“صعود هندي” في سوريا تحكمه المصالح الأمنية والاقتصادية

  • 2021/09/12
  • 9:26 ص

رئيس النظام السوري، بشار الأسد، خلال قبوله أوراق اعتماد السفير الهندي الجديد في سوريا، ماهيندر سينغ كانيال، في قصر الشعب 26 من آب 2021 (سانا)

عنب بلدي – أمل رنتيسي

بدأ السفير الهندي الجديد في سوريا، ماهيندر سينغ كانيال، مهامه بعد قبول رئيس النظام السوري، بشار الأسد، أوراق اعتماده بقصر “الشعب”، في 26 من آب الماضي، مبديًا موقفًا حماسًا بتقديم بلاده الدعم للنظام على الأصعدة كافة.

وصرّح كانيال، في 8 من أيلول الحالي، خلال لقائه برئيس الوزراء في حكومة النظام السوري، حسين عرنوس، أن الهند “ملتزمة بمواصلة تقديم الدعم التقني والإنساني، والإسهام في بناء القدرات وتطوير الموارد البشرية وفق متطلبات واحتياجات سوريا”.

وزار السفير الهندي، في 4 من أيلول الحالي، محافظة اللاذقية، وأكد خلال الزيارة دفع مجالات التعاون بأربعة قطاعات، هي الزراعة والطاقة والتقانة الجديدة وتبادل الخبرات، وفق صحيفة “الوطن” المحلية.

كما أشار كانيال حينها إلى إمكانية بحث “التوأمة” بين اللاذقية وإحدى المدن الهندية بما يسهم في تعزيز العلاقات بشكل أكبر.

لم تقطع الهند علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري منذ بدء الثورة في سوريا عام 2011، إذ حافظ الطرفان على التمثيل الدبلوماسي وبعض المشاريع الاقتصادية، التي لم تكتمل بسبب العقوبات، إلا أن تصريحات الطرف الهندي الأخيرة تبدي اهتمامًا متزايدًا بمشاريع مُقبلة، إذ قال كانيال إن هدف بلاده الآن هو “تعميق العلاقات مع سوريا”.

علاقات جيدة وروابط تاريخية.. تحكمها مصالح

تصف وزارة الخارجية الهندية على موقعها الإلكتروني علاقتها مع سوريا بأن “الهند وسوريا تتمتعان بعلاقات سياسية ودية مبنية على الروابط التاريخية والحضارية، وتجربة الإمبريالية والاستعمار، والتوجه العلماني والقومي والتنموي، وتصورات مماثلة حول العديد من القضايا الدولية والإقليمية وعضوية حركة عدم الانحياز”.

وفي بداية عام 2016، قام وزير الخارجية السابق في حكومة النظام السوري، وليد المعلم، بزيارة إلى الهند استمرت أربعة أيام، أجرى خلالها مباحثات مع نظيرته الهندية، شوشما سواراج، ومسؤولين آخرين، حول أوضاع المنطقة والعلاقات الثنائية.

وكان المعلم زار موسكو وبكين، في وقت سابق، لحشد التأييد لموقف بلاده من السبل اللازم اتباعها لـ”تحقيق السلام ومحاربة الإرهاب، المتمثل في التنظيمات الإرهابية المسلحة في سوريا، وعلى رأسها تنظيم (الدولة الإسلامية)”، بحسب الرواية الرسمية للنظام السوري.

ورأت دمشق من خلال هذه الزيارات التوجه إلى دول الشرق، كالهند أو الصين لحشد تحالفات جديدة، بعدما أصبحت العلاقات مع الغرب سيئة منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011.

الباحث السياسي في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” معن طلاع، قال لعنب بلدي، إن من الممكن فهم موقف الهند تجاه النظام السوري عبر إدراك الأمور الرئيسة المتعلقة بسياستها الخارجية.

وسياسة الهند الخارجية تعتمد على المنطق الداعم للاستقرار في المنطقة، وهو الأمر الذي تبنّته الهند منذ بداية أحداث الربيع العربي، إذ كانت تدعم وجود استقرار في المنطقة لتحقيق تنمية مستدامة.

وشرح طلاع أن الأمر الآخر هو أن الهند تتبع في سياستها الخارجية خلال الأزمات موقف “الحياد الصارم”، خاصة الأزمات التي تتسم بأنها أصبحت محكومة بمنطق “إدارة الأزمة”، بمعنى أن لديها طرفين دوليين، مثل الحالة السورية، فهناك الولايات المتحدة وروسيا، وفي هذه الحالة لا تتبع الهند طرفًا على حساب آخر من القوى المتصارعة.

ورغم هذه المواقف، فإن دعم الهند للنظام السوري أو عدمه لا يؤثر في معادلة الصراع السوري عمومًا، وفق طلاع، وذلك لأن الهند في الملف السوري تُعتبر من الدول التي لا وزن لها، أي ليست مؤثرة سياسيًا أو أمنيًا أو عسكريًا.

ولا يشكّل وجودها تغييرًا في المعادلات الناظمة للمشهد السوري، لذلك فهذا الموقف روتيني متعلق بالهند أكثر من سوريا، ورغم أن النظام السوري حاول مرارًا وتكرارًا الذهاب إلى الهند ودول آسيا، خاصة بعد تطور الأحداث في سوريا واعتبار حكومة دمشق أن أوروبا غير موجودة على الخريطة، ولذا تحولت إلى نسج علاقات وتحالفات اقتصادية، وهذا يتقاطع مع رغبة الهند في أن تكون من الدول الفاعلة اقتصاديًا في المنطقة، وهي تمتلك مؤشرات عديدة لذلك، حسب طلاع.

ويتماشى تحليل الباحث معن طلاع مع فلسفة الهند في سياسة “عدم الانحياز” التي تبنّتها عام 1961، والتي أشار إليها الباحث في علاقات الهند مع غرب آسيا كبير تانيجا، في مقال نشره عام 2016 بعد زيارة وليد المعلم إلى الهند، بعنوان “ماذا وراء العلاقات بين الأسد والهند؟”.

وبحسب المحلل الهندي، “تقيم نيودلهي علاقات ودية مع دمشق، بينما ألمح بعض المسؤولين في الهند إلى أن تغيير النظام من شأنه أن يزعزع الاستقرار بشكل عام، وتأكيدًا على فلسفة الهند في (عدم الانحياز)، امتنعت عن اتخاذ مواقف قوية أو علنية أو رسمية بشأن الصراع السوري”.

واعتبر تانيجا في مقاله أن موقف الهند من الأزمة السورية يبدو متناقضًا بعض الشيء، فمع الإشارة إلى أن المحادثات يجب أن تكون الطريقة الأساسية لإنهاء الصراع وإدانة استخدام الخيار العسكري، أظهرت الهند أيضًا دعمًا لوجهة نظر حكومة الأسد التي تساوي قوات المعارضة بـ”الإرهابيين”، ودعم الضربات الجوية الروسية، وفي نفس الوقت دعم محادثات السلام التي تقودها الأمم المتحدة.

حركة “عدم الانحياز”، هي تجمع دولي يضم 120 عضوًا من الدول النامية، ظهرت بعد الحرب الباردة عام 1961، وقامت فكرتها على أساس عدم الانحياز لأي من المعسكرين، الغربي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، والشرقي بزعامة الاتحاد السوفييتي (سابقا).

وتهدف حاليًا إلى إنشاء تيار محايد وغير منحاز مع السياسة الدولية للقوى العظمى في العالم.

دعم هندي أمام “الإرهاب” المُهدد لها

صرّح وزير الخارجية الهندي، سوبرامينام جاي شنكار، في عام 2018، بدعم بلاده الكامل لـ”سوريا في حربها على الإرهاب، واستعدادها للإسهام في إعادة إعمارها”، بحسب تعبيره.

وتتخوف الهند من أن دعم الحراك الشعبي في المنطقة سينعكس عليها بشكل سلبي، خاصة فيما يتعلق بنقل حالة الصراع وعدم الاستقرار إلى أراضيها، إذ تشعر بقلق من تنامي “الفاعلين العنيفين” من غير الدول داخل المنطقة، واحتمال تسربهم إليها، خاصة إذا حاولت التدخل في سياق التحالف الدولي ودعم بعض الأنظمة في مواجهتهم، وهي أساسًا تعاني من تهديدات تعتبرها إرهابية من دول مجاورة لها مثل باكستان.

وعلى الرغم من حضور الأسباب والعلاقات التاريخية وتأثيرها على الموقف الهندي من المشهد السوري، فإن الموقف الهندي مرتبط بالمصلحة الهندية في المقام الأول، وفق الباحث السياسي معن طلاع.

وأوضح طلاع أن الهند تدعم الاستقرار في مناطق النزاع، لأنها تحتاج إليه كونها تعتمد خارجيًا على وارداتها من النفط والغاز، ولا تريد بمكان ما أن يشكّل أي انتصار لحركات إسلامية داعمة لحراك جديد وذي أثر في محيطها الحيوي، لا سيما في أفغانستان وكشمير وباكستان.

إضافة إلى الأسباب الجيو- أمنية، إذ تحاول الهند أن تفرض نفسها كشريك أمني محتمل لدول الشرق الأوسط، وهي بهذا الأمر تتنافس مع الصين وباكستان.

ومجموع هذه العوامل يجعل العنوان الرئيس للموقف الهندي هو دعم الاستقرار، ولكن توجد خلفه مصالح استراتيجية متعلقة بالمصلحة الهندية، وفق طلاع.

مصلحة اقتصادية مترنحة

يرى طلاع أن السياسة الخارجية للهند تعتمد على الأثر الاقتصادي الذي من الممكن أن تكسبه، إذ تطمح أن تكون المناطق الفاعلة فيها مستقرة، كون هذه المناطق منتجة للطاقة أو محتملة لمرور أنابيبها.

فالهند تعتمد على الطاقة، ولم تكن خلال الفترة الماضية داعمة للمعارضة السورية مثلًا من منطلق اهتمامها ببقاء هذه الجغرافيات مستقرة أمنيًا لمنظور اقتصادي، كما أنها تريد سوقًا لبضائعها.

وتملك الهند استثمارين مهمين في قطاع النفط في سوريا، الأول هو اتفاقية موقعة في كانون الثاني عام 2004 بين شركة “النفط والغاز الطبيعي” (ONGC) وشركة “IPR” الدولية، للتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في “الحقل 24” قرب دير الزور.

والثاني بين شركة “ONGC” الهندية وشركة “CNPC” الصينية، للحصول على 37% من أسهم شركة “PetroCanada” الكندية في شركة “الفرات النفطية السورية” عام 2005.

وكانت تلك الاستثمارات توقفت نتيجة العقوبات المفروضة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بانتظار رفعها، وفقًا لموقع السفارة الهندية في سوريا.

وأرسلت الهند، عام 2019، مستكشفيها إلى دمشق للمشاركة في جهود إعادة الإعمار، وإعادة تفعيل المشاريع النفطية، إلا أنه في حال دخول الشركات الأمريكية ستنحيها جانبًا.

وكان رئيس النظام السوري، بشار الأسد، أشار في لقائه مع مجلة “PARIS MATCH” الفرنسية، عام 2019، إلى وجود “تنسيق” مع شركات خارجية للاستثمار في سوريا، هندية وصينية وإيرانية وروسية.

وحول الدور الاقتصادي للهند في سوريا، أوضح الدكتور السوري في الاقتصاد والباحث بمعهد “الشرق الأوسط” بواشنطن كرم شعار، أن الدور الاقتصادي للهند تاريخيًا كان محدودًا، لأنها بدأت الانفتاح الاقتصادي منذ 15 سنة فقط، أما قبل ذلك فكان هناك تركيز كبير على السياسات ما بين الاشتراكية والشيوعية.

ولم يكن هناك نشاط اقتصادي هندي كبير في سوريا، لأن التجارة كانت محدودة معها والاستثمارات شبه معدومة، لكن التوجه الأساسي كان التفكير في الاستثمارات النفطية وأيضًا الحديث عن الاستثمار بمجال الكهرباء.

مُنِحَت شركة “بهارات” الهندية المحدودة للمعدات الكهربائية الثقيلة، وهي شركة مملوكة من الدولة الهندية، عقدًا بقيمة 485 مليون دولار في العام 2008 لإضافة 400 ميغاواط إلى محطة “تشرين” لتوليد الكهرباء قرب دمشق.

وتولّى تمويل المشروع جزئيًا بنك التصدير والاستيراد الهندي، الذي قدّم قرضًا ميسّرًا بقيمة 240 مليون دولار، وحرّر الدفعة الأولى البالغة قيمتها 100 مليون دولار في العام 2010. وكان متوقَّعًا أن تغطّي سوريا أو مؤسسة مالية دولية المبلغ المتبقّي، وقدره 245 مليون دولار.

لكن الشركة الهندية علّقت أعمالها في المحطة أواخر عام 2011 لدواعٍ أمنية، على الرغم من حصولها على معدّات بقيمة 75 مليون دولار.

في كانون الثاني 2016، أُعلن عن استئناف العمل في محطة “تشرين” في أثناء زيارة رسمية سورية إلى الهند، ثم أُعلن مجددًا بعد ثلاث سنوات عن عودة الشركة خلال زيارة رسمية هندية إلى دمشق، مع أن أيّ مؤشّر على وجود نشاط للشركة في الموقع لم يُلاحَظ حتى الآن.

المصدر: قطاع الكهرباء السوري بعد عقد من الحرب: تقييم شامل | سنان حتاحت وكرم شعار

وبدوره، يرى الباحث في مركز “عمران” معن طلّاع، أنه لا يمكن إغفال الأبعاد الاقتصادية المرتبطة بالموقف الهندي عمومًا من الخليج وغرب آسيا، إذ يتوضح أن هناك مصالح كبيرة من التجارة والاستثمار والتحويلات المالية والطاقة، وهذا يأتي ضمن الاستراتيجية الاقتصادية الهندية التي تتجه لأن تكون من أكبر اقتصادات العالم.

وصُنفت الهند في عام 2019 كخامس أكبر قوة اقتصادية بحجم اقتصاد 2.94 تريليون دولار، ما يدل أن لديها صحوة اقتصادية، لذلك فالدوافع الاقتصادية موجودة، كما أشار طلاع.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا