الهجرة خيارهم الوحيد.. سوريون يبيعون عقاراتهم ومواشيهم للخلاص
عنب بلدي– جنى العيسى
يجتمع عبد الله (19 سنة) يوميًا منذ قرابة الشهر مع اثنين من أصدقائه في منزله بريف دمشق، للتخطيط لطريقهم الذي سينطلقون منه إلى أوروبا، مستندين إلى نصائح أقرباء لهم غادروا البلاد منذ أكثر من ست سنوات.
قرار الشاب بالهجرة لم يكن خيارًا، كما أخبر عنب بلدي، إذ أجبرته الظروف المحيطة به على التفكير بالبحث عن فرص أخرى للعمل والحياة خارج الحدود.
تستمر معاناة السوريين المقيمين في مناطق سيطرة النظام السوري، جراء التدهور الاقتصادي والمعيشي الذي يعصف بالبلاد منذ سنوات.
وكحلّ للخلاص، مع انعدام الحلول، تتزايد رغبة المواطنين بالهجرة إلى الخارج، بحثًا عن حياة مستقرة، صار تحقيقها في سوريا شبه مستحيل.
وعلى الرغم من أن الطريق للهجرة خارج سوريا يتخلله الكثير من المصاعب، ويتطلب فترة طويلة للوصول إلى الاستقرار المنشود، فإن معظم الراغبين بالهجرة لا يكترثون بتلك المصاعب ويرونها أهون مما يعيشونه كل يوم، في ظل الحرمان من مقومات العيش الأساسية في سوريا.
بحثًا عن فرص عمل
عبد الله، الشاب الذي تحفظ على ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية، قال إنه لا يرى أي فرصة لتحسين واقعه المعيشي في سوريا، إذ لا يسمح له عمله في معمل خياطة بريف دمشق إلا بتأمين تكلفة حياة عائلته اليومية، مستعينًا بحوالة مالية شهرية تصل إليه من أخيه المقيم في ألمانيا منذ سنوات، لدفع بقية تكاليف المعيشة من إيجارات وطبابة ومصاريف ضرورية أخرى.
وأوضح عبد الله أن حاله كحال أصدقائه الذين يخطط معهم للهجرة، إذ تكاد “جمعاتهم” اليومية لا تخلو من حديث عن طرق التهريب الممكنة من سوريا وخياراتها وتكلفتها، والبحث عن أرقام أصدقاء قدامى مقيمين في أماكن متعددة على طريق رحلتهم، يستفيدون من تجاربهم أو يكونون عونًا لهم إذا ما احتاجوا إليهم في سفرهم.
وأظهرت دراسة استقصائية صادرة عن مركز “السياسات وبحوث العمليات” (OPC) في أيار الماضي، رغبة “عالية” لدى من أُجريت عليهم الدراسة في الهجرة من دمشق إلى الخارج.
ويعتبر الهرب من الظروف المعيشية الصعبة داخل سوريا، السبب الرئيس للتفكير في الهجرة بالنسبة لنحو 60% من المستجيبين للدراسة الراغبين في الهجرة، وهو متوقع في ظل التدهور الاقتصادي الذي تعيشه سوريا طوال العقد الأخير، والذي زادت وتيرته خلال عامي 2019 و2020.
ومن العوامل الأخرى التي تدفع الأفراد من المستجيبين للدراسة إلى الرغبة في الهجرة، البحث عن فرص عمل وتعليم أفضل، ولمّ الشمل والالتحاق بأفراد العائلة خارج سوريا، ولتفادي الخدمة العسكرية الإلزامية، كما أن عبارة “سئمت العيش في سوريا” كانت دافعًا لبعض المستجيبين للدراسة.
“لم تعد لدي طاقة”
محمد (42 سنة) أب لخمسة أولاد، أكبرهم يبلغ من العمر 17 سنة، قال لعنب بلدي، إن الأسباب التي تجعله يفكر بالهجرة عديدة، ولكن أهمها تهريب ابنه الأكبر قبل موعد التحاقه بالخدمة العسكرية، فضلًا عن استنزاف طاقته في الطوابير التي ملأت البلد، في سبيل الحصول على المواد الأساسية التي تحتاج إليها العائلة.
وأضاف محمد أن وضعه المادي “أفضل” من غيره بكثير، إذ يعتبر نفسه قادرًا على تأمين متطلبات عائلته الكاملة دون اعتماده على أي شخص آخر لمساعدته في ذلك، عن طريق عمله بتجارة حليب الأبقار وبيض الدجاج في مزرعته التي يقيم فيها بمحافظة القنيطرة.
ولكن محمد لا يفكر فقط بالعمل لصرف ما يجنيه على متطلبات الحياة اليومية، فمن حق أولاده عليه أن يؤمّن لهم بعض المال الذي يعينهم لبدء حياة كريمة، وهو ما لا يستطيع عمله الحالي تحقيقه، كما يقول.
ويرى محمد في الهجرة إلى خارج سوريا سبيلًا لتأمين مستقبل أفضل لأولاده، وخلاصًا من الركض اليومي وراء لقمة العيش فقط وعناء الحصول عليها، وتوظيف الطاقة التي يبذلها يوميًا في تأمين استقرار يطمح له في المستقبل.
وبحسب دراسة أجرتها “الرابطة السورية لكرامة المواطن”، صدرت نهاية آب الماضي، وأُعدت خلال عام 2020 عبر تواصلها مع أشخاص لا يزالون مقيمين في سوريا، تصدّرت الظروف الاقتصادية السبب الرئيس للرغبة بمغادرة مناطق سيطرة النظام.
كما أبدت الأغلبية العظمى (نحو 89% من المستجيبين للدراسة البالغ عددهم 533 شخصًا من مناطق مختلفة يسيطر عليها النظام) عدم الرضا عن الوضع الحالي على جميع الأصعدة، سواء كان الأمن أو الظروف المعيشية أو الاقتصاد أو الخدمات العامة.
ويعتقد ما يقرب من ثلاثة أرباع المشاركين (نحو 73%)، أن من المستحيل تحقيق مستوى معيشي لائق في الوضع الحالي.
“تعب ساعة ولا كل ساعة”
يعرف كل الراغبين بالهجرة أخطار وصعوبات طريقهم إلى خارج الحدود، إلا أن اليأس وانعدام الأمل بمستقبل جيد هو ما يدفعهم لتحمّل كل تلك المصاعب.
وعن الصعوبات التي ستواجهه، أبدى عبد الله استعداده لتحملها جميعها، معتبرًا أن الحياة الكريمة تستحق تلك المغامرة، آملًا بأن كل ما سيحدث معه في طريقه إلى أوروبا، سيُنسى بعد أيام قليلة من وصوله إلى الهدف.
بينما قال محمد، المقيم في محافظة القنيطرة، إن كل ما سيواجهه في طريقه “أهون مما يعيشه كل ساعة في سوريا”، واضعًا نصب عينيه مقولة “تعب ساعة ولا كل ساعة”، ليستمد منها قوته في استكمال طريقه.
“من أين لك هذا”
أثار تعليق رئيس حكومة النظام السوري، حسين عرنوس، على ملف الهجرة المتزايدة من مناطق سيطرة النظام السوري، استياء معظم السوريين، معتبرين أنه يجب أن يوجه هذا السؤال لنفسه، وليس لأشخاص يعانون الأمَرَّين بحثًا عن حياة كريمة، كانت حكومة عرنوس وإدارتها السيئة للأزمات الاقتصادية أهم الأسباب التي ضيّقت الحصول عليها.
وقال عرنوس، في 24 من آب الماضي، أمام اجتماع لمجلس الوزراء، “إن هناك من يجمع الملايين ليرسل ابنه إلى خارج البلاد، فمن أين له هذا؟”.
ووفق الدراسة الصادرة عن مركز “السياسات وبحوث العمليات” (OPC)، يشكّل غياب القدرة المالية على تحمل نفقات الهجرة العامل الأكثر تأثيرًا في منع المستجيبين من الإقدام على الهجرة، إذ إن “ضعف الموارد المالية هو سبب دافع للهجرة ومانع لها في نفس الوقت”، وإذا توفر المال أو طرق هجرة أقل تكلفة، “قد تتحوّل الرغبة إلى قرار”.
وأوضح الشاب عبد الله أن مصاريف الهجرة التي يفكر بها، هي فعلًا العائق الأساسي الذي تركه حتى الآن في سوريا، مضيفًا أن أخاه المقيم في ألمانيا هو الذي سيتكفل بجميع مصاريفه حتى وصوله، معتبرًا أنه لولا وجود أخيه، من المستحيل أن يتمكن من الخروج حتى من محافظته.
ولا يمتلك أهل عبد الله أي عقار يمكنهم بيعه لتحمل مصاريف سفره، مثلما فعل أهالي أصدقائه، الذين اضطروا لبيع بعض عقاراتهم في سوريا، ليتمكن أبناؤهم من السفر إلى الخارج.
بينما عرض محمد المقيم في القنيطرة الأبقار التي “يعتاش” منها أولاده حاليًا للبيع، لتأمين مصاريف هجرتهم من سوريا.
ومع ازدياد الرغبة بالهجرة من سوريا، وتدهور الوضع المعيشي، واستنفاد الناس كامل مدخراتهم خلال سنوات النزاع، لم يبقَ أمامهم سوى بيع ما يمتلكونه من عقارات كالمنازل والأراضي الزراعية والمحال التجارية، كي يهاجروا.
توقعات بالمزيد من الهجرة
في آذار الماضي، حذر تقرير صادر عن “مجلس اللاجئين النرويجي”، من أن الأزمة السورية قد تشهد نزوح ما لا يقل عن ستة ملايين سوري إضافي خلال السنوات العشر المقبلة، إذا استمر الصراع السياسي وانعدام الأمن والتدهور الاقتصادي في سوريا.
وعزا التقرير ازدياد أعداد الخارجين من سوريا لأسباب منها البحث عن الأمان، وخلق فرص جديدة لإعادة بناء حياتهم، بسبب ما يفرضه الواقع المعيشي المتدني، وارتفاع معدلات الفقر، إضافة إلى استمرار العمليات العسكرية التي تهدد أمنهم.
ويعاني السوريون على اختلاف مناطق إقامتهم في سوريا ظروفًا اقتصادية ومعيشية صعبة، بسبب تدهور الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، وتراجع القدرة الشرائية بسبب زيادة نسب التضخم وارتفاع الأسعار.
ويعاني 12.4 مليون شخص في سوريا، أي نحو 60% من السكان، من انعدام الأمن الغذائي، في “أسوأ” حالة أمن غذائي شهدتها سوريا على الإطلاق.
ويعد هذا الرقم أعلى نسبة سُجلت على الإطلاق، وفقًا لنتائج تقييم الأمن الغذائي على مستوى البلاد الذي أُجري في أواخر عام 2020، بحسب تقرير لبرنامج الأغذية العالمي (WFP).
وتتصدر سوريا قائمة الدول الأكثر فقرًا في العالم، إذ يعيش 90% من السوريين تحت خط الفقر، بحسب ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا، أكجمال ماجتيموفا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :