لبنان: ولدت حكومة بشار الأسد ورياض سلامة
الأرجح أن نجيب ميقاتي أعطى وعداً بتطبيع العلاقة مع النظام السوري فولدت الحكومة اللبنانية. الأسماء الواردة في التشكيلة لا توحي بأن استعصاء مديداً تستحقه لكي ينعقد اتفاق حولها. والتفسير الوحيد لحال المراوحة التي شهدها لبنان قبل الإعلان عن الحكومة الأقل من عادية هو أن قطبة مخفية وراء كل هذه المراوحة، قطبة مخفية خارج كل الحسابات، وخارج لبنان وخارج أسباب انهياره. الرؤساء وزعماء الأحزاب والطوائف والمذاهب لم يتفاوضوا حول أسماء الوزراء ولا حول حصص الطوائف أو خرافة الثلث المعطل. لندقق قليلاً في الأسماء، إنها هي عينها التي سمعنا بها منذ اليوم الأول للتكليف، لا بل قبله. تعطيل التشكيل والأثمان الباهظة التي دفعناها جراءه مردها إلى أن “حزب الله” كان يريد من الحكومة العتيدة السير بخطوات تطبيعية مع النظام في سوريا، وما أن لاحت مؤشرات القبول حتى ولدت الحكومة، من دون أي تعديل جوهري في معظم الصيغ التي سبق أن رفضت.
فلنتأمل قليلاً بالتشكيلة المعلنة! هل تستحق كل هذه المعاناة التي عشناها طوال نحو سنة من التكليفات والاعتذارات المتلاحقة والتي دفعت أوضاعنا نحو الكارثة؟ هل يستحق جورج قرداحي كل هذا العناء لكي يولد وزيراً؟ وهل المفاوضات العصيبة التي أجريت طوال هذه المرحلة العصيبة كانت حول ضرورة أن يكون لرياض سلامة وزيران فيها، الأول مساعده في المصرف المركزي (يوسف الخليل، وزير المال) والثاني (جورج قرداحي، وزير الإعلام) خال مساعدته ورفيقته إلى الجنات الضريبية ماريان الحويك؟
ولدت الحكومة، لكن أي صعداء سنتنفسه وسط غابة أسماء شديدة الارتباط بالطبقة الفاسدة. فناهيك بأنها حكومة بشار الأسد، هي أيضاً حكومة ميشال عون وحسن نصرالله ونبيه بري، وسعد الحريري ليس بعيداً منها، ناهيك بوليد جنبلاط وسليمان فرنجية. كل هذا الصيام أفضى إلى هذه “البصلة المتعفنة”، أما الكلام عن حكومة اختصاصيين مستقلين والذي أثلج صدر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فلا أثر له إلا عبر مدير مستشفى رفيق الحريري فراس الأبيض، والرجل انتدب للوزارة من المهمة الناجحة التي أداها في المستشفى إلى مهمة فاشلة لا محالة وسط غابة الفاسدين والمرتهنين.
سيسلك وزراء ميقاتي طريق بيروت- دمشق على نحو ما فعل أسلافهم في حكومة حسان دياب وسيبحثون في خطط تمكّن النظام في دمشق من التخفف من العقوبات، لا سيما قانون قيصر. استجرار الكهرباء سيكون ذريعتهم وسيساعدهم على ذلك ضوء أخضر أردني ومصري. ميقاتي يجيد لعبة إحالة الموبقات إلى أوضاع قاهرة. في هذه اللحظة تماماً ولدت الحكومة.
الثمن الذي دفعناه لقاء هذه الولادة البائسة كان باهظاً، ولم يفاجئنا اسم واحد في هذه التشكيلة. حكومة رتيبة كحال رئيسها، وطبخة لطالما تذوقناها في زمن وصاية النظام السوري، أما “الإنجاز الكبير” لرئيسها، والمتمثل بمنع أي طرف من حيازة الثلث المعطل فيها، فهذا بدوره جزء من المكر الذي يعتقد ميقاتي أن بإمكانه أن يمرره بوصفه صموداً في وجه ميشال عون، ذاك أننا نعلم أن لدى عون و”حزب الله” مجتمعين ثلثي الحكومة، وهذا عدد يفيض عن الثلث المعطل طبعاً، ويجعل من ادعاء ميقاتي هراء خالصاً. فعندما تشتد المواجهة ويحتاج الرئيس إلى الثلث المعطل، فإن الحزب لن يخذله، ونكون قد أضعنا سنة من عمرنا لنمنع الثلث المعطل، المنعقد أصلاً من دون جهد أحد.
حكومتان ولدتا في الأيام الأخيرة بعد عناء ومخاضين عسيرين، حكومة “طالبان” في كابول وحكومة نجيب ميقاتي في بيروت. لا شيء جديداً في التشكيلتين. الملا عمر كان الحاضر الغائب في حكومة كابول عبر ابنه نائب رئيس الحكومة، وبشار الأسد كان حاضراً وغير غائب في حكومة بيروت عبر أبنائه الكثر من الوزراء اللبنانيين. ومثلما حضر ممثل “شبكة حقاني” الذي صدرت بحقه عقوبات دولية في حكومة كابول ونعني هنا سراج الدين حقاني، فإن لرياض سلامة الملاحق من أكثر من دولة مُمثِلَين في حكومة بيروت.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :