درعا – حليم المحمد
وضع سامر أسطوانة الغاز “السفري” خلفه على دراجته النارية، واتجه إلى “بسطة” تبيعه بالكيلو، بعد أن دفع غلاء الغاز في درعا السكان للبحث عن بدائل لاستخدامه، لأسباب تتعلق بشح المادة، وتباعد فترات تسليمها للمواطنين عبر “البطاقة الذكية”، قد تصل إلى ثلاثة أشهر أحيانًا.
“كيلو ونص غاز زكاتك”، هكذا طلب سامر (أحد سكان طفس) الغاز من بائع “البسطة”، مبديًا استغرابه من شراء الغاز بالكيلو، بعد أن كان يخزّن سابقًا حتى ثلاث أسطوانات في “بيت المونة” بمنزله.
وكانت “مديرية المحروقات” في درعا حصرت تسليم الغاز عبر “البطاقة الذكية”، في حزيران عام 2019، إذ كان من المفترض تسليم حامل “البطاقة” أسطوانة كل 23 يومًا بسعرها المدعوم، لكن فترة التسليم صارت تمتد لثلاثة أشهر.
سامر، الذي يعمل بالزراعة ويعول أسرة مكونة من خمسة أشخاص، قال لعنب بلدي، إن أسطوانة الغاز المدعوم لا تكفي أسرته 40 يومًا رغم تقنين استعمالها، والابتعاد عن طبخ المأكولات التي تستهلك الغاز بشكل كبير.
وأرجع الشاب ارتفاع سعر الغاز في السوق السوداء إلى زيادة الطلب عليه من قبل المطاعم، ومطابخ الحلويات، وأفران المعجنات، الذين لا يحملون ترخيصًا قانونيًا، ما يمنعهم من الحصول على مخصصات الغاز المدعوم، كما أن بعضهم لا تكفيه المخصصات من الغاز الصناعي المدعوم.
ترشيد في الاستهلاك
“أم عمر” (40 عامًا)، سيدة من سكان تل شهاب بريف درعا الغربي، تشتري الغاز بالكيلو لعجزها عن دفع ثمن أسطوانة كاملة، في حين لا تكفي الأسطوانة التي تتسلّمها عبر “البطاقة الذكية” أكثر من شهر.
تعول السيدة عائلة من ستة أفراد، وتتخلى أحيانًا عن صنع مأكولات يحبونها لتوفير الغاز، قائلة، “طلب مني أبنائي أكلة الفطائر التي تُخبَز بالفرن، ولكنها تستهلك نسبة كبيرة من الغاز، لذلك لم أصنعها”.
وأوضحت “أم عمر” لعنب بلدي أن ثمن كيلوغرام الغاز يعادل ثمن ثلاث أسطوانات من الغاز المدعوم، متسائلة عن مصدر الغاز لـ”البسطات” في حين حصرت حكومة النظام تسليمه للمواطنين عبر “البطاقة الذكية”.
وحاولت عنب بلدي التواصل مع بائعي غاز على “البسطات” وسؤالهم عن كيفية تأمين الأسطوانات، لكنهم تهرّبوا من الإجابة.
وسائل قديمة تعود
تعتمد بعض نساء درعا، وخاصة في الأرياف، على طهو المأكولات على النار أو ما يُعرف بـ”الموقدة”، ويحصرن استهلاك الغاز في إعداد الأكلات السريعة، وصنع الشاي والقهوة.
تجمع “أم عمر” الأعواد من مخلفات تقليم الرمان والعنب واللوزيات، وتشعل النار في “الموقدة” عند طهو مأكولات مثل “الشيشبرك”، و”الملفوف”، والدجاج، وغيرها.
أما “أم حسن” (55 عامًا) فصنعت ما يُعرف بـ”الفرنية” التي تشبه إلى حد ما فرن التنور، ولكنها تبنى بالأحجار والطين، ووضعت “صاجة” حديد (صفيحة حديد) بمنتصفها، لتشعل النار بداخلها وتحت “الصاجة” عندما تريد الطبخ.
وقالت “أم حسن” لعنب بلدي، إن “الفرنية” وفرت من استهلاك الغاز لحد كبير، إذ تُعد الخبز عليها في حال انقطاعه، وتخبز الفطائر، وتشوي اللحم والبطاطا.
وأضافت السيدة أن هذه البدائل يمكن استخدامها في مناطق الريف لتوفر المكان الملائم ووجود الحطب، لكنها غير ملائمة للاستخدام داخل المدن.
ومن البدائل أيضًا التي يلجأ الأهالي إلى استخدامها في درعا “البابور” الذي يعمل على الكاز والمازوت، ولكنه خيار “صعب”، بحسب “أم علاء”، وهي ربة منزل في بلدة المزاريب.
تعاني “أم علاء” من حساسية في الرئة، ورائحة الكاز والمازوت “تخنقها”، وتسبب لها مشكلات صحية، بحسب ما قالته لعنب بلدي.
ولم تتوقع السيدة أن تعود لاستخدام “البابور” والمواقد التي كانت تُستخدم قديمًا للطهو، خاصة بعد التطور التكنولوجي في العالم، “لكننا عدنا إلى الوراء 50 عامًا”، بحسب تعبيرها.
ووصل سعر كيلوغرام الغاز السائل إلى 13 ألف ليرة سورية (3.7 دولار)، في حين بلغ سعر الأسطوانة 120 ألف ليرة سورية (نحو 35 دولارًا)، ويبلغ سعرها المدعوم 3850 ليرة لكنها تصل إلى المستهلك بسعر 5000 ليرة (نحو 1.5 دولار) بعد حساب أجور النقل وربح المعتمد.