يسيطر مقاتلو حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) على معظم مدينة الحسكة منذ صيف 2012 بعد انسحاب القوات النظامية من المنطقة، وتعد الحسكة وريفها إلى جانب دير الزور الخزان النفطي لسوريا، كونها تضم أكبر الحقول النفطية في البلاد، وأهمها حقلا السويدية والرميلان.
تسيطر الوحدات الكردية على كامل حقول الرميلان وعلى مصفاة الرميلان، وعلى حقول كراتشوك وحمزة وعليان ومعشوق وليلاك، ويبلغ عدد الآبار النفطية التابعة للحقل 1322 بئرًا، وهناك 25 بئرًا للغاز المسال في حقل السويدية بالقرب من حقل الرميلان النفطي.
يقول الناشط الإعلامي في الحسكة، سالار الكردي، لصحيفة الشرق الأوسط في 2 تشرين الثاني 2013، “إن قوات الحماية الشعبية الكردية تحكم السيطرة على رميلان الذي يعد الآن بعهدة حزب PYD، وهي المدينة النفطية الأولى على مستوى سوريا».
وتعود أهمية هذا الحقل الاستراتيجية إلى أنه الحقل الوحيد الذي يغذي مصافي النفط في حمص وبانياس، اللتين تقعان في نطاق سيطرة النظام على الساحل، وهو المصدر الوحيد لنفطه في سوريا.
ويشير الكردي إلى أن النظام السوري أمر صيف 2012 بتسليم الحقل إلى قوات PYD، قبل عودة القوات النظامية لمساندة القوات الكردية في القتال للاحتفاظ بالحقل.
وكانت قوات النظام والجيش الحر وجبهة النصرة وأحرار الشام تسيطر على حقول الريف الجنوبي للحسكة، وأهمها حقول منطقة الشدادي، قبل أن تسيطر «الدولة الإسلامية» عليها في صيف 2013.
بدء إنتاج النفط في مناطق الإدارة الذاتية
مع إعلان قوات النظام خروجها من مناطق الحسكة لتحل مكانها القوات الكردية، توقف العمل في حقول نفط المنطقة وخاصة حقل الرميلان، الذي ينتج حاليًا 15 ألف برميل يوميًا (كان الإنتاج قبل العام 2011 نحو 165 ألف برميل).
فالانسحاب رافقه خروج الشركات العاملة، وقبلها فرض العقوبات الدولية على قطاع النفط السوري، لكن القائمين على ملف الطاقة في الإدارة الذاتية الكردية باشروا العمل في هذه الحقول، والتي تتولى وحدات حماية الشعب حمايتها، وكانت المرة الأولى التي يتم فيها إنتاج نفطي في تلك المناطق بعيدًا عن سلطة النظام السوري في دمشق خلال العام 2015.
ويقول رئيس هيئة الطاقة في الإدارة الذاتية الكردية، المهندس سليمان خلف، لوكالة فرانس برس، إنها «المرة الأولى التي نقوم فيها بإنتاج النفط وتكريره وتوزيعه».
لكن عملية التوزيع هذه أعاقها عدم وجود مصاف للتكرير في منطقة الجزيرة وخاصة في الحسكة وريفها، حالها كبقية القطاعات الاقتصادية، بسبب غياب ما يعرف بمفهوم «العناقيد الصناعية» اللازمة لإنتاج وتسويق القطن والقمح وغيرها من المحاصيل الاستراتيجية.
يرى خلف أن أنابيب النقل الواصلة بين حقول الجزيرة في المنطقة الشرقية ومصافي التكرير في مدينتي حمص وبانياس تعرضت لعمليات تخريب وسرقة، فتوقف 1300 بئر نفطي (في حقل رميلان) عن العمل بشكل كامل، وأعيد تشغيل 150 منها منتصف العام 2014.
لكن مصدرًا في وزارة الطاقة في الحكومة المؤقتة أكد لعنب بلدي أن الإدارة الذاتية باشرت بتصدير النفط إلى كردستان العراق، ومنه إلى الأسواق العالمية، بحجم إنتاج 60 إلى 70 ألف برميل يوميًا، من حقول الرميلان.
التجربة العراقية.. هل تفيد؟
لعل الحالة التي تمر بها سوريا والمحاصصات المفضية إلى تقسيم سوريا إلى كانتونات صغيرة أشبه بدول داخل دولة، تشبه إلى حد كبير ما مر به العراق إبان الغزو الأمريكي بعد العام 2003.
إن تجربة العراق بعد تقسيمه إلى مناطق وأقاليم ذات صبغة طائفية وقومية يشبه إلى حد ما الوضع السوري الراهن، فالاحتلال فكك البلاد إلى كانتونات وحلّ الجيش، وأخرج السلطة من يد الحكومة المركزية وعمل على تسييد الحكم اللامركزي، والذي عبره باتت السيطرة على النفط والغاز أهم خطوات حكام أو ممثلي هذه الأقاليم.
يقتصر الإنتاج في سوريا على الاستهلاك المحلي مع بعض محاولات الإدارة الذاتية الكردية في سوريا تصدير النفط عبر إقليم كردستان.
بالنسبة للاستثمارات خلال فترة الاحتلال في العراق وخلال الثورة في سوريا، نجد، وفق دراسة منشورة في جريدة الخليج للكاتب توفيق المديني، أنه «عشية الاحتلال الأمريكي للعراق استغلت الولايات المتحدة المرحلة وفراغ السلطة لخصخصة الصناعة النفطية العراقية لمصلحة الشركات الاحتكارية الأمريكية، الأمر الذي تخشاه البلدان المنتجة للنفط ومنظمة الأوبك، خاصة شركة بيكتيل للنفط ومجموعة شركات بارسون».
في الوضع السوري، المقاربة بعيدة التحقيق حاليًا لانعدام الأمن ولاستمرار الصراع عسكريًا، ولعل المستقبل يكشف مدى تحقق هذه الرؤيا بناء على مخرجات ونتائج الصراع بين الدول الإقليمية والعالمية في سوريا.
وعقب الانسحاب الأمريكي من العراق عام 2008 سلمت الولايات المتحدة أمور قطاع النفط للحكومة العراقية، وبقيت الشركات الأمريكية تعمل في السوق العراقية في مجالات التنقيب والاستخراج، وقد عزز التواجد الأمريكي الاقتصادي هناك الهدوء الأمني ووجود حكومة وقوات نظامية تتولى المسائل الأمنية، لكن في سوريا من المبكر الحديث عن هذا الجانب ما لم تستقر الأوضاع الأمنية وتتوقف المعارك بين الأطراف المتحاربة.
أين توظف عائدات النفط السوري؟
تتعدد توظيفات العوائد المتأتية من استخراج وبيع النفط والغاز السوريين بحسب القوات التي تسيطر على مكامن هذه الثروات، لكنها في المجمل تذهب لتدعيم المقاتلين للاستمرار لأطول فترة ممكنة في هذا الصراع.
وبالحديث عن «الدولة الإسلامية» والنظام السوري، كونهما يسيطران على النسبة الأكبر من نفط وغاز سوريا، فإن العائدات تذهب لشراء الأسلحة ولتأمين رواتب المقاتلين. وكون النظام محروم من التصدير بسبب العقوبات الدولية فإنه يسعى جاهدًا لسد حاجة السوق بالمشتقات وتخفيف فاتورة الاستيراد. ومن أجل ذلك طالبت الشبكة السورية لحقوق الإنسان المجتمع الدولي بمحاسبة كافة الشركات والأفراد المتعاملين مع نظام الأسد وتنظيم «الدولة» في مجال بيع وتصدير النفط، كون كل منهما يستخدمان عائدات النفط بشكل رئيس في شراء أسلحة وتمويل حملات عسكرية ثبت قيامها بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب بحق الشعب السوري.
استمرار النزيف مع غياب الحل السياسي
من المتوقع أن يستمر نزيف قطاع النفط والغاز في سوريا، ومعه ستستمر معاناة السوريين في تأمين موارد الطاقة والمحروقات في ظل استمرار المعارك وانعدام البيئة الاستثمارية الصحيحة التي تضمن الحقوق لجميع الأطراف، الحل المنظور الآن هو أن تعود بيئة الأمان لقطاع الأعمال في سوريا بينما يتوقف الصراع بشكل كامل، بعدها يمكن الحديث عن أولويات من أجل إعادة بناء هذا القطاع والإقلاع به مجددًا وسط شفافية ووضوح بشكل تام.
ويرى خبير طاقة في دمشق (رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية)، أنه «لا شك بأن الحكومة السورية المقبلة ستواجه تحدّيات مالية هائلة بعد انتهاء الحرب، حيث إن تدهور السمعة التي اكتسبتها في إدارتها لشؤونها يلحق أضرارًا شديدة بمستقبل قطاع الطاقة في البلاد».
وأضاف «بالنسبة لمستقبل قطاع النفط والغاز الذي سيصبح قطاعًا وليدًا ورافدًا جديدًا لميزانية الحكومة السورية، فسيعاني كثيرًا في الفترة المقبلة بسبب توقف العديد من الآبار والحقول عن العمل وحاجتها للصيانة، والتي بدورها ستحتاج إلى تكاليف وفترة زمنية لابأس بها، إلى جانب قضايا التحكيم التي ربما سترفعها شركات نفط وغاز دولية ضدّ النظام الذي يواجه خطر خسارة ما اكتسبه من سمعة ارتبطت بكونه يؤمّن مناخًا أكثر مواتاة للأعمال بالمقارنة مع جيرانه».
يعتقد الخبير أن استيلاء تنظيم «الدولة الإسلامية» على آبار النفط في المناطق الشرقية تسبب بعجز مالي كبير وفاقم المأساة جراء مغادرة المستثمرين الأجانب والشركات الدولية من سوريا، فتحوّلت سوريا نحو إيران والعراق لرأب النقص وسد احتياجات السوق.
النقطة الأهم في المرحلة الراهنة أنه لا يُتوقَّع الحصول على مزيد من العون من إيران، حيث زادت الحرب مع تنظيم الدولة الإسلامية والتراجع المستمر في أسعار النفط العالمية من وطأة الأعباء المالية للنظام.
اقرأ ايضا
النفط السوري تحت سطوة العسكر – الجزء 1
قبل عام 2011 كانت سوريا على موعد مع تحقيق أكبر اكتشاف نفطي في تاريخها على سواحل البحر المتوسط وضمن المياه الإقليمية، وكانت تقديرات الشركات التي أجرت المسح المبدئي… المزيد
النظام السوري وآخر أوراقه النفطية – الجزء 2
بعد خسارته الجزء الأكبر من الحقول والآبار يتجه النظام للحفاظ على ما تبقى له من الآبار في وسط سوريا بالقرب من تدمر، حيث حقل “جزل” النفطي الاستراتيجي الذي ينتج وسطيًا بين … المزيد
المحروقات … واقع عقيم في مناطق المعارضة – الجزء 3
تعد الحكومة السورية المؤقتة، ممثلة بوزارة الطاقة، إحدى الواجهات السياسية التي من المفترض أن تدير هذا القطاع في سوريا خلال الفترة الحالية والمقبلة، لكن عدم قدرتها على… المزيد
تنظيم «الدولة الإسلامية» الرابح الأكبر – الجزء 4
يسيطر تنظيم «الدولة الإسلامية» على الحقول في مناطق الشدادي والجبسة والهول وبالقرب من مركدة وتشرين كبيبة في ريف الحسكة الجنوبي، وهي تشكل حوالي… المزيد