سياقات توضح محاور التفاوض بين أردوغان وبوتين حول سوريا

  • 2021/09/26
  • 9:20 ص

جنود أتراك خلال التجهيز لعملية عسكرية في إدلب - 10 من شباط 2020 (عنب بلدي)

عنب بلدي – أمل رنتيسي

إلى سوتشي، وفي زيارة هي الأولى منذ آذار من عام 2020، يتجه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، للقاء نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في اجتماع منفرد ستكون فيه سوريا محورًا من أجندة المباحثات.

ويتصدر هذه المباحثات مشهد إدلب ومناطق سيطرة فصائل المعارضة التي تشهد قصفًا شبه يومي، في خطوة جدّية تعتبر الأولى من الجانب التركي الذي غاب عن مشهد التصعيد منذ مطلع حزيران الماضي.

ووثّقت العديد من المنظمات الدولية والمحلية الإنسانية والحقوقية، الانتهاكات التي نفذتها قوات النظام السوري والقوات الروسية على مناطق شمال غربي سوريا، في خرق واضح لما يُعرف باتفاق “موسكو”، أو اتفاق “وقف إطلاق النار”، الموقّع بين روسيا وتركيا في 5 من آذار عام 2020.

“زيارة العمل” التي سيجريها أردوغان كما وصفها المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ديمتري بيسكوف، في 20 من أيلول الحالي، تتزامن مع عدّة تحركات وتصريحات حكمت المشهد العام، سواء دوليًا أو محليًا في مناطق شمال غربي سوريا.

روسيا والنظام السوري مستاءان من الوجود الأجنبي..

أردوغان: النظام يهدد بلادنا

تُصدر خارجية النظام السوري تصريحات شبه دورية، عن مطالبها برحيل القوى الأجنبية لا تحمل عادة أي معانٍ، إلا أن زيارة وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الدورة الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة، ولقاءه عددًا من وزراء الخارجية ومسؤولي الأمم المتحدة، جعل النظام السوري في مشهد القوة، خاصة في سياق موجة الحراك الدبلوماسي التي يسعى إليها النظام لإعادة تعويمه دوليًا.

وبعد الإعلان عن اللقاء التركي- الروسي الذي تحدثت عنه في البداية وكالة “رويترز” في 18 من الشهر الحالي نقلًا عن مسؤولين أتراك، أصدرت وزارة الخارجية بيانًا، في 22 من أيلول، تدين فيه “الممارسات التركية العدائية وانتهاكها الأراضي”، معتبرة أنها “عمل عدواني وخرق لسيادتها واستقلالها”.

كما طلب المقداد، في تصريح لوكالة “نوفوستي” الروسية، سحب تركيا قواتها فورًا من أراضي محافظات سوريا الشمالية، وأن يدعم المجتمع الدولي جهود سوريا لتحرير الأراضي التي احتلتها تركيا، بحسب تعبيره.

من جهته، اعتبر أردوغان خلال تصريحات له، في 24 من أيلول الحالي، أن “النظام السوري يشكّل تهديدًا على الحدود التركية- السورية”، مضيفًا أنه ينتظر الكثير من الرئيس الروسي، في ظل وجود النظام السوري على الحدود المتاخمة لتركيا، وفق ما نقلته صحيفة “Hurriyet” التركية.

وسبق لبوتين أن صرّح خلال لقائه الأخير مع بشار الأسد، أن “استمرار وجود القوات الأجنبية غير المصرح بها من قبل حكومة الأسد هي المشكلة الرئيسة لسوريا”.

وحول تصعيد التصريحات المتبادلة بين روسيا والنظام السوري من جهة، وتركيا من جهة أخرى قبيل القمة، يرى المحلل السياسي المهتم بالشأن الروسي الدكتور نصر اليوسف، في حديث إلى عنب بلدي، أن هذه التصريحات تدل على أن ثمة متغيرات يمكن أن تطرأ في المستقبل المنظور.

