الزيارة.. “ملل” سوري سينمائي
نبيل محمد
لا يظهر الخلل في فيلم “الزيارة” للمخرج عمرو حاتم علي في تفصيل معيّن، بل إنك كمشاهد تحاول لاهثًا أن تجد ما يبرر الضعف العام في الفيلم المتوسط الطول (32 دقيقة)، لمصلحة القول إن المادة ليست رديئة أو رخيصة، إنما هي محاولة لمخرج يجهد في صناعة مشهد جيد، ويلهث في عدم الوقوع بالحفَر المتكاثرة في وجه أي عمل فني سوري حاليًا.
عائلة مكوّنة من أب متقاعد وأم تنتظر أي فرصة لزيارة ابنها الوحيد المغترب، يعيشان في ظل كآبة وبرود مطبق على حياتهما اليومية، يوحي بأنه حال أغلبية الأسر السورية اليوم، ولعل أنجح ما في الفيلم هو تقديمه الأسرة على هذه الشاكلة، ألوان داكنة تحيط بها طوال الوقت، أثاث قديم في المنزل، جو غائم لا يتغير، صمت مطبق وكلام مكرور لا طائل منه، بطء مسيطر على كل شيء، جهل بالتكنولوجيا. ولعل أنجح أجزاء السيناريو هي تلك اللحظات التي كان يغيب فيها الحوار لمصلحة الصورة الكئيبة.
يكسر برود حياة العائلة شاب من المفترض أنه يحمل الصخب لها، يأتي وكأنه رسالة من القدر لبث الروح فيما تبقى من أجساد العائلة المهترئة، شاب يهرب من الشرطة بسبب حادث سير قام به وهو لا يحمل شهادة قيادة السيارة، تخبّئه العائلة عندها، وتستضيف حبيبته، وتحيي عيد ميلادها في المنزل الذي لم يشهد احتفالًا منذ قرون.
يفترض الفيلم نجاح رسالة القدر تلك ببث الروح في العائلة، حيث تتغير طريقة حياتها وقراراتها بناء على ما حدث، لكن الصورة والجو العام لا يسند السيناريو في هذه الفكرة. لا يبدو حقيقيًا هذا التغيير، لقد تكلّفت الأسرة في أداء دورها كأسرة غيّر حياتها طارئ ما. أي تغيير هذا الذي تفترضه الحكاية، ووجها الأب والأم يصران على احتفاظهما بكآبتهما وبرودهما وضعفهما وقرفهما من كل شيء.
يحاول الفيلم أن يصل إلى ذروة سينمائيته بالمشهد الأخير، حيث يقرر الأب تشغيل السيارة القديمة التي تحمل أحلى ذكرياته، واصطحاب زوجته بها ليخرجا من المنزل الذي لم يغادرانه معًا منذ زمن طويل، لكن حتى هذه المحاولة لم تبدُ ناجحة فنيًا، إلا إذا افترضنا أن المشهد قطعة منفصلة عن الفيلم. جميل أن يركب هذا المتقاعد مع زوجته في سيارة قديمة وينطلقان ليعيدا شيئًا من الأيام الخوالي، لكنّ وجهي وفاء موصللي وعلي كريم وأداءهما يوحيان بأن هذا التغيير مستحيل، يصرّان على الأداء ذاته، والبرودة ذاتها، التي تفوق ما يتطلبه الفيلم، ملل واضح حتى من التمثيل يظهر في أداء الممثلَين العتيقَين المقيمَين في دمشق حتى اليوم. أما الجيل الشاب المتمثل في أداء الممثل خالد شباط، فلا يوحي بأن جيلًا شابًا جديدًا جاء ليغيّر أنماط الحياة المكرّسة في سوريا، بل يبدو بكل محاولاته للظهور كشخصية مختلفة صاخبة حيوية، وكأنه جزء من هذه الرتابة، يتميز عنها بأنه يجيد استخدام “السكايب”، وقد كان من اللافت أيضًا أن يكون “سكايب” هو البرنامج الذي يحمل رمزية التطور التكنولوجي، البرنامج الذي صار اليوم من تراث الإنترنت في أغلبية دول العالم.
لا يخفي السيناريو ضعفه، ولا الصورة فقرها، ولا الممثلون مللهم. كل هذا الضعف من جملة ما يقدمه، حالة سورية واقعية، وصورة نتوقعها اليوم في كل زاوية من البلاد، وحوارات لم يزدها الزمن إلا تكرارًا.
يتفاءل نقّاد الفيلم، والوسط الفني القريب من المخرج، بما يحمله عمرو علي في جعبته من أفكار وشكل فني جديد في الإنتاج، وهو القادم من منزل الراحل حاتم علي الذي اعتُبر في مرحلة من المراحل أهم رواد المدرسة الحديثة في الدراما السورية. عمرو خاض في فيلم “الزيارة” تجربته الثالثة، الفيلم الذي قيّده فيروس “كورونا المستجد” كونه أُنتج سنة 2020، ومنعه من الانتشار الذي ينتظره، والذي ليس من المتوقع أن يحظى بأكثر مما حظي به من عروض تلفزيونية، كون هوية الفيلم تلفزيونية، ومدته تتراوح بين القصير والروائي الطويل، وهو ما ليس دارجًا في سوق السينما حاليًا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :