عنب بلدي – أحمد حاج بكري
لم يكن همام الزعزوع يتوقع غيابه الطويل الذي دخل سنته الثامنة، عن مدينته البوكمال بريف دير الزور، التي خرج منها مع أسرته عقب سيطرة تنظيم “الدولة” عليها عام 2013.
ورغم إخراج تنظيم “الدولة” من البوكمال عام 2017، لم يتمكن همام من العودة، بسبب سيطرة الميليشيات التابعة لإيران وقوات النظام السوري على المدينة.
يقول همام، إنه “لا فرق بين داعش وميليشيات إيران على أرض الواقع”، مضيفًا، “أنا أتابع ما يحدث في المدينة بشكل يومي، إيران هدفها فقط تجنيد أبناء المدينة وربطهم بها لتصبح المنطقة تحت إدارتها على المدى البعيد، ولتحقيق ذلك فهي تعمل بكل الطرق الممكنة”.
أهداف خفيّة
تقدّم إيران نفسها للمجتمع المحلي في محافظة دير الزور، وتعمل للتقرب منه عبر نشاطات ثقافية وخدمات، تغلّفها بطابع إنساني، إلا أنها ترمي من ورائها إلى بسط السيطرة، بحسب ما يقوله شهود.
يشكّل المركز الثقافي الإيراني نموذجًا للجهات التي تنشط داخل محافظة دير الزور، إذ افتتح المركز فروعًا له في مختلف مدن المحافظة، وادعى مديره السابق، “أبو صادق”، في حديث لقناة “سما“، أن هدف المركز رسم الفرح على وجوه أبناء دير الزور وأطفالها، وتعهّد بإقامة المزيد من المهرجانات في مدن البوكمال والميادين بريف المحافظة.
ويشارك المركز في معظم الفعاليات المدنية مثل عيد الأم، حيث شارك مدير المركز في حفل لتكريم الأمهات كان قد نظمه المركز بالتعاون مع محافظة دير الزور، كما كرّم المركز عددًا من الأطفال. وقال مدير المركز خلال الاحتفال، إن ما تقوم به الجمهورية العربية السورية يدخل في باب الواجب الديني الإسلامي في الوقوف مع المستضعفين ومساعدتهم.
الباحث بدر صفيف يوضح أن إيران تسعى لتجذير مشروعها ضمن الحاضنة الشعبية من خلال هذه النشاطات بشكل موازٍ لنشاطها العسكري عبر الميليشيات التي قد ترحل في يوم ما عن سوريا، خصوصًا إذا تم التوصل إلى حل سياسي ينص على خروج تلك الميليشيات من سوريا، وهي خطوة يبدو أن إيران تستبق الوصول إليها من خلال العمل على تأسيس وجود طويل الأمد.
نادرًا ما تروّج إيران لأنشطتها في دير الزور إعلاميًا، وخصوصًا عبر وسائل إعلامها الموجهة للجمهور العربي والعالمي، كما تقدم منحًا دراسية وخدمات اجتماعية وإغاثية وطبية للسكان المحليين، عن طريق المراكز الثقافية الإيرانية، إلى جانب جمعيات تنسق مع الأخيرة، بحسب مصادر محلية وتصريحات للمراكز، ويكشف هذا التحقيق عن أهداف أخرى لإيران من خلال عملها المدني على الأرض مستغلة قوتها العسكرية ونفوذها الواسع.
الذراع الضاربة
أُسّس المركز الثقافي الإيراني في محافظة دير الزور منتصف عام 2018، بعدما يقارب العام من سيطرة النظام السوري والميليشيات الموالية لإيران على المحافظة وطرد تنظيم “الدولة” منها، وبدأ نشاطه الفعلي بداية عام 2019، بحسب ما أفاد به ثلاثة صحفيين من المحافظة.
وأنشأت إيران ثلاثة مراكز ثقافية أساسية في مدن دير الزور والميادين والبوكمال، وتعتبر الأنشط من حيث الفعاليات التي تُقام واهتمام المسؤولين الإيرانيين، إضافة إلى وجود مراكز فرعية في مناطق أخرى غربي دير الزور كبلدة التبني.
تتفرع أنشطة المركز الثقافي الإيراني في المحافظة إلى أكثر من مجال، منها الثقافي الديني، والصحي والإغاثي، والتعليمي.
نشاط ثقافي ديني.. غسل الأدمغة
ويرى الباحث والصحفي بدر صفيف، وهو من محافظة دير الزور حيث عمل مدرّسًا لفترة طويلة فيها قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011، أن إيران تسعى إلى تغيير معالم محافظة دير الزور ذات الطابع العشائري السنّي من خلال إنشاء مثل هذه المراكز، التي تغلغلت في عدة قطاعات أبرزها قطاع التربية، لما له من دور أساسي في غسل أدمغة الأطفال والفتية، واستبدال عقائد الفكر الشيعي وثورة خامنئي بها.
نشرت شبكة “عين الفرات” المهتمة بتغطية أحداث دير الزور، في 26 من آذار الماضي، صورًا قالت إنها لفعالية تكريم المعلمين التي أجراها المركز الثقافي الإيراني بمديرية تربية دير الزور، بغية التقرب من الأهالي والتغلغل بهم لتغيير عقيدتهم.
وتحدثت الشبكة عن تكريم الشخصيات ذاتها التي كرّمها المركز خلال احتفالات العامين السابقين، ما يعكس عبثية الفعالية وإقامتها من قبل المركز الثقافي فقط لغايات الظهور بمظهر المهتم بأمور المدينة.
التعليم في القبضة
في شهر شباط 2020، نشرت شبكة “عين الفرات” أيضًا، فيديو يظهر مركز الكشّاف التابع للمركز الثقافي الإيراني في حي القصور بمدينة دير الزور، الذي تتخذ منه الميليشيات الإيرانية مركزًا لنشاطات تستهدف الأطفال، من خلال إقامة الاحتفالات، وتكريم الطلاب بهدف “تشييعهم”، وإرسالهم رحلات إلى إيران والسيدة زينب بدمشق، التي أصبحت معقلًا للميليشيات الإيرانية ومركزًا لنشر التشيّع.
الصحفي أمجد الساري الناطق باسم شبكة “عين الفرات”، كشف لمعدّ التحقيق أن المركز الثقافي الإيراني يسيطر بشكل كامل على قطاع التعليم من خلال المراكز التربوية والدينية التابعة له، والتي أصبحت موجودة في كل مدينة من مدن المحافظة، كمركز “النور الساطع” الموجود في مدينة الميادين، ومركز “الأخوة” في مدينة البوكمال، وهي مراكز مخصصة للأطفال يتم فيها تعليمهم اللغة الفارسية والمذهب الشيعي، إلى جانب نشاطات ترفيهية، كتنظيم رحلات لمحافظات سورية أخرى كدمشق واللاذقية، وتوزيع الألعاب والهدايا على الأطفال في معظم الفعاليات المقامة بدير الزور ومناطق أخرى.
من جهته، يقول الباحث بدر صفيف، إن أي نشاط تعليمي تقيمه مديرية التربية التابعة للنظام السوري، لا يمكن أن يحصل من دون مشاركة من المركز الثقافي الإيراني، الذي يرسل مندوبًا عنه ليلقي كلمة باسم المركز، وفي أغلب الأوقات يحضر مدير المركز في المحافظة، كما وظّف المركز شخصًا من طرفه للتنسيق بين المركز ومديرية التربية وفرع “طلائع البعث” في المحافظة، وهو راشد فيصل العبيد الذي يشغل أيضًا منصب المنسق العام لمركز “كشّافة المهدي” منذ افتتاحه عام 2019، والذي يتركز عمله في إقامة أنشطة أسبوعية للأطفال وتنظيم الرحلات الترفيهية وتقديم الهدايا لهم بهدف تحبيبهم بإيران.
ويحرص المركز على المشاركة في أي نشاط أو فعالية ثقافية كانت أم سياسية، وأخرى مرتبطة بأحداث عسكرية، ويقدم الدعم لأي منظمة محلية، ليعزز وجوده في أي نشاط، ولتصبح مشاركته اعتيادية لدى سكان المنطقة، بحسب ما قاله الصحفي عهد الصليبي، كما يقدم المركز عدة عروض مسرحية تستهدف الأطفال، وتكون غالبًا مترافقة مع نشاط أو فعالية له من الفعاليات التي يقدمها في مدن وقرى المحافظة، وتظهر صورة حصرية حصلنا عليها “الكرفان” المتنقل، وهو عبارة عن شاحنة يستخدمها المركز في تقديم عروضه المسرحية.
استثمار في صحة الأهالي
وفي إطار عملها للسيطرة على مرافق الدولة ومعظم الخدمات التي تقدم للمدنيين لفترة طويلة، عمدت الميليشيات الإيرانية منذ السيطرة على أجزاء من محافظة دير الزور وبدعم من المركز الثقافي الإيراني، إلى افتتاح أو إعادة تأهيل مستشفيات ومراكز طبية تنتشر في مدن وبلدات محافظة دير الزور غرب نهر “الفرات”.
وتقدم تلك المراكز خدماتها الطبية، كما تشمل توزيع لقاحات للأطفال وأدوية للسكان، خصوصا أولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة كالقلب والسكري، كما شهدت بعض المراكز مع انتشار فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) مؤخرًا، تقديم عناية طبية لمصابي الفيروس، إلى جانب توزيع أقنعة طبية وفيتامين “سي” على الأهالي.
موقع “صدى الشرقية” المختص بتغطية الأحداث في مناطق شرقي سوريا، نشر صورًا تظهر المراكز الطبية المنتشرة في محافظة دير الزور والتي يشرف عليها أطباء من إيران، بحسب ما تظهره الصور.
كما استولى المركز الثقافي الإيراني على مستشفى “الهناء” في مدينة البوكمال، وغيّر اسمها إلى مستشفى “الشفاء”، بحسب ما أفاد به الصحفي عهد الصليبي ابن محافظة دير الزور، وتُظهر صور حصرية حصل عليها معد التحقيق، مدخل مستشفى “الشفاء” في المدينة وبجواره العلم الإيراني، بالإضافة إلى ذلك، افتتح المركز عيادات طبية بذات الاسم (الشفاء) في مدينتي الميادين والعشارة.
أضاف الصليبي أن المركز سيطر على مستشفى “الفرات” الملاصق للجسر المعلّق في مدينة دير الزور، وبدأ المركز، مطلع شباط الماضي، بترميم مستشفى “النور”، وسط دير الزور، وإعادة افتتاحه بعد أن ربح مناقصة كانت قد أعلنت عنها مديرية أوقاف دير الزور في وقت سابق لاستثمار المستشفى لمدة 35 عامًا بمبلغ سنوي قدره 15 مليون ليرة سورية، ما يعادل 5450 دولارًا تقريبًا حسب سعر الصرف حينها بتاريخ 12 من كانون الأول 2020.
وحصل معدّ التحقيق على صورة حصرية حديثة تظهر عملية ترميم المستشفى التي لم تنتهِ بعد، وجرى التأكد عبر صور قديمة أنه المستشفى المقصود.
من جهته، قال الدكتور أنس الفتيح، رئيس مجلس محافظة دير الزور السابق، إن المركز الثقافي الذي يمثّل إيران في المحافظة، يستغل الوضع الاقتصادي الصعب وقلة الخدمات، من خلال تعويضها وتقديم خدمات عدة للأهالي للتقرب منهم، أهمها في المجال الصحي، مثل خدمات المستشفيات والمراكز الطبية التابعة له، الموجودة في مختلف مناطقة المحافظة، والتي تقدم الخدمات الطبية بالمجان، كما يقدم المنح الدراسية للطلاب للتقرب منهم.
كما يستغل المركز الثقافي الفعاليات التي تقيمها فروعه ومراكزه للأطفال مثل الأنشطة والدورات، ويحصل ذوو الأطفال المشاركين على مساعدات وسلات إغاثية عبر بطاقات خاصة، بحسب ما قاله الصحفي أمجد الساري، وبذلك يدفع الأهالي لإرسال أطفالهم للمشاركة في الفعاليات التي تقيمها المراكز، كما يجبر الأهالي على زيارة فروعه لتسلّم المساعدات.
مدرَجة على لائحة الإرهاب
وتنشط في دير الزور عدة منظمات إغاثية تابعة لإيران، وتعمل بالتعاون مع المركز الثقافي، أهمها مؤسسة “جهاد البناء” التي توكل لها إيران مهمة توزيع معظم المساعدات التي تقدمها، والتي أُسّست في لبنان عام 1988، مقرها الرئيس في الضاحية الجنوبية لبيروت، كما تصنفها الولايات المتحدة الأمريكية منظمة إرهابية عالمية.
وتعرّف المؤسسة نفسها أنها منظمة إنسانية إيرانية قامت في سوريا لمساعدة الأهالي، ورغم قلة المنشورات التي تعلن فيها المؤسسة عن أنشطتها، وتحديدًا التي تقيمها في محافظة دير الزور، فإن لها صفحة على موقع “فيس بوك“، على عكس المركز الثقافي الإيراني الذي لا يمتلك صفحة رسمية على مواقع التواصل، والقليل من أنشطته تعلن عنها جهات وصحف موالية لإيران أو للنظام السوري، ويعود ذلك، بحسب الباحث صفيف، لعدة أسباب، أهمها نفي إيران تهمة عملها على السيطرة والتغلغل في المجتمع المحلي.
بعيدًا عن الإعلام
وأضاف صفيف، يقتصر النشاط الإيراني، بحسب التصريحات الرسمية، على المستشارين والخبراء، وفي حال تغطية أنشطة المركز من قبل الإعلام الموالي لإيران، تكون قد ثبتت التهم الموجهة لها بالتغلغل ضمن المجتمع والسيطرة عليه عقائديًا.
ومن جهة أخرى، تعمل المراكز الثقافية على نشر أنشطتها عبر قنوات “تلجرام”، لإيصال الأنشطة للسكان المحليين في المحافظة وهم الفئة المستهدفة، مع حرصها على عدم خروج أو وصول معلومات عن الأنشطة إلى خارج المحافظة.
ويسعى الإعلام الإيراني، بحسب الباحث، لعدم إظهار دور كبير لإيران والميليشيات الموالية لها من الناحية الثقافية والدينية، خلال الاحتفالات المشتركة مع حكومة النظام، ويستشهد باحتفالات حصلت مؤخرًا في ذكرى سيطرة النظام على مدينة البوكمال، حيث ركّز إعلام النظام وإيران على إظهار علم النظام فقط، مع تجاهل رايات الميليشيات الإيرانية من “حزب الله” و”الحرس الثوري الإيراني” وميليشيا “فاطميون” وغيرها، وهو ما أكده خبر لقناة “العالم” الموالية للحكومة الإيرانية.
كما يسعى أيضًا لعدم إظهار الأنشطة الأيدلوجية التي يقوم بها للإعلام العربي والعالمي، ودحض التهم التي وُجهت لطهران عبر تلك المراكز من قبل العديد من الصحف والمواقع الإخبارية ومراكز الأبحاث، وأبرزها تبني طهران إستراتيجيات القوة الناعمة، مثل التبشير وتعزيز التشيّع بين المجتمعات غير الشيعية تقليديًا.
العشائر لتوسيع النفوذ
عملت إيران على التقرب من وجهاء وشخصيات عشائرية، لتوسيع نفوذها في محافظة دير الزور، ويعتبر نواف البشير، المعارض السابق البارز وشيخ عشيرة “البقارة” وقائد فيلق “أسود سوريا“، الذي عاد إلى سوريا بعد زيارته لموسكو وطهران بداية عام 2017، أبرز الشخصيات التي اعتمدت عليها إيران للتغلغل داخل العشائر السورية، بعد أن نسبوا عشيرته لآل البيت.
البشير زار طهران في أكثر من مناسبة مع وفود من عشائر دير الزور، توجَّه لهم دعوات بشكل دوري من إيران لزيارتها، بحسب ما أكده الدكتور أنس الفتيح لمعدّ التحقيق.
من جهته، يقول المحامي والناشط الحقوقي أنس الراوي، ابن محافظة دير الزور، إنه بعد اندلاع الثورة السورية، تقلّصت قوة وسلطة شيخ العشيرة بشكل ملحوظ، وأصبح لكل فرد في العشيرة موقف ورأي قد يكون مختلفًا عن غيره، ومع تعدد التيارات على الأرض وقوتها، تهددت شخصية شيخ العشيرة خصوصًا في فترة سيطرة تنظيم “الدولة” على المحافظة لمدة تقارب أربع سنوات، ومن هذا الباب استطاعت إيران العمل مع العديد من الشخصيات ووجهاء القبائل، الذين بقوا في المحافظة أو عادوا إليها بعد التنسيق مع إيران، والعملية كانت مصلحة متبادلة، أعادت عبرها إيران جزءًا من سلطة وقوة تلك الشخصيات ومنحتهم امتيازات عدة، مقابل تأييدهم لها والعمل تحت إشرافها.
رأي قانوني.. دولة داخل الدولة
وعن قانونية عمل المركز الثقافي يقول المحامي الراوي، إنه من غير المعلوم إن كان يوجد ترخيص قانوني لعمل تلك المراكز، لكن طالما أنها تعمل بموافقة من النظام القائم في دمشق ومناطق سيطرته، فهي قانونية من حيث الشكل، لكن من حيث المضمون، فإن عملها، بالتأكيد، غير شرعي، كون المراكز لا تقوم بعملها الطبيعي، وهي تقدم الخدمات الاجتماعية والثقافية للسكان، كما أن هذه المراكز موجودة لأسباب سياسية ودينية، وبالتالي فإن وجودها أساسًا يجرّمه القانون بحسب الأنشطة التي تقدمها.
ويضيف الراوي، الأمر الأخطر أنه لا سلطة ولا رقابة تتابع ما يقوم به المركز الثقافي الإيراني في دير الزور، فهو السلطة العليا في المحافظة، وهو بمثابة دولة داخل الدولة ضمن مناطق سيطرة النظام، وهو مشابه للحالة في لبنان، المتمثلة بسلطة “حزب الله” الموالي لإيران أيضًا، والذي يقيم أنشطة مخالفة للقانون اللبناني داخل مناطق سيطرته دون تردد، لأنه يملك القوة العسكرية، والوضع في دير الزور قريب من ذلك.
وبالوقت نفسه، كما يشير الراوي، فإن المركز الثقافي وتوابعه في دير الزور، هدفها التأثير على السكان وتحديدًا الشباب، كما كان يفعل تنظيم “الدولة” خلال فترة سيطرته على المحافظة، حيث ذهب التنظيم، لكن لا يزال له أثر، وإيران تريد أن يبقى لها أثر بالمنطقة ولو خرجت منها عسكريًا، وهذا ما تعمل من أجله وتبني عليه.
أسماء وهمية
من جهته، يقول الباحث بدر صفيف، إن “أصعب ما نواجهه في عملنا هو تحديد هوية الشخصيات الإيرانية التي تدير وتشرف على عمل تلك المراكز في المحافظة”، فمثلًا مدير المركز الثقافي السابق في المحافظة والذي بقي لسنوات لا أحد يعرف اسمه الحقيقي، يُعرف باسم “أبو صادق“، ولا يُعرف عنه سوى صوره التي كانت تُنشر خلال مشاركته في الفعاليات التي كان يقيمها المركز.
والآن يدير المركز شخص يعرف باسم “الحاج مرتضى”، الذي لا توجد صور له هو الآخر، وكل ما نعرفه عنه هو هذا اللقب، ويستذكر الباحث بذلك فترة سيطرة تنظيم “الدولة” على المحافظة، والصعوبات نفسها التي كانت تواجههم في تحديد أسماء الشخصيات التي تدير مراكز التنظيم في المحافظة.
وهكذا تتكامل الأدوار العسكرية والمدنية فيما بينها إلى حدّ كبير، حيث توفّر الميليشيات الإيرانية الحماية اللازمة لأنماط العمل المدني المختلفة التي تتولّاها إيران في محافظة دير الزور، في حين تقدّم الأنشطة المدنية الخيرية والثقافية وجهًا ألطف للوجود الإيراني بمجمله، وتسعى إلى منحه شرعية وقبولًا شعبيَّين. ويحقّق الدَوْران، العسكري عبر تجنيد الشبّان، والمدني عبر تقديم المنافع للسكان، لإيران وصولًا تريده واتصالًا مباشرًا بالمجتمعات المحلية في دير الزور.
أُنجز هذا التحقيق بدعم من مشروع “أضواء” تحت إشراف زيد مستو
–