حلب – صابر الحلبي
رفضت أمينة (45 عامًا) إجراء عملية إزالة المرارة في مستشفى “الجامعة” بمدينة حلب، على الرغم من خضوعها لجميع الفحوصات الطبية والتحاليل، “خوفًا من إفشال الخريجين الجدد العملية الجراحية”.
وعلّلت السيدة خوفها بسماعها أنباء حول وفاة أحد المرضى في أثناء عملية استئصال كتلة بجانب الكبد في المستشفى، بعد إصابته بنزيف حاد خلال العملية.
تخاف أمينة من إجراء العملية في المستشفى، حيث يعمل أطباء تخرجوا حديثًا، مع نقص الأطباء والممرضين الاختصاصيين، جراء سفر معظمهم هربًا من القتل والتهجير، ومخافة اعتقالهم، على خلفية مساعدتهم جرحى مقاتلي فصائل المعارضة خلال وجودهم في مدينة حلب خلال السنوات الماضية.
ولم تكن الحرب العامل الرئيس في نقص الأطباء، فقد أدى انتشار فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) إلى نقص في الكوادر الطبية، بسبب عدم جاهزية البلاد لاحتواء الفيروس بما يتعلق بالمعدات الطبية والعاملين في القطاع الصحي.
“إهمال متعمد” للمرضى
قالت أمينة، وهي ربة منزل، لعنب بلدي، إن “معظم الناس يبحثون عن طبيب اختصاص ماهر”.
وقلّ ما يجد المرضى أطباء مختصين في هذا الوقت، بحسب السيدة، ودائمًا هناك حديث عن فشل العمليات الجراحية، ووجود حاجة لإجرائها مرة ثانية، أو تحويل المرضى إلى مستشفيات أخرى.
وتحدثت عن وجود “إهمال متعمد” للمرضى في مستشفى “الجامعة”، مع حاجة المريض إلى الانتظار طويلًا في ظل غياب “الواسطة” لإجراء عملية جراحية، وغياب المجانية، وعدم نفع المبالغ الرمزية كأجور للعمليات.
الخريجون مكان الاختصاصيين
لا يتم الإعلان عن العمليات الجراحية “الفاشلة” التي تجرى في مستشفيات مدينة حلب، خصوصًا “الجامعة” و”الرازي” و”ابن رشد”، حيث يكون الاعتماد على الخريجين الجدد لإجراء العمليات الجراحية، التي يعتبرها بعضهم “معقدة” مع فقدهم الخبرة العملية في بداية مشوارهم المهني، وعدم إجرائهم عمليات سابقًا.
ويبدي الأطباء الجدد تخوفهم خلال إجراء العمليات الجراحية، بحسب ما قاله ممرض في مستشفى “الجامعة” (طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية) لعنب بلدي.
“دائمًا يكون هناك تردد قبل إجراء العمليات أو يغيب الأطباء الجدد، وأحيانًا ينسحب الطبيب الذي يجري العملية أو يُصاب بالدوار والإعياء الشديد، ما يسبب نقله إلى غرفة الاستراحة”، بحسب ما أضافه الممرض.
“ويدفع ذلك طبيبًا آخر تخرج حديثًا أيضًا لإكمال العملية الجراحية، التي غالبًا ما يكون الطبيب الذي بدأ بها قد تسبب بأخطاء خلال إصابته بالدوار أو الإعياء”، بحسب الممرض، مضيفًا أن حدوث الأخطاء قد يكون ناجمًا عن كون العملية هي الأولى للطبيب المتخرج حديثًا.
خيارات أخرى أمام المرضى
غياب ثقة المرضى في حلب بالأطباء الجدد دفعهم لإيجاد بدائل أخرى للطبابة، كإجراء العمليات الجراحية خارج الأراضي السورية.
ويسعى حسان، من سكان مدينة حلب، لاستكمال أوراق زوجته لإرسالها إلى الأردن أو تركيا من أجل إجراء عمليات جراحية في قدميها، بسبب تلف في الأعصاب الوريدية، وعدم قدرتها على المشي.
خضعت الزوجة لعمليتين جراحيتين في مستشفى “الرازي”، وكان وضعها الصحي “مقبولًا” في البداية، بحسب ما قاله الشاب لعنب بلدي، لكن نزيفًا داخليًا حدث بسبب عدم ربط الأوردة، وكان الضماد غير جيد، وعند مراجعة المستشفى تذرعوا بعدم وجود طبيب تضميد وبأن سبب النزف هو تعرض مكان الجرح للماء.
وتحدث حسان عن وجود أعذار أخرى يقدمها المستشفى عقب فشل العمليات، أو إصابة المريض بنزيف، لكن السبب الرئيس، حسب اعتقاده، يعود لإجراء العملية من قبل خريجين جدد أو أطباء متدربين يحضرون العمليات الجراحية.
يفرّون من الاعتقال
تسببت هجرة الأطباء والممرضين الاختصاصيين بحالة استياء وغضب لدى مدنيين حمّلوا النظام والأفرع الأمنية مسؤولية هروبهم، بسبب المضايقات المستمرة، خصوصًا أن بعض الأطباء تعرض للاختطاف على يد عناصر الأفرع الأمنية الذين طلبوا مبالغ للإفراج عنهم.
طبيب عامل في مدينة حلب (تحفظت عنب بلدي على ذكر اسمه لسلامته الأمنية)، ترك المدينة وتوجه للعمل في حمص، لكنه تعرض لمضايقات من عناصر الأفرع الأمنية بسبب تشابه في الأسماء، وعاد إلى حلب ليتعرض للاعتقال من جديد، وخرج مقابل دفع مبلغ 25 مليون ليرة سورية.
وقال الطبيب لعنب بلدي، إنه يفضل الخروج من سوريا على البقاء والتعرض للاعتقال أو الابتزاز من قبل الأفرع الأمنية.
ويعاني الأطباء في سوريا من نقص المستلزمات الطبية وانخفاض في الأجور في ظل الأوضاع التي تعيشها البلاد، عدا عن استهداف مباشر للكوادر الطبية في مختلف المناطق السورية.