علي درويش | خالد جرعتلي | حسام المحمود | ريان الأطرش
تتداخل قوى النفوذ المحلية في محافظة السويداء جنوبي سوريا، وتنشط أفرع أمنية وجماعات مسلحة وعصابات في محاولة لفرض نفسها على الأرض، لتكون رقمًا فيما هو مقبل لمستقبل المحافظة، ما ينتج صدامات مرحلية، يخشى السكان من استدامتها.
وتصاعد التوتر الأمني هذا العام، ووصل في بعض الأحيان إلى اشتباكات مسلحة، وخطف متبادل بين الأطراف العسكرية.
لا يسيطر النظام السوري عسكريًا على المحافظة، التي لم تشهد عمليات عسكرية فعلية منذ بداية الثورة السورية عام 2011، لكن للأفرع الأمنية سطوتها، عبر عصابات محلية ودعمها ميليشيا “الدفاع الوطني”.
ولم تُبعد دول مؤثرة في الملف السوري أعينها عن السويداء أيضًا، حيث دعمت تشكيل ميليشيات تدعمها، بينما حاولت بعض الدول استمالة مشايخ عقل الطائفة الدرزية الذين يحظون بمكانة اجتماعية كبيرة، ودور رئيس في حل أزمات المحافظة.
هذا الملف محاولة لتفكيك الواقع الميداني والتركيبة الأمنية للفصائل والمجموعات المسلحة في المحافظة الجنوبية، واستشراف مستقبل الصراع المحلي والدولي، وأدوات منع الصدام العسكري، والأسباب التي تمنع النظام من استخدام القوة العسكرية للسيطرة عليها.
خريطة العسكر.. مَن يسيطر على ماذا؟
عمل النظام منذ اندلاع الثورة السورية على زرع خلافات داخلية بين أهالي محافظتي السويداء ودرعا المتجاورتين، وبين أهالي السويداء أنفسهم، في محاولة لعزلها عن الحراك الشعبي الذي اندلع في درعا 2011.
منذ عام 2011، عمل النظام على عزل السويداء عن الحراك الشعبي، فجنّد لأجل ذلك مجموعات من أبناء المحافظة تعمل لمصلحة أجهزته الأمنية.
ومع تسارع الأحداث، تحولت هذه المجموعات إلى عصابات امتهنت الخطف والسرقة وعمليات الاغتيال، وأعلن عدد منها التبعية للأجهزة الأمنية، ويمتلك أفرادها بطاقات أمنية تخوّلهم التحرك بحرّية.
وبشكل متوازٍ، شُكّلت مجموعات مسلحة أخرى، قالت إن هدفها ردع هذه العصابات، والمحافظة على أمن السويداء وسلامة المدنيين، منها حركة “رجال الكرامة”، وفصيل “مكافحة الإرهاب”، ومجموعة “غيارى القريا”، وغيرها.
أجهزة الأمن تسيطر بالوكالة
منتصف تموز الماضي، شهدت مدينة شهبا بريف السويداء خلافًا بين عائلتين من سكانها، أدى إلى سقوط قتلى وجرحى من الطرفين، بحسب شبكات محلية. وتطوّر الخلاف إلى غضب شعبي أدى إلى شنّ حملة عسكرية من أبناء المدينة على تلك العصابات التي هربت من المدينة.
لتظهر بعدها عبر الشبكات المحلية صور لأوراق ووثائق، عثر عليها السكان داخل سيارة تتبع لإحدى عصابات تجارة المخدرات في المحافظة، وتظهر ملكية السيارة لـ”المخابرات الجوية”.
وفي حين حاول وجهاء وشخصيات نافذة من النظام التدخل لحل الأزمة بشكل سلمي بين عصابات تُتهم بتجارة المخدرات وسكان المنطقة، لإعادة الوضع إلى ما كان عليه مع الإبقاء على وجود العصابات، رفض وجهاء قرية شهبا المقترح، بحسب بيان نقلته “السويداء 24″، في 19 من تموز الماضي.
فتحت هذه الحادثة الأعين على العصابات المنتشرة في السويداء وريفها بالارتباط مع أجهزة الأمن.
فبينما كانت العصابات التي طُردت من مدينة شهبا تتبع لفرع “المخابرات الجوية”، ترتبط مجموعة “فلحوط” التي تمتهن عمليات الخطف وتجارة المخدرات بـ”المخابرات العسكرية”، ويبلغ قوام عناصرها قرابة 30 مقاتلًا يعملون برواتب شهرية تتراوح بين 200 و400 ألف ليرة سورية.
ويمتلك أفراد العصابة أسلحة خفيفة ومتوسطة متنوعة، وسيارات مزوّدة بأسلحة رشاشة ومخازن للذخيرة تنتشر في معقلها الرئيس ببلدة عتيل الواقعة شمالي السويداء.
ويتزعم العصابة شخص يدعى راجي فلحوط، الذي أعلن عن تبعيته لـ”شعبة المخابرات العسكرية” عبر حسابه الشخصي في “فيس بوك”، ثم عاد لحذف المنشور في وقت لاحق.
أبرز نشاطات هذه المجموعة كان قطع طريق السويداء- دمشق، وإقامة حواجز وتفتيش مدنيين، إضافة إلى عمليات تفتيش صهاريج المحروقات القادمة من دمشق، وسرقة كميات من المحروقات التي تنقلها.
ويتهم مدنيون من السويداء، قابلتهم عنب بلدي، هذه المجموعة بمسؤوليتها عن العديد من عمليات الخطف بغرض الفدية، إضافة إلى عمليات القتل والسرقة ونشر المخدرات بين أبناء المحافظة.
بينما تتمركز في بلدة قنوات، المجاورة لبلدة عتيل، مجموعة مسلحة أخرى تساند مجموعة راجي فلحوط، يتزعمها شخص يدعى سليم حميد، يبلغ تعداد مقاتليها حوالي 50 مقاتلًا، كما تملك أسلحة خفيفة ومتوسطة وثقيلة، بالإضافة إلى سيارات دفع رباعي، ومستودعات للأسلحة تنتشر في منطقة نفوذها.
وبينما تعتبر تبعية هذه العصابة مجهولة حتى الآن وغير معلَنة، يتهم سكان قرية قنوات الذين تواصلت معهم عنب بلدي، هذه العصابة بتبعيتها للقوات الروسية، إذ يتحرك أفرادها بأريحية داخل السويداء وخارجها، كما زار عناصر المجموعة الساحل السوري مرات عديدة، وهي منطقة تحت النفوذ المطلق للنظام السوري، مع وجود لقاعدة “حميميم” الجوية، حيث القيادة العسكرية الروسية في سوريا.
وتعتبر عصابة يتزعمها فداء العنداري، الذي يتخذ من قرية الطيبة مقرًا له، أشهر العصابات المرتبطة بالنظام السوري في المنطقة الشمالية الشرقية للمحافظة.
ويتهم أبناء المحافظة عصابة “العنداري” المقربة من فرع “المخابرات العسكرية” بالعديد من عمليات السرقة والخطف.
وفي مدينة السويداء (مركز المحافظة)، تتمركز العديد من العصابات المدعومة من الأفرع الأمنية، حيث توجد مجموعة “مزهر”، ويقودها الأخوان رامي ومهند مزهر.
تشتهر هذه العصابة بضلوعها بعدة عمليات خطف، كان من أشهرها حادثة اختطاف اليافع مجد العبد الله منذ قرابة ثلاثة أشهر، وطلب فدية تبلغ 250 ألف دولار مقابل إطلاق سراحه.
وألقى فصيل “مكافحة الإرهاب” القبض على أحد أفراد العصابة المشتركين في عملية خطف مجد، ليبثّ اعترافاته لاحقًا، التي كشف فيها عن بقية أسماء منفذي العملية ومن بينهم رامي ومهند مزهر.
وتملك مجموعة “مزهر” أسلحة خفيفة ومتوسطة وسيارات مزوّدة بأسلحة رشاشة، وتتمركز في مركز مدينة السويداء، حيث تملك عددًا من المزارع التي جرى تحصينها خلال الفترة الأخيرة، بالتزامن مع حالة التوتر التي تشهدها المدينة.
عصابات تتبع لـ”حزب الله”
تنتشر في المناطق الجنوبية لمحافظة السويداء عصابة كمثيلاتها في الريف الشمالي، يقودها شخص اسمه ناصر السعدي، الذي ينحدر من مدينة صلخد، يبلغ تعدادها حوالي 50 مقاتلًا مسلحين بأسلحة خفيفة ومتوسطة وسيارات مزوّدة بأسلحة رشاشة.
ويتهم أهالي المنطقة أفراد هذه العصابة بتبعيتهم للنظام السوري و”حزب الله” اللبناني، إذ أكد مدنيون من أبناء مدينة صلخد قابلتهم عنب بلدي، أن ناصر السعدي تربطه علاقة وثيقة مع رئيس مفرزة “الأمن العسكري” في مدينة صلخد، الملقب بـ”أبو شعيب”.
مجموعة “السعدي” مرتبطة بتجارة المخدرات والحشيش، وتهريبها إلى المملكة الأردنية عبر أراضي السويداء الجنوبية، بالاشتراك مع مهربين معروفين في المنطقة، منهم مرعي رويشد الرمثان الذي ينحدر من قرية الشعاب شرق السويداء، وفارس صيموعة الذي ينحدر من قرية عرمان المجاورة لمدينة صلخد.
ويعمل أفراد هذه المجموعة بحماية من الأجهزة الأمنية في السويداء، وتسير عمليات التهريب إلى الأردن بمساعدة من المخافر الحدودية السورية على طول الحدود مع الأردن.
“الدفاع الوطني”
كحال جميع المحافظات السورية، تعتبر قوات “الدفاع الوطني” الرديفة للنظام السوري، من أبرز الفصائل غير النظامية في السويداء.
وأُنشئ مقر “الدفاع الوطني” بالمحافظة في شارع قنوات، واتخذ من منزل الإعلامي المعارض فيصل القاسم مقرًا له بعد أن صُودر لمصلحة “الدفاع الوطني”.
ويملك “الدفاع” عددًا من السيارات المزوّدة بأسلحة رشاشة، وقد انقطعت رواتب المقاتلين الشهرية للعناصر منذ أكثر من عام، إلا أن معظم مقاتليه مستمرون بتقديم خدماتهم، بسبب الشروط التي يفرضها عليهم، بوجوب التخلي عن السلاح في حال الخروج من الفصيل.
ولا يحمل قائد “الدفاع الوطني”، رشيد سلوم، أي رتبة عسكرية، وبحسب رواية مقربين منه قابلتهم عنب بلدي، فإن سلوم تربطه علاقات وثيقة مع السفارة الإيرانية في دمشق، بالإضافة إلى الأجهزة الأمنية.
وتصدّر “الدفاع الوطني” الأخبار في السويداء في الآونة الأخيرة، بعد ظهور مجموعة “مكافحة الإرهاب” التي اشتبكت معه، وصادرت عددًا من سياراته المزوّدة بأسلحة رشاشة، بعد توتر بين الطرفين في قرية الحريسة شرق السويداء.
“مكافحة الإرهاب” الغامضة
شُكّلت “قوة مكافحة الإرهاب” في مطلع العام الحالي، وأعلنت المجموعة عن نفسها بأنها حركة عسكرية معارضة للنظام في السويداء، وصارت المجموعة الجناح العسكري لحزب “اللواء السوري” في السويداء.
وبحسب الصحفي نورس عزيز، المنحدر من السويداء، تحاول “مكافحة الإرهاب” أن تلتف وتنسق، وهناك تعتيم على مصادر تمويلها، كما أنها استغلت الحالة الاقتصادية الصعبة لمعظم شباب السويداء وجنّدتهم مقابل رواتب بين 200 و400 ألف ليرة، خصوصًا مع عدم التحاق قسم كبير من شباب المحافظة بالخدمة الإلزامية في الجيش منذ 2014، إذ يبلغ عددهم أكثر من 43 ألف شخص.
وبحسب بيان نشرته عبر صفحتها الرسمية في “فيس بوك”، تقول “مكافحة الإرهاب”، إنها شُكّلت من أبناء المحافظة بعد غياب دور الأجهزة الأمنية وتقاعسها عن أداء واجبها، واستفحال الوضع الأمني، مع تكرار عمليات الخطف والقتل والسرقة وانتشار المخدرات بشكل كبير.
وكثر الحديث بين أبناء السويداء عن أن المجموعة مدعومة من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، خصوصًا بعد مواجهات عسكرية للمجموعة مع عناصر من “الدفاع الوطني”.
ويبلغ تعداد “مكافحة الإرهاب”، حسب معلومات غير مؤكدة، 1000 مقاتل حتى الآن، ويقودها سامر الحكيم.
“رجال الكرامة”.. الأكبر والأكثر شعبية
حركة “رجال الكرامة” تعتبر أحد أكبر الفصائل العسكرية المحلية في السويداء، إذ يبلغ تعداد مقاتليها حوالي 2000 مقاتل، يتوزعون في عدة مناطق من محافظة السويداء.
أُسّست الحركة في عام 2013 على يد الشيخ وحيد البلعوس (أبو فهد)، الذي قُتل بتفجير استهدف سيارته، في أيلول 2015، وسط اتهامات للنظام السوري.
وصارت الحركة تلتزم الحياد في النزاعات الداخلية، خصوصًا بعد تولي يحيى الحجار الملقب بـ”أبو حسين” قيادة الحركة.
ويعتقد قسم من أهالي المحافظة، أنه على الرغم من أن الحركة أكدت مرات عديدة أنها لن تحيد عن مبادئ وحيد البلعوس، حادت، وحُيّدت، ونأت بنفسها عما يحصل في المحافظة من فلتان أمني، وتتحرك فقط عندما يتعرض أحد عناصرها لظرف أو تهديد أمني.
ووصف الصحفي نورس عزيز الحركة، بأنها الفصيل الأكثر اتخاذًا للحياد، باستثناء الحالة الأخيرة (اشتباك مع راجي فلحوط في عتيل)، التي كانت نتيجة ضغط العناصر، وليست قرارًا من القيادة أدى للنزول إلى الشوارع، كما أنها القوة الأقرب للشارع، وتمثل أغلبية أهل السويداء بشبابها.
وتنتشر فصائل محلية مسلحة أخرى في السويداء، تدّعي الحيادية، تتوزع بين الريف والمدينة مشكّلة من أبناء المحافظة، وتعداد مقاتليها قليل وسلاحها من مالها الشخصي، بحسب ما تصف نفسها.
الصدام العسكري قادم..
الحل في مرجعية مدنية اجتماعية
مع تزايد التصادمات المحلية المحدودة بين تشكيل “مكافحة الإرهاب” و”الدفاع الوطني” وبين العصابات المسلحة، يرى الكاتب سامر المصفي المنحدر من السويداء، أن مستقبل المحافظة يتجه نحو صدام عسكري.
وتبدو ملامح تحالف والتقاء مصالح بين “مكافحة الإرهاب” و”حركة رجال الكرامة”، للقضاء على العصابات، حسب سامر المصفي.
لكن على المدى البعيد، لن تقبل إيران التي تدعم مجموعات مسلحة وتقترب من “الدفاع الوطني” بهذا الوضع، وغالبًا ستحاول تصعيد النزاع، ومن غير المستبعد اتباع سياسة الاغتيالات والسيارات المفخخة، خاصة إذا خسرت خطوط التهريب نحو الأردن.
“مستقبل المحافظة مرهون بتوافق إقليمي، وبدور روسي وازن. فمن الواضح أن إيران بعد الانتهاء من ملف درعا سوف تزيد من ثقلها في السويداء، وهذا ما قاله حرفيًا أحد المسؤولين الإيرانيين لأحد مشايخ العقل”، حسب قول سامر المصفي.
الصحفي نورس عزيز، المطلع على أحداث السويداء، أيّد ما يراه سامر المصفي، بقوله إن مستقبل المحافظة في ظل وجود قوى عسكرية مختلفة، وفلتان أمني، وانتشار السلاح بشكل كثيف، قد يؤدي في أي لحظة إلى اشتباك داخلي، مع وجود جهات مدعومة من الخارج.
وقال الصحفي نورس عزيز، في حديثه لعنب بلدي، إنه منذ العامين 2012 و2013، بدأ مشروع إغراق المحافظة بالسلاح، ما أدى إلى وجود “عشرات الفصائل ومئات من المرتزقة”، وصارت هناك تشكيلة كبيرة من القوى العسكرية نتيجة وجود السلاح والحالة الاقتصادية.
ماذا تحتاج المحافظة لمنع الصدام
تحتاج محافظة السويداء للخروج من حالة التوتر الحاصل، وتجنيبها الصدام العسكري، إلى توحيد السلاح وتشكيل قوة عسكرية محلية متوافق عليها من كل عائلات الجبل، حتى الوصول إلى حل سوري يشمل جميع المناطق، حسب نورس عزيز.
وأشار نورس عزيز إلى أن مجتمع السويداء عائلي شبه عشائري، وفي هذه الحالة “يحضر العرف والعادات والتقاليد أكثر من حضور القانون الرسمي”، وذلك في ظل ضعف الأجهزة الأمنية وعدم قدرتها على ضبط مناطق كثيرة في سوريا.
ويرى سامر المصفي، أنه لا بد من وجود مرجعية اجتماعية على مستوى المحافظة كاملة، تضم القوى الفاعلة في المجتمع من مشيخة العقل ورجال الدين المؤثرين ووجهاء وزعامات عائلية.
إضافة إلى شخصيات من القادة المجتمعيين من مثقفين ونقابيين، وقوى المجتمع المدني من المنظمات والناشطين أصحاب التأثير.
وتشكيل تكتل مدني أهلي، يكون بمثابة مرجعية سياسية عليا، تنضوي تحتها جميع الفصائل، بهدف “قوننة السلاح، ولعب دور سياسي من قبل المرجعية الاجتماعية في تقرير مصير المحافظة والتحدث باسمها أمام القوى الإقليمية والدولية”.
ماذا عن الدول المؤثرة؟
وبحسب سامر المصفي، “من الصعب القول إن قرار تجنيب السويداء الصدام العسكري هو بيد أبنائها”، فالنزاع القائم “ذو طبيعة إقليمية وحتى دولية، ومرتبط بأجندات متصارعة”.
فالطموح الإيراني يفرض وجودًا عسكريًا في الجنوب على حساب النفوذ الروسي، الذي يعتبر المسؤول عن إعادة ترتيب المنطقة، ضمن “تسويات” مع الإسرائيليين والأمريكيين.
ومؤخرًا، يبدو أن هناك تدخلًا سعوديًا- إسرائيليًا- فرنسيًا، يهدف إلى تغيير هذه “التسويات”، عبر إنشاء وتسليح مجموعة “ما يسمى قوة مكافحة الإرهاب”، حسب قول سامر المصفي، التي تسعى بشكل واضح لأمرين أساسيين:
الأول، السيطرة على خطوط التهريب التابعة لـ”حزب الله” اللبناني (تهريب المخدرات)، وهو ما يحصل الآن بعد سيطرة “قوة مكافحة الإرهاب” على خط القرى الشرقية كاملًا، وانتزاعه من يد “الدفاع الوطني التابع لإيران”.
الأمر الثاني، العمل على القضاء على جميع الفصائل المسلحة والعصابات في المحافظة، تحت شعار “مكافحة الإرهاب”، لتبقى هي القوة العسكرية الوحيدة، بحسب المصفي، الذي يعتبر “تحالفها اليوم مع (رجال الكرامة) تحالفًا مرحليًا ليس أكثر”.
أين دور مشايخ العقل
دور مشايخ العقل “ليس بالدور المحوري والأساسي على المستوى السياسي من حيث افتقادهم للثقل السياسي الوازن”، حسب سامر المصفي، لكن يبقى لهم دور اجتماعي مهم نسبيًا عبر التأثير في شرائح ليست بالقليلة من مجتمع السويداء.
تمتلك مشيخة العقل الحاضنة الشعبية، لكنها تفتقر إلى تحالفات سياسية أو عشائرية تجعل من قراراتها ملزمة.
ومؤخرًا يبدو أن علاقة مشايخ العقل توترت مع دمشق، ويمكن قراءة هذا التوتر من خلال بيان الشيخ حكمت الهجري الأخير الذي يتضامن فيه مع السكان في درعا “وهو المحسوب على النظام بشكل كامل”.
بالمقابل، هناك محاولات إيرانية لجذب الشيخ يوسف جربوع، شيخ العقل الثاني، وإبعاده عن الروس.
لماذا يتجنب النظام أسلوبه العسكري التقليدي
يوحي الواقع الميداني في السويداء بأن هذه المدينة لا تقع ضمن الخارطة السورية، نظرًا إلى طريقة تعامل النظام مع أبنائها، رغم أنها تعتبر إحدى المناطق الواقعة ضمن مناطق نفوذه، إذ شهدت المدينة حركة سلمية نادت بإسقاط النظام كان آخرها العام الماضي.
ورغم هذه التحركات، لم يبدِ النظام رد فعله المعهود باللجوء إلى الحل الأمني، كما هي الحال في درعا مثلًا أو بقية المدن السورية.
يعتقد الباحث العسكري في “المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام” النقيب رشيد محمود حوراني، أن النظام اعتمد على مفهوم الحرب بالوكالة في السويداء، بسبب “تماسك البنية الاجتماعية للمدينة المؤلفة من المكوّن الدرزي المعروف بشدة تلاحمه الداخلي”.
هذا التلاحم الذي يسعى النظام لإضعافه، من خلال اختراقه المحافظة بفصائل يدعمها، ومع وجود فصائل أخرى غير راضية عن النظام وسياسته، يعوّل النظام على تصادم كلا الطرفين فيما بينهما، وبالتالي يُضعف الطرفين دون أن يبذل أي مجهود.
واعتبر الباحث أن النظام غير راضٍ عن الفصائل التي يدعمها، بسبب قبولها لما تقرره المرجعيات الدينية ولو تعارضت مع أفكار النظام.
وحاول النظام سابقًا إشعال اقتتال بين الجارتين درعا والسويداء، من خلال أسلوب حرب الوكالة الذي اتبعه في المحافظة، واعتمد على توجيه سياسته هذه إلى المناطق والقرى الحدودية بين الطرفين.
ويعتقد حوراني أن الفصائل المحلية المقاتلة والمعارضة للنظام، لعبت ولا تزال تلعب دورًا مهمًا في السويداء في ردع النظام عن تنفيذ مخططاته الرامية إلى إخضاع المدينة، وذلك لعدة أسباب، أبرزها بحسب الباحث:
● إجماع الفصائل (حتى المدعومة من النظام) على عدم إلحاق الضرر بالمحافظة، الذي يسعى إليه النظام في كل المناطق السورية.
● تقصير مؤسسات النظام في المحافظة بتأدية واجباتها المتعلقة بتأمين الخدمات للمواطنين، وحفظ أمنهم، وتطبيق القانون.
وبالتالي فالفصائل تتعامل مع النظام من هذا المنطلق المتمثل في أن “الطرف الذي يقصّر في تأدية واجباته، ليس من حقه أن يطلب الاعتراف من الطرف الآخر”.
وتدرك المجموعات العسكرية المحلية “المعارضة للنظام السوري” في السويداء، أن النظام يحاول العودة إلى المدينة بالتدريج.
ونظرًا إلى اعتمادها على مصادر تمويل مستقلة إلى حد ما (دروز فلسطين ولبنان)، وضعف قوات النظام بعد مرور عشر سنوات من الحرب، وتعدد الجهات التي تحاول بسط نفوذها على المدينة، فإن كل تلك العوامل وغيرها، توحّد الفصائل في مواجهة النظام وحلفائه الذين يسعون لفرض سيطرتهم فقط، وإلغاء من يخالفهم مهما كانت درجة الخلاف بسيطة، حسب الباحث رشيد حوراني.
ويرى الباحث المساعد في مركز “جسور للدراسات” وائل علوان، أن النظام لم يتدخل بشكل عسكري مباشر في السويداء بسبب تماسكها ووجود المرجعيات، ونظرًا إلى أهمية المحافظة وقيمتها، باعتبارها جزءًا من ورقة الأقليات التي يستعملها في خطابه السياسي الخارجي.
واستبعد الكاتب سامر المصفي رغبة النظام بتدخل عسكري مباشر لعدة أسباب، الأول مصلحته الحقيقية باستمرار الصراع المحلي الدرزي- الدرزي، معتبرًا أن هذا “أفضل ما يريده”.
والسبب الثاني، أن فاتورة شنّ عمل عسكري من قبل النظام على السويداء “لن تكون بسيطة أبدًا”، خاصة مع وجود “حركة رجال الكرامة”، إضافة إلى أن الدروز سرعان ما يتوحدون ضد أي اعتداء خارجي.
استقرار الأحداث خلال السنوات الماضية، يؤكد عدم وجود أي نية للنظام بالتدخل، لذلك تقيم الفصائل الحواجز على الطرقات وتبحث عن مطلوبين لها بشكل علني دون أي تحرك لقوى الأمن الداخلي أو الأجهزة الأمنية في السويداء، فـ”الدولة حاضرة شكلًا وغائبة مضمونًا”.
حضور عابر للحدود في قضية السويداء
زار وفد من دروز لبنان، في 5 من أيلول الحالي، العاصمة السورية دمشق، والتقى برئيس النظام السوري، بشار الأسد، قبل يوم واحد فقط من اجتماع جرى في السويداء، طالبت خلاله جهات سياسية بوقفة تضامنية مع درعا البلد، لما يحمله سقوط درعا بيد النظام من عواقب سلبية على السويداء.
واعتبر الأسد، خلال اللقاء، أن “العلاقة المتبادلة” بين الناس، توصلهم إلى الهدف الصحيح في ظل محاولات تفكيك البنى الاجتماعية والوطنية التي تتعرض لها المنطقة، في المعركة التي تخوضها القيادات لحماية العقول من استهداف إلغاء الهويات والتخلي عنها، بحسب تعبيره.
وضم الوفد اللبناني كلًا من رئيس الحزب “الديمقراطي اللبناني”، النائب طلال أرسلان، ورئيس حزب “التوحيد العربي”، وئام وهاب، ورجال دين من الطائفة الدرزية في لبنان.
لكن طابع الزيارة الذي بدا مرتبطًا زمنيًا بمشروع الغاز الواصل إلى لبنان عبر سوريا، كان أقرب للتباحث بشأن محافظة السويداء التي يجمعها امتداد ديني ومذهبي مع الوفد اللبناني، خصوصًا أن الوفد لم يضم مسؤولين معنيين بملف الطاقة والمحروقات، وغلب عليه حضور رجال الدين.
الباحث المساعد في مركز “جسور” للدراسات وائل علوان أشار، في حديثه لعنب بلدي، إلى أن محافظة السويداء تستمد خصوصيتها من نسيجها الاجتماعي والعشائري والديني المترابط ليس داخليًا فقط، بل ومع الدول المحيطة بسوريا أيضًا، إلى جانب كونها كبقية المحافظات السورية، ضمن الحالة الإقليمية والدولية المتداخلة بشكل كبير في الملف السوري.
ويبقى تعامل النظام مع مختلف المناطق السورية محلّ مراقبة قلقة للدول الإقليمية واللاعبين الدوليين الفاعلين في الملف السوري، لكن السويداء تمتلك خاصية التماسك الاجتماعي الداخلي، في ظل وجود مرجعيات دينية مهيمنة ضمن المحافظة استطاعت الحفاظ على الاستقرار النسبي خلال فترة التصعيد العسكري الذي شنّته قوات النظام ضد المحافظات والمناطق الأخرى.
وبالنظر إلى البنية الاجتماعية المكوّنة للمدينة وارتباطاتها التي تتعدى حدود المحافظة، يلفت علوان إلى وجود امتداد عشائري وديني مرتبط بلبنان وفلسطين، كما أن هناك دولًا تهتم باستقرار الحدود الجنوبية لسوريا، خصوصًا دول الخليج التي تنسق عبر الأردن لضمان استقرار المنطقة.
وشدّد علوان على أهمية زيارة وفد لبناني من قادة الطائفة الدرزية في لبنان للنظام مؤخرًا، مبينًا ارتباط ذلك بما يجري في السويداء، باعتباره ارتباطًا وثيقًا مع الفاعلين المحليين في لبنان والقادرين على لعب دور سياسي واجتماعي كبير من شأنه الإسهام في منع النظام من الحلول العسكرية التي يتعامل بها مع بقية المحافظات.
تدخل روسي
وبالحديث عن مستقبل المحافظة واحتماليات تصعيد الوضع وتأزيمه من قبل النظام، لفت علوان إلى تدخل روسي كبير للحفاظ على الاستقرار المحلي في المحافظة، رغم محاولة بعض الأفرع الأمنية المرتبطة بالنفوذ الإيراني في سوريا وعلى رأسها فرع “الأمن العسكري”، استغلال الفوضى، في ظل وجود استياء من النفوذ غير المنضبط لـ”الفرقة الرابعة”، وهو ما يسعى الروس لتسويته مع أبناء السويداء، لكن لا استجابة ضمن “الفرقة الرابعة” للضغط الروسي.
ويستغل النظام ملف الإرهاب، عبر تجييش خلايا تابعة لتنظيم “الدولة الإسلامية”، كجزء من الحل العسكري والأمني الذي يتقنه، للضغط على المحافظة، بحسب الباحث، الذي استبعد أيضًا تجاوز النظام للمناوشات التي يقوم بها، والتي تتجلى بعمليات الاغتيال والمداهمات الأمنية، لكن التماسك الداخلي يشكّل تهديدًا حقيقيًا يتعامل معه النظام بحذر.
ويبقى الخيار العسكري في السويداء خيارًا متاحًا ومطروحًا على طاولة احتمالات النظام للتعامل مع المحافظة الجنوبية، رغم ارتفاع تكلفة مثل هذه الخطوة على المستوى الإقليمي والدولي.