“زنازين التعذيب” تهدد “الجيش الوطني” بالعقوبات

  • 2021/09/19
  • 9:12 ص
عناصر "الجيش الوطني" عند حاجز المدخل الشرقي لمدينة اعزاز في ريف حلب الشمالي - 17 نيسان 2021 (عنب بلدي/ وليد عثمان)

عناصر "الجيش الوطني" عند حاجز المدخل الشرقي لمدينة اعزاز في ريف حلب الشمالي - 17 نيسان 2021 (عنب بلدي/ وليد عثمان)

عنب بلدي – خالد الجرعتلي

تكرر تداول تسجيلات مصوّرة، من قبل ناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر عمليات تعذيب يقوم بها عناصر تابعون لأحد تشكيلات “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، شمالي حلب.

وظهر في أحد التسجيلات الأخيرة، عدد من العناصر يرتدون الزي العسكري، وهم يعذبون شابًا مدنيًا، عبر ضربه بسَوط وعصا على كامل أنحاء جسده، وشتمه بعد تعريته بشكل كامل، وإجباره على الاعتذار لمن يقومون بتعذيبه، وتصوير ذلك الاعتذار على أنه موجه لسكان دير الزور.

وبينما لا يزال تاريخ اعتقال الشاب، الذي ينحدر من محافظة الرقة، مجهولًا، قالت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، في 10 من أيلول الحالي، إن تاريخ الاعتقال يرجع إلى مطلع أيلول، بينما يرجع سبب اعتقاله إلى توجيهه “شتائم” لأبناء إحدى المدن السورية، بحسب معلومات متقاطعة حصلت عليها عنب بلدي.

وبحسب تقرير صادر عن “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” فإن الشاب الذي ينحدر من بلدة بلوة في ريف الرقة، احتُجز بالقرب من منزله في قرية بلوة التابعة لناحية سلوك بداية أيلول الحالي، من قبل من تعتقد “الشبكة” أنهم يتبعون لـ”الفرقة 20″ التابعة لتشكيل “صقور السنة” أحد تشكيلات “الجيش الوطني السوري”.

وأشارت “الشبكة” إلى أن المجموعة الأمنية اقتادت المعتقل إلى جهة مجهولة، ولم يسمح له بالتواصل مع أسرته، أو مع محامٍ، ولم يصدر الاحتجاز عن سلطة قضائية، ما يجعل عملية الاحتجاز أقرب إلى عملية اختطاف.

وشبهت الشبكة الحقوقية في تقريرها آثار التعذيب وطريقة انتهاك حرمة المواطن، بممارسات مماثلة شهدها السوريون من قبل عناصر “الشبيحة” وقوات الأمن التابعين للنظام السوري، الذين ظهروا في عشرات المقاطع وهم يصوّرون ويتفاخرون بتعذيب مواطنين سوريين.

“الجيش الوطني” يتنصل

في تسجيلات صوتية حصلت عليها عنب بلدي، نفى قائد لواء “صقور السنة”، الملقب بـ”حسان أبو نور”، مسؤولية فصيله وعناصره عن اعتقال الشاب وتعذيبه، ووصف عملية الاعتقال بأنها “لا تمت لمبادئ الثورة والإسلام بصلة”.

وأضاف أن الشاب الموقوف أُطلق سراحه، ويمكن لأي جهة أن تتوجه إليه بالسؤال حول هوية خاطفيه الذين لا يمتون لـ”صقور السنة” بصلة، بحسب القيادي.

بينما أصدرت الشرطة العسكرية التابعة لـ”الجيش الوطني” بيانًا، قالت خلاله إنها وبالتعاون مع “الفرقة 20″ ألقت القبض على منفذي عملية الاعتقال بحق الشاب، الذين بلغ عددهم خمسة أشخاص.

وأشار البيان إلى أن التحقيقات والبحث عن ضالعين لا تزال مستمرة، في حين ستجري إحالة الموقوفين إلى القضاء التابع لـ”الجيش الوطني” بعد الانتهاء من التحقيقات، الأمر الذي أعلنت عنه غرفة عمليات “عزم” التابعة لـ”الجيش الوطني” بشكل منفصل عبر “تويتر”.

وظهر الشاب الذي تعرض للتعذيب بعد أن أُطلق سراحه، في تسجيل منفصل، تحدث خلاله عن أن الخاطفين قاموا برميه بالقرب من ناحية سلوك في ريف الرقة، وأنهم يتبعون لـ”الفرقة 20″ المنضوية في “الجيش الوطني”.

وينفي “الجيش الوطني” عادة مسؤوليته عن اعتقالات تعسفية وحالات إخفاء قسري في مناطق نفوذه، التي يسيطر عليها بدعم تركي.

وكان الناطق باسم “الجيش الوطني”، يوسف حمود، نفى في تصريحات سابقة لعنب بلدي، قيام الفصائل العسكرية في عفرين وريف حلب باعتقالات تعسفية أو عمليات إخفاء قسري، بعد تقرير أعدته منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” وثقت عبره إفراج “الجيش الوطني” والأجهزة الأمنية عن 30 شخصًا من بين 43 اعتُقلوا خلال شهر واحد عام 2020، بعد دفع ذويهم وأقاربهم مبالغ (فدية أو كفالة).

عقوبات دولية قد تُفرض قريبًا

المرة الأولى التي تفرض فيها وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على فصائل سورية معارضة كانت عندما شملت عقوباتها فصيل “أحرار الشرقية” التابع لـ”الجيش الوطني السوري”، ضمن حزمة جديدة في نهاية حزيران الماضي، شملت شخصيات وكيانات تابعة للنظام السوري.

وعن احتمالية فرض مثل هذا النوع من العقوبات، قال مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، في حديث إلى عنب بلدي، إن هذه الممارسات ستؤدي إلى فرض عقوبات على فصائل “الجيش الوطني”، التي صارت انتهاكاتها المستمرة “فضائح مخجلة لفصائل المعارضة”، والتي تضمنت انتهاكات بحق المدنيين، والسكان المحليين، أبرزها عمليات السرقة والخطف والنهب.

وفي حين أن قسمًا كبيرًا من هذه الانتهاكات جرى توثيقه من قبل منظمات وجهات حقوقية ومنها لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة، صار فرض العقوبات أمرًا قيد التداول من قبل الولايات المتحدة.

وأشار العبد الله إلى انتهاك سابق لأحد فصائل “الجيش الوطني”، حين انتشر تسجيل مصوّر عقب اقتتال داخلي لفصيلين تابعين لـ”الجيش الوطني”، ظهر فيه وجود معتقلين من سجون الفصيل الآخر بينهم نساء كرديات.

وبالتالي، فإن حجم الانتهاكات صار كبيرًا ويجري بشكل ممنهج من قبل هذه الفصائل، ومن غير الممكن أن تمر دون ملاحظتها من قبل المجتمع الدولي، بحسب العبد الله.

إيقاف الانتهاكات “قرار تركي”

اعتبر العبد الله أن العبء يقع على عاتق تركيا، كدولة وكجيش تركي متمركز في سوريا، وهي مسؤولة عن ضبط ممارسات “الجيش الوطني” في سوريا، وهو أمر ممكن في حال رغبت تركيا بذلك.

وبالنظر إلى وجود شخصيات قيادية في “الجيش الوطني” تتمتع بسمعة سيئة جدًا، ولم تجرِ حتى مناقشة استبدالها أو إخراجها من الصورة لمصلحة وجوه مقبولة أكثر أو أقل استفزازًا للمحيط الشعبي، من قبل الأتراك، فإن أنقرة لم ترغب بذلك بعد، بحسب العبد الله.

وعلى عكس ما هو مطلوب، يوجد تفاخر في تعامل الأتراك مع مثل هذه الشخصيات، إذ عادة ما يجري استقبالها، ومنها قائد فصيل “السلطان سليمان شاه”، محمد الجاسم الملقب بـ”أبو عمشة”، من قبل مسؤولين أتراك.

وهو أمر لا يعتبر في مصلحة تركيا، إذ ربما تطال هذه العقوبات مسؤولين أتراكًا، ممن هم على علاقة مباشرة بدعم هذه الفصائل.

ورغم أن تركيا حاولت عرض بعض الحركات الإصلاحية داخل كيان “الجيش الوطني” ومناطق نفوذه، من خلال تشكيل “غرفة عمليات رد الظالم”، فإن آثارها على أرض الواقع كانت خجولة جدًا.

وقال محمد العبد الله، إن التعويل على مثل هذه التشكيلات المتمثلة بـ”رد المظالم” يشبه التعويل على لجنة التحقيق التي شكّلها رئيس النظام السوري، بشار الأسد، للتحقيق في الانتهاكات التي حصلت في درعا.

وعن الحلول المطروحة التي من الممكن أن تؤدي إلى إيقاف هذا النوع من الممارسات، اعتبر العبد الله أن العقوبات هي الحل الأمثل، حتى لو شملت شخصيات تركية، تعتبر صاحبة السلطة على هذه الفصائل، ومن الممكن أن تغيّر من سلوكها.

المحاكم الأوروبية قد تكون مجدية

في ظل عدم وجود قانون قد يوقف هذه الانتهاكات، اعتبر محمد العبد الله أن فرض العقوبات في المحاكم الأوروبية ضد شخصيات قيادية في “الجيش الوطني” ممن نفذوا انتهاكات بحق المدنيين، واستصدار مذكرات توقيف بحقهم، سيشكّل “عامل إرباك” لتركيا.

على الرغم من أن أوروبا غالبًا تصطدم بملف اللاجئين السوريين الذي تهدد به تركيا على الدوام، فإن رفع مثل هذه الدعاوى في المحاكم سيشكّل عامل ضغط يدفع باتجاه طريق المساعدة، لأن تركيا ملتزمة باتفاقيات تسليم مجرمين، واتفاقيات تعاون جنائي وقضائي مع العديد من الدول الأوروبية، إذ سيكون رفض تركيا تسليمهم أمرًا صعبًا.

وأشار إلى أن رفع هذا النوع من الدعاوى القضائية سيؤدي إلى استصدار مذكرات توقيف بحق هؤلاء القياديين من “الإنتربول الدولي”، الأمر الذي لن يُنفذ من الجانب التركي إلا أنه سيشكّل حالة من عدم الارتياح في التعامل مع القضايا المتعلقة بـ”الجيش الوطني”، مؤكدًا أن هذا النوع من العمل تجري دراسته والعمل عليه حاليًا.

ليست المرة الأولى

وانتشر فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، منتصف آب الماضي، لطفل تظهر عليه آثار التعذيب، وتداول ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي معلومات عن أن فرقة “السلطان مراد” المنضوية تحت راية “الجيش الوطني”، احتجزت الطفل وعذّبته في مدينة رأس العين بريف الحسكة، بتهمة السرقة.

وذكر قيادي من فرقة “السلطان مراد” بعدها بأيام خلال تسجيل مصوّر، أن الطفل هو ابن عمه، وعمليات التعذيب التي نفذها بحق هي لتأديبه، بينما لم يجرِ توثيق أي محاسبة حصلت للقيادي الذي عذّب الطفل، الذي لم يتجاوز عمره عشر سنوات.

وكانت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” وثّقت خلال آب الماضي، مقتل سبعة مدنيين على يد فصائل المعارضة المسلحة في “الجيش الوطني” بينهم ثلاثة أطفال.

ووثقت الشبكة الحقوقية مقتل 14 ألفًا و537 سوريًا تحت التعذيب بين آذار 2011 وحزيران الماضي، على يد أطراف الصراع المختلفة في سوريا، خلال تقرير أصدرته “الشبكة” في 26 من حزيران، وتحدث عن مقتل 180 طفلًا و92 سيدة (أنثى بالغة) من مجموع عدد ضحايا التعذيب.

وكانت فصائل المعارضة المسلحة (متمثلة سابقًا بـ”الجيش الحر” وحاليًا بـ”الجيش الوطني”) مسؤولة عن مقتل 47 شخصًا بينهم طفل وسيدة، بحسب الشبكة الحقوقية.

بينما يعتبر النظام مسؤولًا عن مقتل معظم ضحايا التعذيب بنسبة 98.63%، إذ قُتل 14 ألفًا و338 شخصًا على يد النظام، بينهم 173 طفلًا و74 سيدة.

وتلا النظام في مسؤوليته عن مقتل أشخاص تحت التعذيب “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المسيطرة على شمال شرقي سوريا، إذ قتلت 67 شخصًا بينهم طفل وسيدتان.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا