سوريا وأفغانستان.. الفاشلتان
إبراهيم العلوش
يتكرر اسم سوريا هذه الأيام مع اسم أفغانستان كدولتين فاشلتين، يتم تحليل الوضع فيهما ودراسة التدخلات والانسحابات الأجنبية منهما، والتكاليف الباهظة التي تكبدتها الدول المتدخلة في هذين البلدين.
كلّفت أفغانستان الخزينة الأمريكية ما يزيد على ألفي مليار دولار خلال 20 سنة من التدخل فيها، ولم يغيّر الأمر شيئًا في بنية الدولة الفاشلة التي تركها الروس في أفغانستان في العام 1989، أو التي بناها الأمريكيون خلال احتلالهم البلاد.
وبعد عشر سنوات من التدخل الإيراني في سوريا، وصرف المليارات فيها لدعم النظام الفاقد لشرعيته الشعبية، وبعد ست سنوات من التدخل الروسي المباشر في سوريا، لم تتغير بنية النظام ولم يتغير أداؤه، ولعل سلوكه الأخير في حصار درعا البلد خلال 80 يومًا يبيّن مدى عجزه السياسي وهشاشة ادعاءاته بالانتصار.
النظام الذي عجز عن التعامل السياسي مع احتجاجات الثورة السلمية في ربيع 2011 لا يزال مستمرًا في رعونته واستعراضاته المراهقة في محاولة مستميتة لإذلال الناس وتدمير أرزاقهم وتهجيرهم، وكأنه يريد سوريا بلدًا بلا شعب، ليعيد تأثيثه بالميليشيات الإيرانية والعراقية واللبنانية. ومثال مدينة القصير يعتبر نموذجيًا في التدمير والتهجير وإعادة الإسكان بالميليشيات اللبنانية، وتحويل اقتصاد المدينة من الزراعة والتجارة إلى صناعة “الكبتاجون” وتهريبه إلى الدول المجاورة.
وكذلك اقتصاد حركة “طالبان” التي تحكم أفغانستان منذ عام 1996، بشكل مباشر أو غير مباشر، يعتمد على زراعة وتصنيع المخدرات، وغسيل سمعتها الأخلاقية بالادعاء بأنهم يريدون فرض الإسلام المتطرف بشكل قسري على الناس ومن دون احترام لحرية المعتقد والمذهب الديني ضمن الإسلام نفسه، فالإسلام السلفي الجهادي ليس هو خيار الناس تاريخيًا في هذا البلد ولا في البلدان الأخرى، بل إن هذه الظاهرة هي تغطية للاستيلاء على السلطة، مثلما يدّعي نظام الأسد بأنه يحمي العلمانية ليبرر سلطته الاستبدادية.
تعتمد أفغانستان اليوم على الدعم الباكستاني الذي أسس حركة “طالبان” عام 1994، ولا يزال يحميها، حتى إن الكثير من الوكالات أشارت إلى دعم الطائرات الباكستانية حركة “طالبان” وهي تهاجم الأسبوع الماضي وادي بانشير الذي أُسقط بسهولة رغم رفض الأهالي وقادتهم حكم “طالبان” المتطرف، ولعل الدعم الصيني يأتي من خلف الستار، خاصة أن باكستان تتحالف بشكل عميق مع الصين في وجه الهند عدوها التاريخي.
نظام الأسد وداعموه الإيرانيون والروس، أنتجوا دولة فاشلة دمّرت سوريا، وكذلك دولة حامد كرزاي وداعميه الأمريكيين، وبالتوازي نظام “طالبان” الذي يستولي على أفغانستان بشكل غير مباشر منذ سنوات، وصار حاكما رسميًا للبلاد منذ آب الماضي بعد أن حكمها في الفترة بين 1996 و2001، وهو عمليًا يسيطر على معظم مساحتها خلال العقدين الماضيين، ورغم الدعم الباكستاني وما وراءه فقد أنتج دولة مخيفة، وتشكّل مأوى للإرهاب، وتبشر المنطقة بالمزيد من الاضطرابات بسبب إصرار “طالبان”، حتى الآن، على النهج الديني المتطرف.
النظامان تسببا بصرف مئات مليارات الدولارات من أجل استمرارهما، وأنتجا أخيرًا دولتين فاشلتين تعتمدان على اقتصاد المخدرات، الحشيش في أفغانستان و”الكبتاجون” في سوريا، وهما مصنفان كنظامين فاشلين ومصدّرين للاضطراب، والإرهاب، ولتدفق اللاجئين، بالإضافة إلى التمييز العنصري ضد السكان من حيث الأصل، أو المذهب، أو التصدي الوحشي للمعارضين، وضد النساء بشكل صارخ في أفغانستان!
تدّعي الدبلوماسية الروسية بأنها ستقوم بإعادة بناء الجيش السوري وتخلّصه من وباء الطائفية، وبأنها ستعيد بناء الدولة السورية بشكل مقبول من الجامعة العربية، ومن المجتمع الدولي، وستضع حدًا لتجاوزات نظام الأسد ضد الشعب السوري بما يرسي الاستقرار في هذه البلاد. ولكن حصار درعا البلد الأخير أثبت أن اليد الروسية مشلولة أمام القدرات الإيرانية الكبيرة على الأرض، وأمام إصرار إيران على حماية الدولة الفاشلة في سوريا لتستخدمها في استراتيجيتها المبنية على نظرية “نشر الخراب في المنطقة من أجل سلامة نظام الملالي”. وهذه النظرية بمثابة إعادة صياغة لنظرية “الفوضى الخلّاقة” التي أطلقها الرئيس الأمريكي السابق، جورج بوش، بعد احتلال العراق 2003.
تلازم اسمي سوريا وأفغانستان في نشرات الأخبار وفي التحليلات العالمية بمثابة توأمة للفشل في الدولتين، سواء فشل نظام “طالبان” ونظام الأسد في التعايش مع الناس ومع المجتمع الدولي من جهة، ومن جهة أخرى فشل المحتلين الأمريكيين والداعمين الباكستانيين في بناء دولة مستقرة، وتعديل نهج التطرف الديني في الحالة الأفغانية. وفي الحالة السورية فشل المحتلين الإيرانيين والروس في بناء دولة مقبولة من قبل شعبها ومن قبل المجتمع الدولي.
لقد كانت سوريا تُقارن برواندا وبالصومال قبل عدة سنوات، لكنّ الدولتين اختفتا من لوائح الدول الأكثر فشلًا ومن نشرات الأخبار، فهل ستبقى سوريا على تلك اللوائح مع دول فاشلة أخرى بعد أن تغيّر “طالبان” سلوكها المتطرف. وهل سيبقى المجتمع الدولي مشلولًا وهو يشاهد الأسد وقادته متشبثين بنظرية “الأسد أو نحرق البلد” كاستراتيجية دائمة للاستمرار على قائمة الدول الأكثر فشلًا؟
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :