درعا – حليم محمد
تقصّدت قوات النظام السوري في أثناء حملتها العسكرية الأخيرة على مدينة درعا البلد، استهداف مساجد المدينة، على الرغم من أنها ليست خطوط تماس، ولم يتحصن فيها مقاتلو المدينة.
واستهدفت مدفعية النظام، في 5 من أيلول الحالي، الجامع “العمري” بصاروخ “فيل” سبّب أضرارًا مادية.
وسبق ذلك استهداف مسجد “الدكتور غسان أبا زيد” في حي الأربعين، واستهداف مسجد “المنصور” في حي طريق السد.
الانتقام.. غاية النظام الأبرز
أثار قصف المساجد تساؤلات لدى سكان درعا عن أسباب استهدافها في كل حملة عسكرية، وعدم استثناء قوات النظام أي مسجد من القصف خلال حملتها الأخيرة على درعا البلد.
ويرى الناشط أحمد شاهين من سكان ريف درعا أن السبب انتقامي بالدرجة الأولى، لأن المساجد تُعتبر “قبلة وبوصلة المسلمين”، ويحمل كل مسجد رمزية مقدسة لسكان درعا، والنظام يضرب هذه القدسية، بما تحمله من أثر معنوي.
ويدل قصف المساجد الممنهج على “طائفية الميليشيات” التابعة لقوات النظام، وعلى كونها المتحكم الرئيس بقرار المعركة، فمن غير الممكن أن يكون استهداف المساجد مصادفة، ولكن “الحقد على الثورة التي خرجت منها هو دافع قوي لتدميرها”، برأي “أبو محمد” (60 عامًا) من سكان درعا البلد.
وقال أحد وجهاء درعا لعنب بلدي (طلب عدم الكشف عن اسمه لاعتبارات أمنية)، إن النظام يحاول الانتقام من مساجد درعا، وخاصة أن المظاهرة الأولى ضده خرجت من الجامع “العمري”، فحقق ذلك “حقدًا دفينًا” على المساجد كافة.
بينما يرى محافظ درعا السابق في أثناء سيطرة المعارضة، علي الصلخدي، أن سياسة النظام في تدمير المساجد سياسة قديمة حديثة، ففي ثمانينيات القرن الماضي، اقتحم النظام السوري مدينة حماة، ودمّر مساجدها بشكل كامل، وبعد الاحتجاجات الشعبية عام 2011، كان الهدف الأول لمدفعية النظام وطائراته عند هجومه على المدن والقرى هو مآذن الجوامع.
وقال الصلخدي لعنب بلدي، إن الجامع “العمري” بعيد عن خطوط الاشتباك، ولم يتحصن فيه المقاتلون، مشيرًا إلى أن نقابة المحامين والناشطين الحقوقيين والمكتب القانوني لـ”الائتلاف المعارض”، وثّقوا جميع جرائم النظام بحق الشعب السوري، بما فيها استهداف دور العبادة.
ويعتبر البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 لاتفاقية جنيف 1949 أن شن الهجمات على الآثار التاريخية وأماكن العبادة التي يمكن التعرف عليها بوضوح، والتي تمثل التراث الثقافي أو الروحي للشعوب، ما يسفر عنها تدميرًا بالغًا، في الوقت الذي لا تكون فيه هذه الآثار وأماكن العبادة في موقع قريب بصورة مباشرة من أهداف عسكرية، جريمة حرب.
الرمزية الكبرى لـ”العمري”
يسبب قصف المساجد في درعا وخاصة الجامع “العمري الكبير” غضبًا بين سكان المدينة.
ويحمل الجامع “العمري” قيمة تاريخية وبعدًا ثوريًا مهمًا لأبناء المنطقة الجنوبية والسوريين عمومًا، جعلته هدفًا لقوات النظام، وحوّلت أروقته إلى ساحات للمعارك، قبل أن تدمّر مئذنته التاريخية في نيسان 2013، وتحوله إلى “أيقونة مدمرة”.
ويعتبر “العمري” من أهم المعالم الأثرية في محافظة درعا، بناه الخليفة عمر بن الخطاب وسُمّي على اسمه، وانطلقت منه شرارة الثورة السورية في 18 من آذار 2011، وصار مركزًا لتنسيق التظاهرات والاجتماعات الثورية.
اقتحم النظام السوري الجامع في نهاية آذار 2011، وكتب مقاتلوه عليه عبارات طائفية وبذيئة، وادعى النظام حينها أنه وجد بداخله مستشفى ميدانيًا، ومبالغ مالية.
وفي عام 2013، قصفته طائرات النظام ودمرت مئذنته، وبعد “التسوية” في تموز 2018 استطاع سكان درعا البلد، بجهود أهلية، ترميمه ليعود للخدمة ولإقامة الصلاة.
وهدد رئيس فرع “الأمن العسكري” في درعا، العميد لؤي العلي، عبر رسالة حمّلها لوجهاء درعا في تموز الماضي، بهدم الجامع “العمري” ونقل حجارته إن لم تنصَع درعا البلد لمطالب النظام في تسليم السلاح ودخول قوات النظام السوري إليها.
وشهد المسجد قصفًا من قبل قوات النظام، في أيلول الحالي، سبّب أضرارًا استطاع السكان إصلاحها بعد “فزعة تطوعية”، وأُقيمت صلاة الجمعة فيه في 10 من أيلول الحالي.
محافظ درعا السابق، علي الصلخدي، اعتبر أن المسجد يحمل خصوصية ثورية وسياسية كونه منارة الثورة، ولخروج شرارة الثورة من باحته.
وشهدت محافظة درعا تصعيدًا عسكريًا، تمثل في حصار مدينة درعا البلد لنحو 80 يومًا، قُطعت خلالها الخدمات من ماء وكهرباء وطحين، وقُصِفت المدينة بالمدفعية وصواريخ “جولان” و”بركان” و”الفيل”، مع محاولات لاقتحام المدينة.
وكانت “اللجنة المركزية”، ووجهاء درعا البلد، توصلوا مع “اللجنة الأمنية” التابعة للنظام السوري لاتفاق، مطلع أيلول الحالي، يقضي بـ”تسوية” أوضاع مئات المطلوبين للنظام السوري، مع تسليم عدد من قطع السلاح، كما نص على تفتيش للمدينة بحضور الروس، و”اللواء الثامن” المدعوم روسيًا، ونشر تسع نقاط عسكرية في داخل ومحيط درعا البلد.