خلطتها السحرية الصابون البلدي والبيض والخبرة
أحوال الناس في إدلب تعيد الاعتبار لـ”المجبراتية”
إدلب – هاديا منصور
لم يمنع النزوح الخمسينية “أم أحمد” من استئناف عملها كـ”مجبراتية”، تقصدها الكثير من النساء اللواتي يثقن بخبرتها ومهارتها في تجبير شتى أنواع الكسور والرضوض، وحتى خلع الولادة المنتشر بين الأطفال الرضع.
“أم أحمد”، وهي نازحة من مدينة معرة النعمان، تقيم في مخيم “دير حسان” بريف إدلب الشمالي، ورثت المهنة عن جدتها التي مارستها لأكثر من 50 عامًا، وكانت تعالج شتى أنواع الإصابات المتعلقة بالكسور ببراعة وإتقان، بحسب ما قالته لعنب بلدي.
لا أجهزة طبية.. الكسر يُعرف باللمس
لا تستخدم “أم أحمد” أجهزة التصوير الشعاعي لتعرف مكان الكسر، حسبما تقول، وإنما تستشعر ذلك عن طريق اللمس وملاحظة درجة حرارة الكسر التي ترتفع عادة لتفوق درجة حرارة الجسم، فتعمد إلى إعادة العظم لمكانه بالشكل الصحيح قبل أن تقوم بتضميده، بما يساعد على شفائه بسرعة.
وتشير السيدة إلى أن عملية الشفاء تتعلق بعمر المكسور، فكلما كان العمر صغيرًا كان الشفاء أسرع والعكس بالعكس.
مواد بسيطة تستخدمها “أم أحمد” في تجبير الكسور، وهي عبارة عن مبشور الصابون البلدي والبيض، تمزج الخليط وتضعه على مكان الكسر، وتلف حوله قطعة من الشاش الطبي وتشده بعصا، لتحافظ على ثبات مكان الكسر فيتحول المزيج إلى ما يشبه الجبس بعد أن يجف.
تستقبل “أم أحمد” العديد من الحالات يوميًا، ومعظمها من ساكني المخيمات القريبة، وهم من فئة الفقراء المعدمين، ولذا فإن عملها كثيرًا ما يكون مجانيًا أو بأجور رمزية جدًا، وفق حديثها.
أجر زهيد
الحاجة خديجة قيطاز (80 عامًا) مارست مهنة “المجبراتية” لأكثر من 60 عامًا، أمضتها في معالجة آلام الفقراء وأوجاعهم، وذاع صيتها بمهارتها وخبرتها الطويلة في تجبير العظام المكسورة ومعالجة الضلوع الملتوية والمفاصل المفككة، بحسب ما قالته لعنب بلدي.
ورثت خديجة المهنة عن والدتها، وتجهد اليوم في تعليم أسرارها لبناتها وحفيداتها.
وأضافت الحاجة أنها تجد راحة نفسية بمساعدة الناس، ممن ضاقت بهم السبل وعجزوا عن قصد عيادات الأطباء لفقرهم وعوزهم وضيق أحوالهم.
وأكدت ضرورة مد يد العون للناس، خصوصًا في ظل ظروفهم “القاسية” التي يعيشونها داخل هذه المخيمات “المنسية”، على حد تعبيرها.
وعن ثقتها بـ”المجبراتية”، قالت روعة الحسين (35 عامًا)، وهي إحدى النازحات المقيمات في مخيم “مشهد روحين” شمالي إدلب، إنها قصدت الحاجة خديجة حين أُصيب طفلها الرضيع بخلع في كتفه وأمضى ليلته في البكاء والصراخ.
“بكثير من العناية، دلّكت الحاجة خديجة جسم الطفل بزيت الزيتون وضغطت بلطف على المكان المرضوض، ومسّدته بيدها لإعادته إلى مكانه الصحيح، وبالفعل شُفي الطفل وبدا التحسن عليه واضحًا حين كفّ عن البكاء والشعور بالألم”، بحسب ما روته روعة.
وتشيد روعة بـ”المجبراتية” خديجة، التي يُعرف عنها “حبها للخير، والبساطة في الأسلوب، والعلم الوافر، ومراعاتها لظروف البائسين”، فهي لا تتقاضى أجورًا أبدًا من الفقراء، وترضى بما يعطيه لها المرضى الذين يقصدونها من كل مكان.
ما رأي الطب
عن الرأي الطبي بعمل “المجبراتية”، قال الطبيب محمد الحلاق (30 عامًا)، إن الجبيرة العربية أثبتت نجاحها بشفاء الكسور البسيطة والتي تكون “الحل الأمثل” لشفائها، كالكسر المغلق وغير الكامل والغصن النظير وغيره.
ولكن من جهة أخرى، حذر الطبيب من التهاون مع بعض الكسور الخطرة، والتي تحتاج إلى تدخل جراحي وغرس أدوات تثبيت داخلية، مثل الشرائح أو القضبان أو المسامير، للحفاظ على الموضع الصحيح للعظام كالكسر المفتوح والكسر المزاح.
ومع ضعف القطاع الطبي في إدلب وافتقاره إلى الأجهزة والاختصاصيين بعد عشر سنوات من الحرب، ومع صعوبة وصول النازحين في المخيمات إلى الخدمات الطبية البعيدة عن أماكن إقامتهم، عاد الاعتماد على “المجبراتية” لتساعدهم في تجبير كسورهم وتخليصهم من آلامهم بأجور زهيدة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :