جنى العيسى | ديانا رحيمة | خالد الجرعتلي
ما إن انتشرت أنباء عن توجيه حكومي تركي مطلع عام 2019، يقضي بمنع اعتراض الشرطة التركية أي تدفق محتمل للاجئين السوريين نحو الحدود اليونانية بهدف الهجرة إلى أوروبا، وتخصيص وسائل نقل خاصة من ولاية اسطنبول التركية نحو وجهتهم إلى ولاية أدرنة الحدودية، أسرع كل راغب بالهجرة من مختلف الجنسيات إلى أماكن تلك الحافلات حالمين بالوصول إلى أوروبا.
ونظرًا إلى رغبة الكثيرين من المقيمين في تركيا بالهجرة إلى أوروبا، امتلأت الحافلات المخصصة للنقل إلى الحدود بمئات اللاجئين، جاء قسم منهم من ولايات تبعد ساعات عن اسطنبول.
محمود الرشواني (40 سنة) شاب سوري، من سكان ولاية ملاطية التركية، التي تبعد عن اسطنبول حوالي 16 ساعة، كان من بين من أرادوا الاستفادة من العرض الذي قدمته السلطات التركية، وعبور الحدود التي فُتحت فجأة والتي من الممكن أن تُغلَق فجأة أيضًا.
توقع محمود الرشواني مع اثنين من أصدقائه، بحسب ما قاله لعنب بلدي، عندما سمع بفتح الحدود التركية أمام اللاجئين الراغبين بالمغادرة، أن رحلتهم ستكون سهلة كالموجة التي شهدتها تلك الحدود عام 2015، لذا حزموا أغراضهم وسافروا إلى اسطنبول للانتقال من هناك إلى وجهتهم الأولى في هذه الرحلة، ولاية أدرنة الحدودية.
ما حدث مع محمود وأصدقائه، يكاد يحدث بشكل شبه دوري مع مختلف اللاجئين حول العالم، في ظل إقامتهم في بلاد غير قادرة على استقبالهم كلاجئين، وتستخدمهم ما إن سنحت الفرصة لها للحصول على ما تريد لقاء وجودهم فيها.
كما تستثمر بعض الدول المضيفة اللاجئين، لتستخدمهم عند الحاجة إلى أي ضغط سياسي قد تحتاج إليه إذا أُغلقت أساليب الحوار مع الدول المجاورة لها، وتتهافت حينها تصريحات مسؤوليها بالتهديدات بفتح أراضيها وعدم منع أي لاجئ من الوصول إلى أراضي الدولة التي تختلف معها على قضية يمكن ألا يكون لها أي علاقة باللاجئين أساسًا.
تناقش عنب بلدي في هذا الملف، استخدام بعض الدول اللاجئين من مختلف الجنسيات كسلاح لتهديد دول أخرى، وأثر هذه السياسة على الدول التي تتلقى التهديد، وتأثير ذلك على صورة اللاجئين الذين يُستخدَمون بهذه الطرق.
دول تشهر سلاح اللاجئين
وصل محمود الرشواني مع أصدقائه إلى معبر “بازار كوليه” في ولاية أدرنة الحدودية مع اليونان في مطلع آذار 2019، مع مئات اللاجئين الذين كانوا ينتظرون هناك، لعبور الأراضي اليونانية خلسة في ظل عدم السماح لحرس الحدود اليوناني لأي لاجئ بالعبور.
لكن محمود لم يعبر الحدود، وبقي حوالي أربعة أيام بانتظار العبور في ظل تشديد حكومي يوناني، وظروف لاإنسانية للبقاء أم بوابة العبور تضمنت قلة الطعام والمياه، وتعرض العديد من اللاجئين في الصفوف الأمامية للضرب المباشر، ورمي قنابل مسيلة للدموع من قبل حرس الحدود اليوناني، بهدف إبعاد الناس عن البوابة.
وبعد أيام من الانتظار دون جدوى، عاد محمود بعد ذلك عبر الحافلات التي أحضرتها الحكومة التركية لنقل اللاجئين من المعبر الحدودي إلى اسطنبول، موضحًا أن أغلب الموجودين هُددوا بسحب وثائقهم التركية (الكملك) منهم في حال عدم عودتهم إلى ولاياتهم.
تركيا.. استثمار لمصالح سياسية
يعتبر ملف اللاجئين في تركيا أحد أكثر الملفات الإشكالية بين الحكومة والمعارضة، إذ دومًا ما تحمّل الأحزاب المعارضة مسؤولية تدهور الأوضاع الداخلية في البلد لكثافة اللاجئين فيها، الذين يشكّل السوريون العدد الأكبر منهم.
وبينما يعتبر حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في البلاد من الداعمين لوجود اللاجئين، أطلق الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تهديدات متكررة استهدف فيها الاتحاد الأوروبي بإغراقه باللاجئين البالغ عددهم أكثر من خمسة ملايين لاجئ يستقرون في تركيا منذ عدة سنوات، بهدف الضغط عليه في سبيل تحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية.
وكان أحدث هذه التصريحات في آذار من عام 2020، عندما هدد أردوغان أوروبا بعدم منع ملايين اللاجئين والمهاجرين من التدفق نحو أراضيها، في محاولة منه لكسب تدخل أوروبا وأمريكا لوقف الأعمال العسكرية التي تقودها روسيا في سوريا، والتي تعتبر تركيا أنها السبب الرئيس الذي يدفع بمزيد من اللاجئين السوريين نحو الأراضي التركية هربًا من المعارك الدائرة بالقرب من الحدود السورية- التركية.
ليعقبه تصريح من رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، فخر الدين ألطون، الذي قال إنه “ليس لتركيا خيار سوى تخفيف جهودها لاحتواء ضغط تدفق اللاجئين، بعد التصعيد العسكري في محافظة إدلب السورية”.
وبحسب الإحصائيات الرسمية لدائرة الهجرة التركية لعام 2021، استقبلت تركيا خلال السنوات العشر الماضية قرابة 3.5 مليون لاجئ سوري لا يزالون مستقرين في الأراضي التركية حتى الآن، بينما عبر أكثر من مليون لاجئ الأراضي التركية باتجاه أوروبا بين عامي 2011 و2015.
المغرب يُغرِق آخر المستعمرات الإسبانية باللاجئين
ليست تركيا الدولة الوحيدة التي تستثمر اللاجئين سياسيًا، إذ برزت في الفترة الأخيرة دول عربية وغربية، حاولت استثمار الملف سياسيًا مستهدفة لاجئين من مختلف الجنسيات.
في أيار الماضي، أعلن انفصاليو جبهة “البوليساريو” المعادية للحكومة المغربية، عبر “وكالة الأنباء الصحراوية“، أن زعيمهم، إبراهيم غالي، يتلقى العلاج ويتماثل للشفاء بعد إصابته بفيروس ”كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، دون أن يكشفوا مكان وجوده.
بينما كشفت الخارجية الإسبانية عن أن إبراهيم غالي نُقل إلى إسبانيا لدواعٍ إنسانية بحتة من أجل تلقي علاج طبي، دون مزيد من التوضيح، رافضة الكشف عن المكان الذي يتلقى فيه إبراهيم غالي العلاج أو تفاصيل حول ظروف نقله إلى البلاد.
أثار ذلك غضب الحكومة المغربية، فدفعت بآلاف اللاجئين والمهاجرين باتجاه مدينتي سبتة ومليلة الإسبانيتين الواقعتين على السواحل المغربية، الأمر الذي تسبب بأزمة لجوء في المدينتين.
ونقلت وكالة “فرانس برس” عن وزير مغربي، لم تسمّه، أن المغرب كان محقًا في تخفيف القيود على الحدود مع جيب سبتة الإسباني، في ضوء قرار مدريد استقبال أحد زعماء حركة استقلال الصحراء الغربية (البوليساريو) بأحد مستشفياتها.
وقال وزير الدولة المغربي لحقوق الإنسان، المصطفى الرميد، إن المغرب من حقه “أن يمد رجله” بعد قرار استقبال إبراهيم غالي زعيم جبهة “البوليساريو” بمستشفى في إسبانيا.
وكتب الوزير، عبر “فيس بوك“، “ماذا كانت تنتظر إسبانيا من المغرب، وهو يرى أن جارته تؤوي مسؤولًا عن جماعة تحمل السلاح ضد المملكة”.
وأضاف الرميد، “يبدو واضحًا أن إسبانيا فضلت علاقتها بجماعة (البوليساريو) وحاضنتها الجزائر، على حساب علاقتها بالمغرب، الذي ضحى كثيرًا من أجل حسن الجوار، الذي ينبغي أن يكون محل عناية كل من الدولتين الجارتين، وحرصهما الشديد على الرقي به”.
ويدور النزاع منذ عقود حول الصحراء الغربية بين جبهة “البوليساريو” والمغرب، في حين تبدو آفاق الحل غائبة في المنطقة الصحراوية، التي تصنفها الأمم المتحدة بين “الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي”.
تونس.. استقطاب دعم دولي بموجات الهجرة
على خلفية التوترات الأخيرة التي شهدتها تونس، أصدر الرئيس التونسي، قيس سعيد، في تموز الماضي، قرارًا يقضي بإعفاء رئيس الحكومة، هشام المشيشي، ووزير الدفاع الوطني، إبراهيم البرتاجي، ووزيرة العدل، حسناء بن سليمان.
الأمر الذي اعتبره زعيم حزب حركة “النهضة الإسلامية” ورئيس البرلمان التونسي، راشد الغنوشي، انقلابًا في البلاد.
وفي تصريحات لصحيفة “كورييري ديلا سيرا” الإيطالية، قال الغنوشي، “نحن جميعًا فوق مركب واحد، نحن التونسيين وأوروبا وخاصة أنتم (الإيطاليون)، إذا لم تتم استعادة الديمقراطية قريبًا في تونس فإننا جميعا سنغرق في الفوضى”.
وأضاف، “يمكن للإرهاب أن ينمو ويمكن أن يدفع عدم الاستقرار الناس للهجرة بأي طريقة ممكنة، ويمكن لـ500 ألف تونسي أن يصلوا إلى السواحل الإيطالية خلال مدة قصيرة”.
ويعتبر ملف الهجرة غير الشرعية من بين أكثر الملفات تعقيدًا في علاقات تونس بإيطاليا وشركائها الأوروبيين، الذين يسعون إلى تعاون أكبر في مسائل تخص تسريع عمليات الترحيل ومزيد من ضبط السواحل أمام الأنشطة السرية لقوارب الهجرة.
لبنان حاول الاستثمار اقتصاديًا
حاول وزير الخارجية اللبناني الأسبق، جبران باسيل، المعروف بموقفه العدائي تجاه وجود اللاجئين السوريين في لبنان، استغلال التعاطف الدولي مهددًا بتوجه نحو مليوني لاجئ سوري إلى أوروبا.
جاء ذلك في تصريحات نقلتها قناة “OTV” قال فيها، “لا نغفل واقع وجود مليوني لاجئ ونازح على أرضنا، ولكن قد يسلكون طريق الهروب نحوكم في حال تفتت لبنان”.
وجاءت تصريحات باسيل عقب انفجار مرفأ بيروت، في آب 2020، الذي زاد من حجم التدهور الاقتصادي الذي يعاني منه لبنان والذي استقبل بدوره مئات الآلاف من السوريين بين عامي 2011 و2021.
وفي حين حمّلت فرنسا مسؤولية الانفجار لإهمال الحكومة اللبنانية، وتصاعد الخطاب الذي ينتقد فساد الحكومة، حاول باسيل التعامل مع الفرنسيين باستغلال وجود مئات الآلاف من اللاجئين السوريين في لبنان.
بيلاروسيا تعلّمت من سابقاتها
فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على قطاعات اقتصادية في بيلاروسيا، في 24 حزيران الماضي، ردًا على ما وصفه بـ”تصاعد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان”.
وتابع الاتحاد تشديد عقوباته تدريجيًا منذ فوز رئيس بيلاروسيا الحالي، ألكسندر لوكاشينكو، بولاية سادسة، في آب 2020، وسط انتخابات وصفها الاتحاد بـ”المزوّرة”، في حين ينفي لوكاشينكو الذي يتولى السلطة منذ عام 1994 تهم التزوير.
وكرد فعل على العقوبات الاقتصادية والعزلة التي فُرضت على بيلاروسيا، قال لوكاشينكو، إن “من يظن أن مينسك ستغلق حدودها مع بولندا وليتوانيا ولاتفيا وأوكرانيا، وتغدو مقر إقامة للاجئين القادمين من أفغانستان وإيران والعراق وليبيا وسوريا وتونس، فهو على خطأ”.
حوّل ذلك بيلاروسيا إلى وجهة جديدة لطالبي اللجوء القادمين من الشرق الأوسط في محاولة للعبور باتجاه أوروبا، الأمر الذي حاول لوكاشينكو استثماره عندما فتح الحدود أمام مجموعات اللاجئين، منتصف حزيران الماضي، لتنضم بعدها بيلاروسيا إلى ركب الاستثمار.
خارج القانون.. المحظورات مباحة
يعتقد الأستاذ في القانون الدولي بجامعة “ماردين” التركية وسام العكلة، أن العديد من الدول الغربية تعمل على استقطاب المهاجرين من خلال برامج هجرة لجلب أصحاب الكفاءات، عبر برامج مدروسة ضمن قواعد الهجرة الشرعية مع اختيار الأشخاص بعناية فائقة، فيما يخدم مصالحها، لكن لا توجد دولة في العالم ترغب في أن يكون لديها لاجئون بطريقة غير منظمة، لأن قضايا اللجوء تحمل معها تحديات أمنية واقتصادية واجتماعية وسياسية.
يرى العكلة، في حديث إلى عنب بلدي، أن ملف اللجوء هو ملف إنساني ومن حيث المبدأ لا يجب تسييسه، ولكن ذلك يحصل اليوم، ويتحول اللاجئ إلى ورقة للحصول على مكاسب سياسية أو مالية، وينعكس ذلك سلبًا على الملف، وتدفع الدول ذاتها ثمن التجاذبات والمناكفات السياسية فيما بينها.
وتنسجم قوانين اتفاقية “جنيف 1951” مع قوانين الدول المشاركة فيها، إذ عُدلت القوانين وأحكامها بما يتناسب معها، ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في الدول المصدّرة للاجئين، فالدول العربية لا توجد فيها قوانين تمنح حق اللجوء، وفي حال تعرضها لموجة لجوء فيجب منح إدارة ملف اللجوء لمفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، الموجودة في كل من لبنان والأردن على سبيل المثال، لأنها متخصصة ولديها خبرة طويلة في هذا المجال، وتعمل بحيادية وموضوعية دون تسييس ملف اللجوء، بل تنظر إليه من جانب إنساني.
وبحسب العكلة، فإن هنالك الكثير من الاتفاقيات البينية أو المرحلية أو المؤقتة تتعارض مع قانون اللجوء الدولي، لأن هذه الاتفاقيات تنص على إغلاق المعابر أو الحدود في وجه اللاجئين، وبالتالي يتعرض اللاجئون لأزمات، ويتركون يواجهون مصيرهم في الحرب كالقتل أو الاعتقال.
من هو اللاجئ؟ تعرّف اتفاقية “جنيف 1951” بمادتها الأولى اللاجئ بأنه الشخص الموجود خارج بلده أو مكان إقامته لخوفه من التعرض للاضطهاد بسبب الدين أو العنصرية أو القومية أو الانتماء إلى جماعة من طائفة معيّنة أو لآراء سياسية، وعليه لا يمكنه البقاء فيه خوفًا من التعرض للاضطهاد مجددًا. |
خارج الاتفاقية
لم توقع جميع الدول على اتفاقية اللاجئين لعام 1951، ولكن ذلك لا يعفي الدول غير المشاركة من التزامات جوهرية معيّنة تجاه المهاجرين، لأنها بالأعراف الدولية، لا يمكنها إرسال اللاجئين إلى مكان يتعرضون فيه لظروف يمكن أن يواجهوا فيها أشكالًا مختلفة من الاضطهاد والتعذيب وما شابه، للتهرب من مسؤوليتها فقط تجاههم، بحسب ما قاله مدير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بسام الأحمد، لعنب بلدي.
وتؤكد الاتفاقية في ميثاقها على جميع الدول، حتى التي لم توقع على الاتفاقية، الالتزام بالتمسك بمعايير الحماية الأساسية التي تعتبر جزءًا من القانون الدولي العام، وعليه لا يمكن أن تعيد أي لاجئ إلى أراضٍ تتعرض فيها حريته أو حياته للتهديد.
توافق بعض الدول على توفير ”الحماية المؤقتة“ عندما تتعرض لتدفق أعداد هائلة من اللاجئين، كما حدث في أثناء الصراع الذي جرى في يوغوسلافيا السابقة في التسعينيات، وعندما تتعرض أنظمتها الخاصة لضغوط في منح اللجوء. وفي مثل هذه الظروف، تكون “الحماية المؤقتة” من مصلحة الدولة المضيفة وطالبي اللجوء على حد سواء (وهو وضع مشابه لوضع اللاجئين السوريين في تركيا) غير أنها تؤمّن فقط الحماية التي توفرها الاتفاقية ولا تعتبر بديلًا عنها.
ولفت الأحمد إلى استغلال دول كلبنان والأردن وتركيا قضية اللاجئين، لافتًا إلى أن ذلك لم يعد سرًا مثلًا في تركيا التي تقدم ملفاتها السياسية في مقابل منعها تدفق اللاجئين إلى أوروبا، كالاتفاق الذي حصل عام 2016، بفرضها تأشيرة دخول على السوريين لكيلا تصبح تركيا جسر عبور إلى أوروبا، مقابل مبالغ تقدم إلى تركيا من الاتحاد الأوروبي بحجة مساعدة اللاجئين.
ويُستغل اللاجئون كورقة لعب، بإرسالهم إلى بلدان أخرى كمرتزقة، أو من قبل الأحزاب المعارضة والكارهة للاجئين.
وأصدرت منظمة العفو الدولية العديد من التقارير التي تدين تعامل اليونان وتركيا مع قضية اللاجئين، إذ تلعب تركيا دورًا محوريًا في القضية كونها البوابة الرئيسة لأوروبا، وتليها اليونان.
اتفاقية “جنيف 1951” تحمي اللاجئين
بدأت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عملها في كانون الثاني عام 1951، وكان الصك الأول من الاتفاقية يقتصر على حماية اللاجئين الأوروبيين بعد الحرب العالمية الثانية، حتى جاء بروتوكول عام 1967، وألغى اقتصار حق اللجوء على الحدود الجغرافية والزمنية التي وردت في الاتفاقية الأساسية والتي كانت تشمل الأشخاص الذين أصبحوا لاجئين بعد الحرب العالمية الثانية.
وتتضمن الاتفاقية حقوق اللاجئ من حرية العقيدة والتنقل والحصول على حق التعليم ووثائق السفر والعمل والتشديد على التزاماته تجاه الدولة المضيفة، ومن ضمن الأحكام الرئيسة في الاتفاقية عدم إعادة اللاجئين، أي حظر الطرد أو الرد إلى بلد يُخشى أن يتعرض فيه اللاجئ للاضطهاد.
وتتحمل الدول المضيفة مسؤولية اللاجئين الموجودين على أراضيها بشكل رئيس.
ووقعت على الاتفاقية 139 دولة حول العالم، وتتدخل حسب الاقتضاء لضمان منح اللاجئين حق اللجوء، وعدم إرغامهم على العودة إلى بلدان يُخشى أن تتعرض فيها حياتهم للخطر.
وتعمل وكالة الأمم المتحدة على مساعدة اللاجئين لبدء حياتهم من جديد، إما من خلال العودة الطوعية إلى بلادهم إن كان ذلك ممكنًا، وإما عبر عملية إعادة توطينهم في دول مضيفة أو بلدان ”ثالثة“ أخرى.
ولا تشمل الاتفاقية الأشخاص الذين قاموا بجرائم ضد السلام، أو جرائم حرب، أو جرائم ضد الإنسانية، أو جرائم جسيمة غير سياسية خارج البلد الذي لجؤوا إليه.
ولا يمكن الإعلان عن أي بلد بأنه آمن حتى في الدول التي لا توجد فيها صفة الخطر بشكل عام، ولا بد من النظر في الدعاوى من خلال إجراء مستعجل، على أن يمنح طالبو اللجوء الفرصة بالاعتراض بالترجيح على عدم وجود خطر الاضطهاد في البلد الأصلي.
لماذا تخاف الدول من اللاجئين الآن؟
أكد الباحث في “المعهد العالي للدراسات الدولية في جنيف” بلال سلايمة، أن استقبال الدول للاجئين يسهم في إثراء التنوع الثقافي في بلد اللجوء، كما يرفد الدولة باليد العاملة.
إلا أن سلايمة اعتبر، في حديث إلى عنب بلدي، أن تصاعد اليمين والأحزاب الشعبوية عالميًا ودورها في العملية الانتخابية من جهة، وتداعيات التراجع الاقتصادي الذي ترافق مع أزمة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) من جهة أخرى، جعل العديد من الدول تتبع سياسات تقيّد حركة اللاجئين وتحد من قبولها لهم.
وأشار الباحث بلال سلايمة إلى أن هناك تخوفًا واضحًا على الصعيد العالمي، من أن استمرار حالات النزاع في المنطقة، وتداعيات التغيرات المناخية، قد يكون له الأثر في زيادة أعداد اللاجئين مستقبلًا ما سيزيد الضغط على دول اللجوء.
المدير الإقليمي للمنظمة العربية- الأوروبية لحقوق الإنسان، محمد كاظم هنداوي، قال في حديث إلى عنب بلدي، إن خوف بعض الدول من استقبال المزيد من اللاجئين يأتي من الشروط التي تفرضها عليها اتفاقيات حماية اللجوء التي تكون مجبرة على الامتثال لها بإعطاء اللاجئين حقوقهم بالكامل دون أي نقصان.
وأشار هنداوي إلى أن ذلك لا ينطبق على الكثير من الدول التي يعتبرها اللاجئ أساسًا ممر عبور لا أكثر، والتي بدورها لا توفر الحماية الكاملة للاجئين ولا تؤمّن الاستقرار لهم، بل تعمل على استخدام وجود اللاجئين ضمن أراضيها من أجل تحصيل مكاسب سياسية واقتصادية لها.
ويؤثر فتور العلاقات والخلافات القديمة بين الدول المجاورة على زيادة ابتزاز بعضها، واستغلال قضية اللاجئين لخدمة مصالحها، كنقطة خلاف إضافية على الخلافات القديمة.
أمل كاذب.. كيف يؤثر الاستثمار على اللاجئين
في استطلاع للرأي أجرته عنب بلدي عبر منصاتها في مواقع التواصل الاجتماعي، اعتبر 88% من المستخدمين أن استثمار اللاجئين في قضايا سياسية أسهم بتشكيل صورة نمطية عنهم في الدول المضيفة، بينما يرى 12% منهم أن استثمار اللاجئين لم يسهم بتشكيل أي صورة نمطية عنهم.
وفي حديث إلى عنب بلدي، حول الآثار التي يعكسها الاستثمار السياسي للاجئين السوريين، قال مسؤول قسم المناصرة والتواصل في “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”، داني البعاج، إن القانون الدولي يلزم الدول المضيفة للاجئين بشكل عام باحترام مجموعة من الحقوق والواجبات، بغض النظر عن الانضمام إلى اتفاقية “جنيف”، وأبرزها منع إعادة اللاجئ إلى مكان هرب منه، وبهذا المعنى فالتخويف الدائم بإعادة اللاجئين يؤثر عليهم بالشعور بعدم الاستقرار والأمان.
لا استقرار.. لا أمان
أما استخدام اللاجئين كورقة ضغط سياسية على دول ثانية، فيعني تخلي الدولة عن التزاماتها بحماية حدودها وحماية حدود غيرها، واللعب بهذا الالتزام كورقة ضغط، يعطي أملًا كاذبًا للاجئين بتحسين أوضاعهم، إذ يعتقدون أنه لا مستقبل لهم في هذه الدولة (المضيفة)، ويبحثون عن مستقبل مضمون في أوروبا غالبًا، وبالتالي يعرّض هذا السلوك حياتهم للخطر لبحثهم عن أساليب هجرة غير شرعية وسط ابتزاز من العصابات.
وفي نفس السياق، عندما تستخدم الدولة اللاجئين كورقة سياسية لحسابات داخلية، تعرض وجودهم في الدولة ذاتها للخطر، بحسب الباحث داني البعاج.
وبشكل عام، تؤثر هذه الأساليب بشكل سلبي على اللاجئ، على استقراره، وعلى نفسيته، وعلى قدرته على الاندماج، وعلى إعادة بناء مستقبله، وعلى إيجاد عمل، وحتى عندما يعمل يبقى تفكيره منصبًا على تجميع المال ليغادر البلد.
أما في الدول التي تحترم التزاماتها بالقانون الدولي، فقد لا يحصل اللاجئون على إقامة دائمة أو حماية دائمة، ولكن طالما بقي الصراع موجودًا فسيبقون فيها ويتمتعون بالحماية والحد الأدنى من الدخل والمساعدة، بينما تساعدهم الدولة على الاندماج واللغة ودخول سوق العمل.
وأشار الباحث داني البعاج إلى أن اللاجئ المستقر الذي تمكّن من إعادة بناء حياته بطريقة صحيحة هو اللاجئ الأكثر قدرة على العودة عند الاستقرار في بلده، بينما اللاجئ غير المستقر لن يعود حتى عندما تكون الأمور أفضل، لأن عدم الاستقرار في بلده الأم يعني عدم استقرار اقتصادي وتعليمي وثقافي وسياسي واجتماعي، ولذلك يبقى اللاجئ باحثًا عن نوع من الاستقرار الاقتصادي على الأقل قبل العودة إلى بلده.
ما يمكن فعله
أول ما يجب على اللاجئين فعله، تسوية أوضاعهم القانونية بأكبر قدر ممكن، كالتسجيل بمفوضية الأمم المتحدة للاجئين أو المنظمة الدولية للهجرة، أو المنظمات المحلية، لكن هذه الخيارات ليست موجودة عند كل اللاجئين، بحسب داني البعاج. لأن الدول تختلف سياساتها بهذا الخصوص.
لكن هذه أول درجة حماية للاجئ، فعلى الأقل توجد حالة تعترف بوجوده بالدولة قانونيًا، ويوجد حد أدنى من المساعدات التي يمكن أن يحصل عليها، أبسطها منع ترحيله، ثم الاستفادة من فرص العمل والتعليم، لأن من لا يحصل على وضع قانوني سيبقى وضعه إشكاليًا ومعرضًا للخطر والتهديد.
وركز الباحث على دور منظمات المجتمع المدني الأساسي، بالعمل على تغيير السياسات في الدول المضيفة لتسوية أوضاع اللاجئين القانونية، أو اللجوء إلى المنظمات الدولية لمحاولة إعادة توطين اللاجئين، أو تأمين فرص تعليم وعمل في البلدان المضيفة لتثبيت الاستقرار الذي يحتاج إليه اللاجئون، وفي مراحل لاحقة الدعم النفسي والاجتماعي المرتبط بالأشخاص المصابين بالصدمات بسبب الحرب.
سوريا في الصدارة
أكثر الدول المصدّرة للاجئين
تصدّرت سوريا قائمة الدول المصدّرة للاجئين حول العالم، بحسب أحدث إحصائية للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
وبحسب التقرير الصادر عن المفوضية في 2019، وصل عدد اللاجئين السوريين حول العالم إلى ستة ملايين و600 ألف لاجئ.
ووفقًا للتقرير، يمثّل اللاجئون السوريون منذ عام 2014 الأغلبية العظمى من لاجئي العالم، إذ أدت الصراعات إلى أكبر أزمة لجوء عرفها العالم.
بينما تمثل أفغانستان ثاني أكبر دولة مصدّرة للاجئين، ولكن هذه الإحصائية سُجلت قبل أزمة اللجوء التي شهدتها البلاد في الأشهر الماضية عقب سيطرة “طالبان” عليها.
وسجلت المفوضية لجوء 2.7 مليون أفغاني خارج بلادهم منذ مطلع العقد الحالي.
ووثقت المفوضية لجوء 2.2 مليون شخص من جنوب السودان، التي تعد أحدث دولة في العالم.
وأوضح التقرير أن جنوب السودان لم تعرف السلام منذ استقلالها إلا لفترات قصيرة وسط الصراع.
وفي 2017، وثقت المفوضية اضطرار 1.1 مليون لاجئ للفرار من العنف في ميانمار، مشيرة إلى أن أزمة اللجوء في ميانمار تعد من أكبر أزمات اللاجئين خلال العقد الماضي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :