عملية "مدبّرة" من "قسد"..

سوريّون يعيشون قلق الإخلاء في القامشلي

camera iconبناء مقابل شارع "الكورنيش" في مدينة القامشلي شمال شرقي سوريا- 24 من أيلول 2021 (عنب بلدي\ مجد السالم)

tag icon ع ع ع

القامشلي – مجد السالم

يعيش “علي حسين” (اسم مستعار بسبب تحفظه على ذكر اسمه الحقيقي لأسباب أمنية) منذ ثلاثة أشهر مع عائلته حالة من القلق وعدم الاستقرار، بسبب خسارة منزله الذي يقيم فيه، في مساكن إحدى الجمعيات السكنية بمدينة القامشلي شمال شرقي سوريا.

حالة القلق تحيط بعائلة “علي حسين” (41 عامًا) منذ تسلّمه إنذارًا من قبل “مجلس بلدية القامشلي” التابع لـ”الإدارة الذاتية”، في حزيران الماضي، يتضمن إخلاء منزله خلال مدة عشرة أيام، بحجة أن السكن “دون مستند قانوني”، الأمر الذي ينفيه “علي حسين”، مؤكدًا أنه يسكن في المنزل “منذ 16 عامًا بموجب عقد إيجار نظامي مع (جمعية الرصافة السكنية)”.

حالة الرجل ليست الوحيدة، فهناك حوالي 45 عائلة مشابهة لوضعه “مهددة بالإخلاء في أي لحظة”.

يكمل “علي حسين” حديثه لعنب بلدي، موضحًا أنه رفض الإخلاء رغم المضايقات المتكررة من قبل “مجلس البلدية”، والتي زادت خلال أيلول الحالي.

لا يخفي الرجل الأربعيني قلقه من إخراجه بالقوة من المنزل الذي تربى أطفاله فيه، خصوصًا أن “مجلس البلدية” لم يوفر سكنًا بديلًا في حال تم تنفيذ قرار الإخلاء.

جمعية “الرصافة” السكنية أُسست منذ أكثر من 30 عامًا، بحثت عنب بلدي عن مقرها في مدينة القامشلي كي تطرح على المشرفين عليها بعض الأسئلة المرتبطة بقضية إخلاء المنازل، دون أن تصل إلى أي مسؤول عن الجمعية.

يد “قسد” في القضية

أحد المحامين المطّلعين على ملف مساكن جمعية “الرصافة” السكنية، أوضح لعنب بلدي أن “الإنذار لا قيمة له من الناحية القانونية، لأنه لم يصدر من محكمة مختصة، وهو مدبّر من شخصيات قيادية في (قوات سوريا الديمقراطية)”.

“ترغب قيادات في (قوات سوريا الديمقراطية) بإتمام عملية الإخلاء ضمن غطاء قانوني، لكن الهدف هو الاستيلاء على مساكن جمعية (الرصافة)، التابعة للحكومة السورية في القامشلي والتي يتراوح عددها بين 40 و50 شقة سكنية، يقطنها موظفون في مؤسسات الدولة ومتقاعدون، قسم منهم بموجب عقود بيع، والقسم الآخر بعقود إيجار نظامية منذ 20 عامًا”، وفق ما قاله المحامي (الذي تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية).

وتعاني عشرات العائلات في مدينة الرقة من فقدان منازلها، إما بسبب الدمار وإما للاستيلاء عليها من قبل “قسد”، بحجج أمنية وأخرى روتينية.

ونظرًا إلى فقدان بعض العوائل أوراقها الرسمية خلال المعارك ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، صار من الصعب على أفرادها إثبات ملكيتهم لمنازلهم، فضلًا عن أن “الإدارة الذاتية” لم تعالج هذه المشكلة بتوفير آلية بديلة لحفظ ملكية أصحاب المنازل.

الأمر لا يقتصر على مساكن “الرصافة”

وأشار المحامي إلى أن الأمر لم يبدأ بمساكن جمعية “الرصافة”، فهناك عدة عوائل من مساكن منطقة المحطة في القامشلي، جرى تحذيرها سابقًا بضرورة إخلاء منازلها.

وهذه المنازل بنتها الحكومة لموظفي محطة قطار القامشلي قبل 2011، و”تريد (قسد) السيطرة عليها أيضًا، كما فعلت في مساكن رميلان وجمعية (الرصافة) في بلدة الجوادية”، إذ طردت أغلب الموظفين منها، وأسكنت بدلًا منهم عوائل من مقاتليها أو قياداتها.

وأوصى المحامي أصحاب المنازل المهددين بالإخلاء بتوكيل محامٍ يرفع دعوى “منع تعرض”، وهي دعوى عقارية يرفعها الحائز للعقار على كل من ينازعه في الحيازة، بقصد منع المنازع من المعارضة، بشرط أن تكون الحيازة مستندة إلى سبب قانوني ومستقرة.

وفي هذه الحالة، سيتم رفع دعوى ضد “مجلس بلدية القامشلي”، لمنع التعرض (عدم إخراجه بالقوة من المنزل)، ويوضع قرار المحكمة تحت التنفيذ الجبري.

تسيطر “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) على معظم محافظة الحسكة، وتتحكم بأهم القطاعات الاقتصادية فيها، وقد سيطرت على أغلب الدوائر الرسمية، وحوّلتها إما إلى مقرات عسكرية، وإما ألحقتها بمؤسساتها الإدارية.

انتهاك للدستور والقانون

تفرض القوانين الدولية المطبقة في حالات النزاع على الحكومة والجهات الفاعلة العسكرية غير الحكومية، والمتمثلة بالقانون الإنساني الدولي، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، على كل القوى حماية أملاك المدنيين، إذ ينص “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” في المادة رقم “17” منه، على أنه “لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفًا”.

و”قسد” هي واحدة من القوى العسكرية الفاعلة في سوريا، وبالتالي يطبّق عليها التكليف بحماية أملاك المدنيين وعدم العبث بها.

كما أن الدستور السوري واضح جدًا في مسألة حماية أملاك المواطنين، إذ جاء في المادة رقم “15” من دستور عام 2012، أن “الملكية الخاصة من جماعية وفردية، مصونة وفق الأسس الآتية:

1- المصادرة العامة في الأموال ممنوعة.

2- لا تُنزع الملكية الخاصة إلا للمنفعة العامة بمرسوم ومقابل تعويض عادل وفقًا للقانون.

3- لا تُفرض المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي مبرم.

4- تجوز المصادرة الخاصة لضرورات الحرب والكوارث العامة بقانون لقاء تعويض عادل.

5- يجب أن يكون التعويض معادلًا للقيمة الحقيقية للملكية.

وبالتالي، فإن ما تقوم به “قسد” وغيرها من الجهات المسيطرة يعد انتهاكًا للدستور السوري، وهي تضرب بعرض الحائط النصوص الدستورية والقانونية التي تفرض حماية أملاك المدنيين بنصوص واضحة، مثلها مثل العديد من الأطراف المتنازعة، تقوم باستغلال الأوضاع الحالية، وظروف المدنيين وخصوصًا النازحين واللاجئين، وتعبث بممتلكاتهم.

وفي 5 من آب 2020، أصدر “المجلس العام للإدارة الذاتية لشمالي وشرقي سوريا” القانون رقم “7” المؤلف من 21 مادة تحت مسمّى “حماية وإدارة أملاك الغائب”، ليعود ويوقف العمل به في 12 من الشهر نفسه، معلنًا أنه سيقوم بإعادة النظر به وصياغته لتلافي “التداعيات التي يمكن أن تحصل من جراء تطبيق هذا القانون، والناجمة عن سوء فهمه والاختلاف في تفسير مواده”.

ورغم إلغاء “قسد” هذا القانون، لا تزال الانتهاكات المرتبطة بحقوق الملكية العقارية مستمرة على أرض الواقع، من خلال الاستيلاء على أملاك المدنيين.

ووثّقت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، استيلاء “لواء الشمال الديمقراطي” المنضوي تحت “قسد”، على أكثر من 1200 منزل في مدينة الرقة شمال شرقي سوريا، منذ أواخر عام 2019 حتى حزيران عام 2020.

وفي تقرير أصدرته المنظمة، في كانون الأول 2020، أشارت إلى استيلاء “قسد” على عشرات المنازل في أحياء مختلفة من مدينة الرقة، منها 80 منزلًا في حي “مساكن الشرطة” وحده، من أجل إسكان عناصر “اللواء” وعائلاتهم فيها.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة