لماذا تدفع روسيا بـ”المساعدات عبر الخطوط” في سوريا؟

  • 2021/09/05
  • 9:37 ص

برنامج الأغذية العالمي يجهز شاحنات لإيصال المساعدات عبر الخطوط إلى شمال غربي سوريا - 30 من آب 2021 (تويتر)

عنب بلدي – ديانا رحيمة

بعد دخول الدفعتين الأوليين من المساعدات الإنسانية إلى الشمال السوري “عبر خطوط التماس”، من مناطق سيطرة النظام السوري، تحاول روسيا إثبات قدرة النظام على تمرير المساعدات إلى المناطق الخارجة عن سيطرته دون أي عوائق تمنعه من ذلك، لتحقيق غايات اقتصادية وسياسية تعود به إلى المجتمع الدولي وترفع العقوبات الاقتصادية عنه.

لأول مرة دخلت دفعتا مساعدات تقدران بـ15 شاحنة، نهاية آب الماضي، إلى محافظة إدلب شمال غربي سوريا، التي تسيطر عليها المعارضة السورية، عبر قرية ميرناز غربي حلب إلى قرية معارة النعسان بريف إدلب الشرقي.

وأوضحت حكومة “الإنقاذ السورية” في بيان لهان أن الحصص المنقولة من مستودعات “برنامج الأغذية العالمي” (WFP) هي حصة “إضافية تعادل 5% من الحصص التي تدخل من معبر (باب الهوى)”.

ما القضية؟

في تموز 2014، صدر قرار مجلس الأمن رقم “2165”، الذي نص على أن “وكالات الأمم المتحدة وشركاءها المنفذين على الأرض، يؤذن لهم باستخدام الطرق عبر خطوط النزاع والمعابر الحدودية باب السلامة وباب الهوى (تركيا) واليعربية (العراق) والرمثا (الأردن)، إضافة إلى المعابر التي يستخدمونها بالفعل، من أجل ضمان وصول المساعدات الإنسانية”.

وعملت روسيا خلال السنوات الماضية على إغلاق المعابر الحدودية الثلاثة، من خلال “الفيتو” الروسي الذي تصدر الاجتماعات التي أُقيمت في مجلس الأمن بقضية إيصال المساعدات عبر المعابر الحدودية.

وفي أحدث تمديد للقرار، في تموز الماضي، أبقى مجلس الأمن على تمديد إيصال المساعدات عبر معبر “باب الهوى”، مع ضمان إيصال المساعدات الإنسانية عبر الخطوط الداخلية.

وبحسب القرار، مددت القرارات الواردة في الفقرتين “2” و”3″ من قرار مجلس الأمن “2165”  (2014) لمدة ستة أشهر، أي حتى 10 من كانون الثاني 2022، فقط لمعبر “باب الهوى”، مع تمديد ستة أشهر إضافية دون الحاجة إلى تصويت، أي حتى 10 من تموز 2022.

وسيصدر الأمين العام للأمم المتحدة التقرير الموضوعي مع التركيز بشكل خاص على الشفافية في العمليات، والتقدم المحرز في الوصول “عبر الخطوط” في تلبية الاحتياجات الإنسانية.

ويعني الوصول “عبر الخطوط” أن تدخل المساعدات من داخل سوريا (إلى جانب “باب الهوى” عبر الحدود)، وهو ما كانت تطالب به روسيا.

وكانت الخارجية الروسية أكدت في بيان لها، صدر في 30 من آب الماضي، وصول المساعدات القادمة من مناطق سيطرة النظام إلى الشمال السوري.

وقالت إن من المقرر إيصال 27 ألف سلة عبر النظام السوري، بحلول منتصف أيلول الحالي، لمساعدة 50 ألف مدني.

وطالبت بوضع “آلية موثوقة” لتوزيع المساعدات لـ”منع وقوعها في أيدي إرهابيي تنظيم (هيئة تحرير الشام) الذين يسيطرون في منطقة خفض التصعيد”، بحسب بيان الخارجية الروسية.

تقويض “قيصر”

مصلحة الروس في تشجيع فكرة عبور المساعدات عبر الخطوط الداخلية بالتنسيق مع النظام، يجعل الأطراف الأخرى تضطر للتعامل مع النظام وتوسع فكرة اعتماد توزيع المساعدات عبر مناطق سيطرته، وليس فقط عبر المعابر الحدودية الخارجة عن سيطرته والمحددة من قبل الأمم المتحدة، بحسب ما قاله الصحفي والخبير في الشأن الروسي رائد جبر، في حديث إلى عنب بلدي.

واعتبر رائد جبر أن مصلحة روسيا انطلقت من فكرة تخفيف الوضع الإنساني في سوريا، لتعزيز التعاون مع النظام وتشجيع الأطراف على التعامل معه، والحصول على استثناءات من قانون “قيصر” تحت ضغط الوضع الإنساني.

وتعمل دول أخرى للحصول على استثناءات من قانون “قيصر”، كالأردن في المبادرة التي طرحها الملك عبد الله الثاني مع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بشأن مرور الغاز عبر سوريا إلى لبنان.

وفي الأشهر الماضية، عززت دول الخليج العربية، ولا سيما الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمملكة العربية السعودية، انخراطها بنشاطات مع حكومة النظام السوري، بدرجات متفاوتة.

ولطالما ارتبطت قدرة دول الخليج العربية على تعزيز علاقاتها مع النظام، بسياسة إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، تجاه سوريا وعقوبات قانون “قيصر”، وعليه ضغط كل من الأردن والإمارات العربية المتحدة على أعلى المستويات في واشنطن لمصلحة الإعفاءات من العقوبات لدعم توسيع نطاق وصولهما إلى سوريا.

وبحسب جبر، فإن المحطة الثانية بالنسبة لروسيا، بعد إدخال المساعدات عن طريق النظام، هي تقليص قدرة قانون “قيصر”، باستثمار إدارة إدخال المساعدات.

النظام يلتزم حتى يصل إلى مبتغاه

الطبيب السوري محمد كتوب، والناشط في المجال الإنساني والعامل السابق في مجال المساعدات والمناصرة، أوضح لعنب بلدي أن روسيا على تعمل على نقل النقاش إلى مرحلة ثانية وهي إيجاد حلول بديلة وإدارة العملية الإنسانية من قبل النظام عبر الحدود الداخلية من دمشق كاملة، الأمر الذي سيعطي النظام مزيدًا من التدخل في العملية الإنسانية.

ويتوقع كتوب أن يزداد وصول المساعدات الإنسانية عبر مناطق النظام في الفترة المقبلة، ولكن بمجرد توقف إدخال المساعدات بعد انتهاء قرار التفويض الأممي سيكون هنالك الكثير من العراقيل في إدخالها.

وبحسب كتوب، فإن روسيا تعمل على وضع أدوات أكثر للنقاش لتتمكن من فرض قرارها بإمكانية تنفيذ عمليات عبر الخطوط الداخلية وليس عبر الحدود، وتقديم الدليل على ذلك بالنموذج الذي يجري حاليًا.

ويبدو أن هنالك وكالات أممية تؤيد هذه الخطة كبرنامج الغذاء العالمي، الذي كان هدفه إدخال السلال الغذائية بأي طريقة كانت، بغض النظر عن الشريحة المستهدفة في ذلك.

وسبق أن حاولت روسيا في أكثر من مرة وقف مد المساعدات عبر المعابر الحدودية، وحصرها بالمرور من دمشق، وهو ما قوبل بممانعة غربية.

ويعد نص قرار تمديد دخول المساعدات عبر “باب الهوى” تمهيدًا لمرحلة أخرى، قد تشهد تطبيقًا لمقولة روسيا إنه ما من داعٍ للمعابر الحدودية لإدخال المساعدات، وهو لمدة سنة مجزأة على فترتي ستة أشهر، وفي نهاية العام سيقدم الأمين العام للأمم المتحدة إحاطة لمجلس الأمن بالتطورات، ومن ضمن الأمور التي سيقدمها الأمين العام التطور في إيصال المساعدات عبر خطوط التماس.

الحل بالخروج عن تنفيذ قرار مجلس الأمن؟

يرى كتوب أن من الممكن أن يضع العاملون في الشأن الإنساني مقاربة أخرى، تدحض المقاربة الروسية، وتقول إن من المفترض استمرار مرور المساعدات عبر الحدود واستمرار دخول المساعدات من دون الرجوع إلى قرار مجلس الأمن.

تحاول روسيا عرقلة إدخال المساعدات عبر الحدود، ولكن إذا قررت الوكالات أن تخرج عن تنفيذ قرار مجلس الأمن، سيشكل ذلك ضغطًا سياسيًا عليها.

وبحسب كتوب، توجد إمكانية قانونية لتنفيذ العمليات دون الرجوع إلى قرار مجلس الأمن، ولكن يجب أن يتم التحضير لذلك من حيث كيفية تنفيذه عملياتيًا والجهات المسؤولة عنه وتحديد دور المانحين ووكالات الأمم المتحدة فيه، لتوضع على الطاولة ويتم تجريبها، كي لا نصل بعد ستة أشهر إلى سيناريو يضعنا أمام “فيتو” روسي يمنع وصول المساعدات عبر الحدود، ويحصرها عبر خطوط التماس، ويقطعها فور تحقيق غايته.

مكاسب النظام.. أمنية اقتصادية

في حديث إلى عنب بلدي، أوضح الدكتور السوري في الاقتصاد والباحث في معهد “الشرق الأوسط” بواشنطن كرم شعار، أن النظام يعمل على زيادة نسبة الموافقة على المساعدات العابرة للخطوط، بحيث تستطيع روسيا أن تقول خلال التصويت المقبل، إن المساعدات التي تدخل عبر الخطوط هي قادمة فعلًا من مناطق النظام، دون أي عوائق لمكاسب أمنية واقتصادية.

وبحسب شعار، فإن أغلبية المساعدات التي تصل إلى سوريا هي من الدول الغربية، وتدخل عبر الأمم المتحدة، ويذهب بحدود 20% منها إلى مناطق شمال غربي سوريا فقط، وبسيطرة النظام على هذا القطاع يحقق مكسبًا أمنيًا، بتحديده الجهة التي ستصل إليها المساعدات.

وبحسب تقرير الأمم المتحدة الصادر في حزيران الماضي، فإن بعثات الأمم المتحدة التي تستلزم الحصول على موافقة أمنية من قبل وزارة الخارجية التابعة للنظام لزيارة مناطق سيطرة المعارضة من دمشق، قدمت 185 طلبًا جديدًا، وافق النظام على 93 منها، أي 50% فقط.

بينما يستفيد النظام اقتصاديًا في حال سيطرته على المساعدات من فارق سعر الصرف، إذ يريد أن يشترى جزء من المساعدات القادمة إلى شمال غربي سوريا داخل مناطق سيطرة النظام ويباع لشمال غربي سوريا، بدلًا عن تركيا.

ويفرض النظام على منظمات الأمم المتحدة سعر الصرف التفضيلي الذي يصل إلى 2500 ليرة سورية، بينما يصل سعر الصرف إلى 3500 تقريبًا.

كما سيستفيد النظام بدعم المؤسسات المنتجة والخدمية في مناطق سيطرته، لأنها ستعمل أكثر لإيصال أكبر كمّ من المساعدات إلى مناطق المعارضة.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا