رغم معاناته من ظروف اقتصادية صعبة، تخلّى محمود (28 عامًا) عن عمله كمدّرس في إحدى المدارس التابعة لـ”الإدارة الذاتية” في مدينة الرقة بداية العام الحالي، بسبب رفضه الالتحاق بخدمة التجنيد الإجباري، أو ما يسمى “واجب الدفاع الذاتي”، الذي تفرضه “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في مناطق نفوذها شمال شرقي سوريا.
تنتشر الحواجز الأمنية في مختلف مناطق سيطرة “قسد” لإيقاف أي شخص يمكن أن يشمله قانون التجنيد، في مشاهد تحاكي ما تفعله حواجز قوات الأمن السورية باقتياد الشباب إلى الخدمة الإلزامية.
كما تجري “قوى الأمن الداخلي” في المنطقة عمليات مداهمة واقتحام بشكل دوري، بحثًا عن مطلوبين للخدمة الإجبارية، ولا يكاد يمر يوم دون تسجيل الشبكات المحلية التي تنقل أخبار شمال شرقي سوريا، عمليات اعتقال شبّان في مناطق “الإدارة الذاتية” وسَوقهم إلى التجنيد.
الحواجز وعمليات التجنيد عطّلت حياة العديد من المدنيين ممن يرفضون الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية في صفوف “قسد”، إذ صار الخروج إلى العمل يعني زيادة احتمالية الاعتقال، والزج في معسكرات التدريب تمهيدًا لإرسال المجند إلى جبهات القتال.
ومن بين المتضررين من هذه السياسة المدرّسون، الذين قرروا التخلي عن وظائفهم مقابل رفضهم الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية.
التجنيد يضاعف الصعوبات
وفي حديث إلى عنب بلدي، قال محمود إنه راجع “لجنة التربية والتعليم” في “مجلس الرقة المدني” التابع لـ”قسد” عدة مرات خلال الفترة الماضية، متسائلًا عن إمكانية عودته إلى عمله كمدرّس في مدارس المدينة، بعد أن ترك عمله مع بداية العام الحالي لأنه رفض “تسوية” وضعه وتأدية “واجب الدفاع الذاتي”.
وأضاف محمود الذي تحفّظ على اسمه الكامل لأسباب أمنية، أنه يعاني ظروفًا اقتصادية صعبة بحكم أنه معيل لعائلة تتكون من خمسة أفراد، تمنعه من الغياب عن المنزل تحت أي ظرف، فكيف له أن يتغيّب عامًا كاملًا.
وقال موظفون سابقون لدى “مجلس الرقة المدني” ومؤسسات “الإدارة الذاتية”، إنهم ينتظرون فرصة للعودة إلى وظائفهم السابقة، التي تركوها بعد أن طُلب منهم “تسوية” أوضاعهم وتأدية “واجب الدفاع الذاتي” ضمن صفوف “قسد”.
وتتراوح الرواتب التي يتقاضاها موظفون في “الإدارة الذاتية” و”مجلس الرقة المدني” بين 250 و400 ألف ليرة سورية، في حين يتقاضى المجند إجباريًا في صفوف “قسد” 70 ألف ليرة سورية، الأمر الذي جعل من تفضيل الالتحاق بصفوف “قسد” أمرًا مستحيلًا بالنسبة للمعيلين.
وطُبّق التجنيد الإجباري من قبل “وحدات حماية الشعب” (الكردية) لأول مرة عقب اتفاق “دهوك” في عام 2014، تزامنًا مع صعود تنظيم “الدولة” وسيطرته على مناطق واسعة في سوريا والعراق.
وأُجريت تعديلات على القانون في 2018، شملت تأجيل الطلبة الجامعيين، والوحيد للأسرة حسب عمر الأم، وطالت التعديلات عوائل القتلى، ومن لديه إخوة في “أسايش” و”الوحدات”.
واتخذ قانون التجنيد شكله الأخير في 23 من حزيران 2019، حين أقرت “الإدارة الذاتية” قانونًا جديدًا يتألف من 35 مادة، تجعل منه قانونًا مشابهًا لقانون الخدمة الإلزامية لدى النظام السوري.
الأمر “قيد الدراسة”
أحد أعضاء مكتب التشغيل في “مجلس الرقة المدني”، قال لعنب بلدي، إن موضوع عودة الموظفين السابقين الذين تركوا بسبب التجنيد الإجباري لا يزال “قيد الدراسة”، دون اتخاذ قرار واضح حول رجوعهم من عدمه حتى الآن.
وأضاف عضو المكتب الذي تحفّظ على اسمه بسبب عدم امتلاكه تصريحًا للحديث إلى وسائل الإعلام، أن العودة قد لا تكون جماعية، وقد يُراعى فيها الاختصاص والخبرة ووجود الشهادات الجامعية.
وفي 2 من حزيران الماضي، أوقفت الإدارة المدنية والعسكرية التابعة لـ”قسد”، العمل بقانون “واجب الدفاع الذاتي” (التجنيد الإجباري)، المفروض في مدينة منبج شمال شرقي حلب، وأحالته إلى الدراسة والنقاش.
وجاء القرار بعد عقد اجتماع موسّع لعشائر مدينة منبج مع “المجلس العسكري لمنبج” التابع لـ”قسد”، عقب التصعيد التي شهدته المدينة من احتجاجات ومظاهرات، قُتل على إثرها ثمانية أشخاص بالرصاص الحي وأُصيب آخرون بجروح، بحسب ما نقلته شبكة “فرات بوست” المحلية.
وشهدت مدينة منبج مظاهرات شعبية استمرت ليومين، طالبت بإيقاف العمل بالتجنيد الإجباري الذي صار يشكّل ضغطًا على حياة المدنيين، بالتزامن مع الأوضاع الاقتصادية المتردية التي يعيشها السوريون.
–