوا، أما من يعتبر القتل ذكاء أو قوة، فيكون اعتقاده هذا نتيجة الخلل النفسي في تركيبة شخصيته، وينعدم هذا الإحساس بالذنب أو تنعدم حتى صورة الذنب بشكل كامل لديه.
ويرى الباحث الاجتماعي محمد سلوم، بحسب ما قاله لعنب بلدي، أن السبب الرئيس لتعاطف الناس مع القاتل على أساس جنسه يحدث بسبب العقلية الأبوية في المجتمع، وغالبًا ما يتم التعاطف مع الذكور، لأنهم يعتبرون المرأة مخطئة دائمًا، بسبب البناء الاجتماعي الأخلاقي الذي يجعل الناس يتعاطفون مع المجرم إذا كان ذكرًا، على الرغم من أن المرأة أكثر سلمية وأكثر ضعفًا، وهذا التعاطف غير مبرر، وما هو إلا تراكمات من المجتمعات القائمة على عقلية السلطة الأبوية.
آثار تحويل الجريمة إلى كوميديا
يعتقد الطبيب النفسي إسماعيل الزلق، أن التعامل مع الجريمة كفعل مضحك من قبل الفرد يخفف من وقع الجريمة، ويجعل الناس أكثر تقبلًا لها، وأكثر استعدادًا للقيام بها، لذلك يجب التعامل معها على أنها اعتداء وظلم، ولا يجب تسويغها تحت أي ظرف، ويمكن تفسيرها دون التطرق إلى تبريرها، كما أن تحويل الجريمة إلى شيء مضحك يعبّر عن العدوان الداخلي للفرد، ويكون بسبب العنف المطروق في الأفلام ووسائل الإعلام، وهنا تأتي مسؤولية المؤسسات الإعلامية لطرح الجرائم بطريقة مهنية واضحة، وتوضيح أثر هذا الفعل على المجتمع.
ويقول الباحث سلوم، إن اعتبار الناس أن الجريمة أمر مضحك والسخرية منها يحدث بسبب كثرة الجرائم التي ارتُكبت في الفترة الأخيرة، وفقدان الناس إحساسهم بالأسى، إذ كانت نسبة التعاطف مع الضحية أكبر عندما كانت الأخبار تقتصر على التلفاز مثلًا، حتى إن التعاطف مع الضحية الأنثى كان أكبر من الوقت الراهن، والسبب هو الانفتاح على متابعة الأخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويجب إعادة بناء الأخلاقيات في المجتمعات القائمة على التمييز الجندري الموجود في العالم بأسره.
متخصص علم النفس محمد شخيص، يرى أن التعامل مع أي جرم بشكل هزلي ليس من الأمور الإيجابية على الإطلاق، لكن سنوات الحرب الطويلة في سوريا أثّرت بشكل واضح على التعامل مع الجرائم والعنف، وفكرة الموت وحدوثه في المجتمع صارت طبيعية، وأصبحت الجريمة مستساغة ومبررة لدرجة مثيرة للسخرية تحت وطأة وضغوط الواقع الذي نعيشه، وعدم المنطقية بتوفير الاحتياجات الأساسية للناس.