وأرجع الدكتور نصر اليوسف هذه التحركات إلى مخرجات القمة التي جرت بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ونظيره الأمريكي، جو بايدن، في منتصف حزيران الماضي بجنيف، إذ جرت حينها تفاهمات لم يتم الإعلان عنها.

وتلك التفاهمات كان يجب أن يعمل عليها الطرفان على مستوى الخبراء لـ”إنضاجها” في فترة زمنية قد تستغرق ستة أشهر، وهو ما أفصح عنه بايدن في مؤتمره الصحفي الذي تلا تلك القمة إذ قال، “سوف نحكم على نجاح أو فشل هذه القمة في غضون الأشهر الستة التالية”.

وكان سفير روسيا لدى الولايات المتحدة، أناتولي أنتونوف، أعلن، في 13 من تموز الماضي، أن “إحدى النتائج الأكثر أهمية في الأيام الماضية تتمثل في تنسيق الجهود الروسية والأمريكية بشأن تسوية الوضع في سوريا”.

اليوسف توقع أن يتم الحديث، في 29 من الشهر الحالي، بين أردوغان وبوتين حول فتح الطريق الدولي السريع الرئيس في إدلب بين اللاذقية وحلب (M4) بشكل نهائي.

والطريق يخضع الآن لاتفاق “موسكو” بإقامة ممر أمني على بعد ستة كيلومترات شماله وستة كيلومترات جنوبه، لكن تأمينه لم يكتمل إلى الآن.

وتكمن أهمية الطريق بأنه يصل مناطق أقصى شمال شرقي سوريا من معبر “اليعربية” على الحدود السورية- العراقية، مرورًا بمحافظات الحسكة والرقة وحلب وإدلب ثم إلى الساحل السوري في محافظة اللاذقية غربي البلاد.

وتحاول القوى المتصارعة على الأراضي السورية بسط نفوذها على الطريق، خاصة روسيا، في محاولة لإنعاش اقتصاد النظام.

وكان الحديث خلال اتفاق “موسكو” أنه سيتم فتح هذا الطريق من خلال دوريات مشتركة، لكن قوبل هذا الاتفاق باعتصام من المدنيين دُعي “اعتصام الكرامة” رفضًا لمرور الدوريات الروسية.

هل الخيار العسكري قائم؟

يصعّد الطيران الحربي الروسي- السوري المشترك من غاراته الجوية على مناطق سيطرة المعارضة شمال غربي سوريا، إذ شنّ، في 25 من أيلول الحالي، 13 غارة جوية على قرى ريف إدلب الجنوبي.

بدورها، أفادت وكالة “بلومبيرغ“، في 22 من الشهر الحالي، نقلًا عن مسؤولين أتراك، أن تركيا أرسلت مزيدًا من قواتها إلى شمال غربي سوريا، تزامنًا مع استعدادات لعقد اجتماع بين الرئيسين الروسي والتركي.

وذكرت أن الخطوة تشير إلى عزم تركيا الاستمرار بصد الهجوم على الخطوط الأمامية، في الجبهات التي تسيطر عليها فصائل المعارضة.

الباحث في مركز “جسور للدراسات” عبد الوهاب عاصي، قال في حديث إلى عنب بلدي، إن الخيار العسكري دائمًا قائم بالنسبة لروسيا وإيران والنظام السوري، إلا أن حظوظ نجاحه تضاءلت مقارنة مع العمليات السابقة.

فتركيا أنشأت خطوط دفاع وصدّ على طول نقاط التماس في إدلب، ما يُضعف القدرة على المناورة، ومع ذلك، لم تفوّت قوات النظام وحلفاؤها أي فرصة لاختبار إمكانية المواجهة، حيث استهدفت أكثر من مرة خلال الأشهر السابقة نقاط مراقبة تركية في جبل الزاوية، وتم تكثيف استخدام الصواريخ الموجهة بالليزر لرفع مستوى الخسائر، وفق عاصي.

ويرى الباحث أن النظام وروسيا أيضًا لن يتخليا عن اختبار إمكانية شنّ هجوم في محاور جبل التركمان وجبل الزاوية وسهل الغاب دون أن يعني ذلك القدرة على “قضم” المزيد من المناطق، لأن التحدي سيكون بالحفاظ على المواقع.

ويعود التصعيد على إدلب إلى آذار2021، والذي كان مقترنًا ولا يزال بعدم حل القضايا الخلافية بين الطرفين منذ توقيع اتفاق “موسكو”، وهي استئناف حركة التجارة والنقل، ومكافحة الإرهاب، وتحديد مصير القوات التركية، وعودة اللاجئين.

وأوضح عاصي أن روسيا غير راضية عن اكتفاء تركيا بسحب 16 موقعًا عسكريًا من منطقة “خفض التصعيد” لأنه لم يحسم مصير القوّات التركية، إذ تعمل موسكو على حصر وجودها شمال طريق “M4” شرق وغرب الفرات، وكذلك تحديد نوع التسليح على أن يكون ذلك بموجب “اتفاقية أضنة” عام 1998، أي بتحويل جميع مذكرات التفاهم الخاصة بنظام وقف إطلاق النار إلى ملحق إضافي للاتفاقية.

ويبدو أن روسيا مستاءة من عدم إنشاء الممر الأمني شمال وجنوب طريق “M4” وعدم افتتاح المعابر التجارية، ويُمكن القول إنّها لن تقبل الاكتفاء بافتتاح معابر إنسانية في إدلب، حسب عاصي.

تهديد النظام السوري لأمن تركيا

مجرّد إعلان أنقرة عملية “درع الربيع” في نهاية شباط من عام 2020، كان ذلك موقفًا يُمكن الاسترشاد به حيال تعاطي تركيا مع النظام السوري بوصفه تهديدًا للأمن القومي، وفق عاصي.

وهو ما عاد وتحدّث عنه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قبل القمة المرتقبة، ما يعني أن تركيا ستلجأ إلى استخدام القوّة ضد النظام السوري إذا جرى استهداف مواقعها ومصالحها العسكرية والأمنية.

من جهته، الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية محمود علوش، قال في حديث إلى عنب بلدي، إنه بعد استعادة درعا بالكامل، تسعى روسيا لممارسة ضغط سياسي وعسكري على تركيا في إدلب.

وأشار علوش إلى أن موسكو تُدرك أن مسألة إدلب لا يُمكن أن تُحسم عسكريًا، لأن من شأن ذلك أن يُدخلها في أزمة كبيرة مع تركيا، كما أنها لا تزال ترى في دور أنقرة حاجة لإنجاح مسار التسوية السياسية وفق شروطها، لكنها في الوقت نفسه تسعى لتحجيم التأثير التركي العسكري في المسألة السورية.

وتعتمد روسيا استراتيجية “القضم التدريجي” للمناطق المتبقية للمعارضة في شمال غربي سوريا، وهذه الاستراتيجية نجحت خلال السنوات الماضية، لذلك لم تكن التفاهمات التي أبرمها الطرفان بخصوص إدلب مستقرة، أما الآن فيبحث الروس عن تسوية جديدة لانتزاع مناطق أخرى مهمة بالنسبة للنظام في إدلب وتقليص حجم الوجود العسكري التركي في تلك المنطقة، حسب علوش.

كما توقع الباحث أن الأولويات التركية تتركز في الوقت الراهن على ضمان عدم انهيار الهدنة في إدلب وتحجيم دور “الوحدات الكردية” في شرق الفرات، إذ يعتقد الروس أن تركيا يُمكن أن تقدم بعض التنازلات بخصوص إدلب مقابل الضغط على “الوحدات”، وهذا الأمر مرهون بمدى تمكّن أردوغان وبوتين من الاتفاق على وضع جديد.

ويقدّر عدد المواقع العسكرية التركية الموجودة في سوريا حتى أيلول الحالي بـ119 موقعًا موزعة بين تسع قواعد و110 نقاط ضمن ست محافظات، وفق دراسة نشرها مركز “أبعاد المتوسط للدراسات الاستراتيجية“، في 22 من أيلول الحالي.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا