يبدو أديب الجاسم (43 عامًا)، من سكان حي المشلب في مدينة الرقة، يائسًا وهو يحدث عنب بلدي عن قراره إرسال اثنين من أبناءه للعمل في تركيا، “لم أجد حلًا أخر”.
ويقول الرجل الأربعيني، “فقدنا كل شيء، لم يعد في الرقة ولا في كل سوريا بصيص أمل لمستقبل، كيف لي أم أبقيهما هنا”.
ويرى شباب مدينة الرقة في الهجرة طريقًا للبحث عن مستقبل أفضل، مع ضبابية الوضع السوري، خصوصًا بعد استعادة النظام السيطرة على مناطق واسعة من الجغرافيا السورية خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة.
الحاجز الوحيد بين الشباب وموجات الهجرة، حسب ما تحدث بعضهم لعنب بلدي، هو مبلغ 1500 دولار الذي يجري دفعه لمهربي البشر، إذ يشير بعضهم إلى أن الهجرة الجديدة قد تكون أعظم من سابقاتها، في حال مُنح الخيار للسوريين بالبقاء أو المغادرة.
بحث علي الراضي (30 عامًا) طويلًا عن عمل، إلى أن وجد فرصة عمل مؤقتة، ما يصعّب الوضع المعيشي للشاب الذي يعيل أمه وأباه وثلاثة أخوة صغار.
علي قال لعنب بلدي، إن البحث عن فرصة خارج الرقة والهجرة خارج سورية، قد لا تكون بالحل الأمثل أو المناسب، ولكن تبقى أفضل بكثير من قلة الحيلة التي يقع فيها، بعد عجزه عن تأمين متطلبات الأسرة.
ولا يقتصر الأمر على مدينة الرقة وفق ما قال سائقون في كراج البولمان في المدينة، والذين تحدثوا لعنب بلدي عن عشرات حالات الانتقال التي تحدث يوميًا من مناطق سيطرة النظام في الداخل السوري نحو الرقة، ومن ثم الهجرة باتجاه الأراضي التركية.
أحد سائقي باصات النقل بين الرقة والعاصمة دمشق، قال لعنب بلدي، إن أي رحلة بين المدينتين لنقل الركاب، لا تخلو من أشخاص تبدو في أحاديثهم نية الهجرة خارج البلاد.
السائق، الذي تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، قال إن الحواجز الأمنية التابعة للنظام السوري تطلب رشاوى مضاعفة من المسافرين عندما تشك بأنهم على وشك الهجرة، ما يزيد صعوبة الأمر على السوريين.
خصوصًا وأن المبالغ التي تُدفع للمهربين تتجاوز في غالبية الأحيان إمكانيات السوريين المادية، وتزيدها سوءًا، الرشاوى التي تُدفع كضريبة للعبور بين مناطق السيطرة العديدة في سوريا، والتي باتت “مقسمة لكنها لا تحتاج إلى فيزا بعد”.
ما الذي يدفع السوريين للهجرة
مع اختلاف مناطق توزع السيطرة في سوريا واختلاف أساليب الحكم والإدارة فيها، إلا أن دوافع السوريين للهجرة متشابهة في تلك المناطق، وأبرزها التردي الاستثنائي في المستويات المعيشية، بحسب دراسة نشرها مركز “السياسات وبحوث العمليات” (OPC)، في أيار الماضي.
وانصب تركيز الدراسة على مناطق سيطرة النظام السوري حيث تعيش الكتلة السكانية الأكبر من السوريين داخل سوريا، وقد اتخذت الدراسة من مدينة دمشق ميدانًا لها، كونها تضم “حوالي 1.8 مليون نسمة، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة في أيار عام 2020، وهي نسبة تقل عن 10% من إجمالي سكان البلاد”، وفق الدراسة.
الأغلبية العظمى من المستجيبين عبروا عن رغبتهم في الهجرة من سوريا، إذ بلغت نسبة هؤلاء أكثر من 63%، بينما الذين لا يملكون الدافع نحو الهجرة كانت نسبتهم 36.5%.
ويعيش 90% من سكان سوريا تحت خط الفقر، بحسب ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا، أكجمال ماجتيموفا.
وكانت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، إليزابيث بايرز، حذرت من أزمة غذاء غير مسبوقة في سوريا، بسبب تفشي فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19).