اللاجئ السوري وموظفو الدولة في تركيا.. آثار الخوف القديم
عنب بلدي – حسام المحمود
“عندما أرى عناصر الشرطة في الطريق، أول ما يخطر ببالي أنني أحمل وثيقة الحماية المؤقتة في حقيبتي، وفي حال استمروا بالنظر إليّ أنظر إلى نفسي أنا أيضًا، لأتحقق من أنني (نظامية) ثم أتابع السير في طريقي بشكل طبيعي”.
بهذه الكلمات تعبّر مخبرية الأسنان خنساء المنلا (24 عامًا)، في حديث إلى عنب بلدي، عن مخاوفها من التعامل مع موظفي الدولة المدنيين والأمنيين في بلد لجوئها، تركيا.
تعزو الشابة خوفها من الشرطة إلى تذكّرها قوات الأمن السوري، إذ يشكّل عناصر الأمن في سوريا مصدر قلق ورعب، ويبدو عليهم اللؤم والقسوة، بحسب تعبيرها.
وقفت الأجهزة الأمنية والعسكرية خلال الثورة السورية، التي اندلعت في آذار من عام 2011، إلى جانب النظام السوري، مشكّلة أداة لقمع الشارع المطالب برحيل النظام، ووسيلة لتغذية السجون بنحو 131 ألف معتقل لدى النظام، وفق توثيقات “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” بحسب تقريرها الصادر في 30 من آب الماضي.
قالت خنساء، “حين أذهب إلى مؤسسة حكومية أيضًا أتمنى الانتهاء من عملي بسرعة لأغادر المكان، وأخشى إذا اضطررت للمراجعة لسبب ما من نقص غير مقصود في أوراقي، خصوصًا إذا كان الموظف عجولًا أو غاضبًا، ما يسبب توتر المراجع”.
ويشكّل عدم تعلم اللغة التركية بالنسبة للشابة مصدرًا معززًا لهذه المخاوف، إذ تخشى أن يسألها الموظف أي سؤال لا تدرك معناه فتقدم إجابة خاطئة قد تعرقل معاملتها، أو تتسبب بمشكلة.
ومع تصاعد الأعمال العسكرية في سوريا، لجأ إلى تركيا ملايين السوريين، ما زال يقيم ثلاثة ملايين و658 ألفًا و16 شخصًا منهم في تركيا، بحسب إحصائيات المديرية العامة لإدارة الهجرة حتى 17 من أيلول الحالي، لم يتعلم جميعهم اللغة التركية.
امتلاك اللغة لا يلغي المزاجية
ترى ولاء حوراني (26 عامًا)، وهي مترجمة في قناة “Atv” التركية، أن للغة دورًا كبيرًا في تسهيل الاحتكاك بالموظفين، وتسيير المعاملات الشخصية، لكن الأمر لا يتوقف على اللغة، مشيرة إلى مزاجية الموظفين التي قد تعرقل تسيير المعاملة حتى لو كان الشخص يتقن التركية.
وقالت الشابة، “أحيانًا أشعر بالخوف من مراجعة دوائر الدولة رغم حصولي على الجنسية التركية وتحدثي التركية بطلاقة، بسبب مزاجية الموظفين، لكنني لا أذكر أنني فشلت في التعامل مع الموقف في أي مرة”.
وحول مدى تصاعد أو ثبات هذه الهواجس والمخاوف من موظفي الجهات الرسمية، أكدت ولاء خلال حديثها إلى عنب بلدي، أن خوفها تفاقم بعد الأحداث الأخيرة التي عاشها اللاجئون السوريون في العاصمة التركية أنقرة.
وفي 11 من آب الماضي، شهدت منطقة ألتنداغ في أنقرة أعمال شغب واعتداءات طالت لاجئين سوريين، على خلفية شجار بين مجموعتي أتراك وسوريين، أدى إلى مقتل شاب تركي وإصابة آخر.
وهجمت حينها مجموعات من الأتراك على منازل السوريين في المنطقة، واستخدم المهاجمون العصي والحجارة لإحداث أضرار بها إلى جانب أماكن عملهم وسياراتهم، بحسب ما نقلته صحيفة “يني شفق” التركية، حينها.
كما تداول ناشطون ورواد في مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصوّرة تظهر الهجوم على منازل السوريين والاعتداءات بحقهم، وعدم تدخّل عناصر الشرطة لوقفها.
ولا تشعر ولاء بأي مشاعر خوف عند رؤية عناصر الشرطة التركية في الطرقات، مفسرة ذلك بأنها لم تتعرض لأي موقف معهم.
وتؤكد الشابة أن انطباعها عن الشرطة والأمن في بلد لجوئها لا يتأثر بنظرتها إلى عناصر الأمن وقوات النظام السوري، باعتبار أن الشرطة والموظفين في سوريا ليس لهم مثيل في التعامل، سواء بتقاضي الرشى أو سوء معاملة الشعب، بحسب رأيها.
تضيف ولاء، “الوضع سابقًا كان أفضل (…) تزايد موجة العنصرية تخيفني أحيانًا، وإيقاف استصدار وثيقة الحماية التركية للسوريين أشعرني بالخوف أيضًا”.
وكانت الإدارة العامة للهجرة في تركيا، أوقفت منح وثيقة الحماية المؤقتة للسوريين على أراضيها اعتبارًا من مطلع أيلول الحالي، بعد نحو شهر على أحداث أنقرة التي تعرض لها السوريون.
وتشهد تركيا تصاعدًا في الخطاب العنصري ضد اللاجئين السوريين من قبل أكبر الأحزاب التركية المعارضة حزب “الشعب الجمهوري”، وناشطين أتراك على مواقع التواصل الاجتماعي.
وكان زعيم حزب “الشعب الجمهوري” التركي المعارض، كمال كليشدار أوغلو، تعهد، في تموز الماضي، بالعمل على ترحيل جميع اللاجئين السوريين من تركيا في مدة زمنية أقصاها سنتان حال وصل حزبه إلى الحكم.
ورد عليه الرئيس التركي، حينها، مؤكدًا مواقفه السابقة بعدم ترحيلهم، قائلًا، “لن نلقي بعباد الله الذين لجؤوا إلينا في أحضان القتلة”.
ضبابية تطبيق القانون تعزز المخاوف
لفت المحامي السوري غزوان قرنفل، في حديث إلى عنب بلدي، إلى ضبابية آلية تطبيق القانون التركي، كون الشرطة تفسّر الأمور بطريقة مختلفة عن تلك التي تتبعها إدارة الهجرة، في ظل غياب تفسير واحد للقانون، ما يضع السوري أمام حالة ضياع لجهله بحقوقه، إذ لا يوجد فهم واضح للقانون، وبذلك يكون تأويل النص مزاجيًا حسب نفسية الموظف.
وحول كفاية المعرفة بالقانون لقتل حالة القلق والخوف التي يواجهها اللاجئ السوري، يؤكد قرنفل أن المعرفة بالقانون لا تكفي للشعور بالطمأنينة باعتبار أن الشخص يمتثل للقانون، فتفسير الموظف للقانون يشكّل مرجعية ربما مغايرة لروحية النص القانوني.
ويرى المحامي، الذي يقيم في تركيا، أن الإدارة التنفيذية سواء كانت الهجرة أو الشرطة لديها صلاحيات لا يفترض أن تملكها، فالشرطة قادرة على رفع كتاب للهجرة لترحيل شخص دون قرار قضائي مبرم، أي دون أن يملك الشخص القدرة على الطعن بالقرار قبل تنفيذه.
وحول الحلول المقترحة للتخفيف من هواجس السوريين المدنية والأمنية، يلفت غزوان قرنفل إلى ضرورة التوعية القانونية عبر الإعلام المرئي والمسموع، مع ضرورة إقامة ندوات تعقدها المؤسسات الحقوقية والإعلامية للتوعية القانونية.
غياب المؤسساتية يُحدث الإرباك
الباحث الاجتماعي السوري حسام السعد، يرى أن هناك الكثير من الإرباك في تمثل النظام المؤسساتي بالنسبة للسوريين في تركيا، أو في أي بلد يكون للمؤسسات فيه دورها التنظيمي الفعال، ويرجع ذلك لكون السوريين خارجين من ثقافة حياتية لا تتسم بالمؤسساتية في نمط علاقتهم مع مؤسسات ودوائر الدولة، ما يسبب حالة من الإرباك اختبرها السوريون مع بداية لجوئهم إلى تركيا.
وقال السعد، في حديث إلى عنب بلدي، أن المشكلة ظهرت بشكل متلاحق مع كثافة الوجود السوري، وتجلت في مزاجية التعامل مع الوثائق الرسمية لهم في دوائر ومؤسسات الدولة التركية.
وقد تذهب معاملة رسمية يقدمها اللاجئ السوري لإحدى دوائر الدولة ضحية حالة مزاجية غير جيدة للموظف، أو التجاذبات السياسية الداخلية في تركيا، ما قد يجعل الموظف متعاطفًا أو ممتعضًا مع مراجعه اللاجئ.
وأوضح السعد أن هذه الحالة كفيلة بخلق نوع من ردود الفعل والانكفاء لدى اللاجئين، ما يجعلهم يقفون على مسافة من المحيط التركي، الأمر الذي يشكّل إحدى مقدمات كوابح الاندماج، خاصة إذا ترافق مع خطاب الكراهية والعنصرية الذي تصاعد مؤخرًا بطريقة ملحوظة.
وأمام شعور السوريين في تركيا بعدم الاستقرار في ظل خطابات سياسية تضع ترحيلهم على رأس أجندتها، قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خلال خطاب ألقاه، في 19 من آب الماضي، قبل ترؤّسه اجتماعًا للحكومة التركية، إن السوريين الذين تعلموا اللغة التركية واندمجوا بالمجتمع التركي، وأسسوا أعمالهم سيستطيعون البقاء في تركيا، أما من لم ينجح في ذلك فسيعود إلى منطقته في سوريا بالتزامن مع عودة الظروف الطبيعية للحياة هناك، بحسب تعبيره.
ودعا الباحث الاجتماعي لضرورة النظر إلى دور المؤسسات والهيئات السورية المختلفة في تركيا، والتي لم تفعل ما يُذكر في هذا الشأن، برأيه، ولم تستطع تقديم خطة باتجاه أحزاب المعارضة التركية، ووضع برامج مشتركة من شأنها تجاوز هذا الخطاب أو التخفيف منه.
ما رأي علم النفس؟
الدكتور في علم النفس التربوي عامر الغضبان، يرى أن الخوف من موظف الدولة المدني أو الأمني جزء من ثقافة بعض المجتمعات، وهي ظاهرة واضحة في المجتمع السوري.
والنموذج الأول للخوف من عنصر الأمن يتجلى في الحالة المرضية، فلدى بعض الحالات التي تعاني من اضطراب نفسي أفكار ومشاعر مرتبطة بعنصر الأمن والتصورات عنه، وهناك معتقلون سابقون يعانون أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، من توتر وتعرق بمجرد رؤية عنصر الأمن.
وتوجد حالات تكون انفعالات الشخص خلالها قسرية، لكن إذا ارتبط الشعور بأعراض الصدمة أو بتصرف قسري فالشخص بحاجة إلى العلاج النفسي، وهذه المشكلات يعانيها بعض السوريين بسبب ما عاشوه في بلادهم من قمع.
بينما توجد مظاهر أخرى لا ترتبط بالمرض لكنها جزء من ثقافة المجتمع السوري أيضًا، بسبب حكم البلاد بشمولية ودكتاتورية، تجعل آخر ما يفكر به المواطن هو القانون، فيسعى للطرق الملتوية، كتقديم الرشوة، ليغيب بذلك مفهوم الحق، ويبحث الإنسان عن مصالحه فقط.
ويلفت الدكتور عامر إلى اختلاف نظرة التركي والسوري للقانون، إلى جانب اختلاف توقعات كل منهما عن دور الآخر، في إشارة إلى احتمالية عدم فهم الموظف التركي لما عاناه اللاجئ السوري مع الموظفين وممثلي الجهات الرسمية في سوريا.
وعند ارتفاع الصوت العنصري يشعر اللاجئ بالتهديد واحتمالية حدوث ما لم يحدث سابقًا، وهذه الأفكار تؤثر على الطرفين، فكل منهما يتوقع من الآخر رد فعل غير طبيعي.
بالإضافة إلى تصور مسبق لكل منهما عن الآخر، ما قد يحدث حالات انسحاب أو عدم تفاهم أو حتى تصادم، مع التأكيد على أن الخوف من رجل يمثل السلطة موجود في مجتمعات مختلفة، لكن بعوامل وآلية مختلفة ترتبط بعوامل اختلاف بين الحالتين.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :