زينب مصري | حسام المحمود | علي درويش
مباحثات مشتركة، زيارات دولية، وفود رسمية، وخمسة أطراف في مشروع لتمديد خط غاز من مصر يُنتج الكهرباء في الأردن، لتمر عبر الأراضي السورية وصولًا إلى لبنان كحل لأزمة الغاز والكهرباء فيه.
تدور المفاوضات بشأن المشروع الذي لم يرَ النور بعد، بين واشنطن كمتحكم في قانون “قيصر” الذي يفرض عقوبات على المتعاملين اقتصاديًا مع النظام السوري، ومصر كجهة مصدّرة للغاز، والأردن حيث سيُعالَج ويُنقَل، ولبنان كطرف يحتاج إلى الطاقة، وسوريا كممر لهذا المشروع.
ولا يزال إقرار المشروع رهن الموافقة الأمريكية الرسمية القائمة على مفاوضات مع البنك الدولي لتمويله، بعد أنباء عن إبلاغ سفيرة الولايات المتحدة في لبنان، دوروثي شيا، الرئيس اللبناني، ميشال عون، بقرار إدارة بلادها تسهيل نقل الغاز المصري عبر الأردن وسوريا وصولًا إلى شمالي لبنان.
في هذا الملف، تناقش عنب بلدي احتمالية سماح واشنطن بوصول الكهرباء الأردنية المنتَجة من الغاز المصري إلى لبنان عن طريق سوريا، والفائدة التي ستجنيها هذه الدول من اكتمال هذا المشروع.
مشروع لبناني لنقل الغاز عبر سوريا.. بعد آخر عراقي
أعادت تصريحات رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق، سعد الحريري، خلال لقاء تلفزيوني، في 15 من تموز الماضي، سوريا إلى الواجهة الإقليمية من بوابة اقتصادية هذه المرة.
وأعلن الحريري خلال لقائه عبر قناة “الجديد” اللبنانية، بعد يوم واحد فقط من اعتذاره عن عدم تشكيل الحكومة اللبنانية المنتظرة، أن الغرض من زيارته الأخيرة إلى مصر، في 14 من تموز الماضي، والتي التقى خلالها بالرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ووزير الخارجية، سامح شكري، تزويد لبنان بالغاز المصري الذي يفترَض أن يتخذ من سوريا طريق عبور نحو لبنان.
وكشف الحريري حينها عن تواصله مع القيادة الأردنية لإقناع الولايات المتحدة بالموافقة على مرور الغاز المصري عبر الأردن وسوريا إلى لبنان، مشيرًا في الوقت نفسه إلى حصول بلاده على الكهرباء من سوريا حين كان رئيسًا للحكومة.
لكن رئيس الحكومة المعتذر لم يوضح حينها ما إذا كان هناك اتفاق مع الجانب السوري حيال ملف الغاز، قبل التوجه إلى وساطة أردنية في سبيل قبول أمريكي.
وتتركز مساعي القاهرة وعمان لتزويد بيروت بالغاز على طلب الولايات المتحدة عدم مشاركة الحكومة اللبنانية في أي اتفاق مباشر مع حكومة النظام السوري، وفق ما نشرته صحيفة “الأخبار” اللبنانية، في 19 من تموز الماضي.
وتقضي المطالب الأمريكية بتولي الأردن المفاوضات مع النظام السوري، للاتفاق على بدل نقل الغاز إلى لبنان، عبر الأراضي التي يسيطر عليها، إذ ترى الولايات المتحدة أن أطرافًا لبنانية تريد استثناءات في قانون “قيصر” لأهداف أخرى، كما أن واشنطن لا ترغب بتواصل مباشر بين دمشق وبيروت، بحسب “الأخبار”.
و”قيصر” قانون عقوبات أمريكي تفرض بموجبه واشنطن عقوبات على مسؤولين منتمين إلى النظام وداعمين له، وتحظر دعم النظام أو التعاون معه اقتصاديًا، منذ 16 من حزيران 2020.
ولا يعتبر حديث الحريري عن ملف الغاز الأول من نوعه بهذا الشأن، رغم تصاعد الصدى الاقتصادي الذي تبعه في ظل تأكيد أكثر من دولة اتخاذ الطريق السوري ممرًا للغاز المصري.
وفي 29 من نيسان الماضي، زار وزير النفط السوري، بسام طعمة، العاصمة العراقية بغداد، وجرى الحديث مع نظيره العراقي، إحسان عبد الجبار، عن اتفاق وشيك لاستيراد الغاز المصري إلى سوريا، عبر بلاده، وفق ما نقلته حينها وكالة الأنباء العراقية (واع).
الزيارة التي حملت في طياتها حديثًا عن مصالح مشاركة ورؤى مستقبلية لم تقدم جديدًا على الأرض للبلدين، فرغم تصدّر ملف الغاز مباحثات الجانبين، السوري والعراقي، نفت وزارة النفط العراقية في اليوم نفسه وجود اتفاق حول استيراد الغاز إلى أراضيها مرورًا بسوريا، موضحة أنها “مجرد مباحثات”، وذلك بعد حديثها عن “اتفاق وشيك” بين البلدين، وفق ما نقلته “واع“.
وبعد الغاز المصري، أعلن وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، غازي وزني، في 13 من آب الماضي، موافقته على استجرار الكهرباء من سوريا عقب عرض سوري “بأسعار مقبولة”، بعد أسبوعين من زيارة وفد سوري إلى لبنان، برئاسة وزير الطاقة السوري، لتقديم عرض يتيح إمكانية أن تبلغ التغذية 350 ميغا واط، وفق ما قاله الوزير اللبناني عبر “تويتر“.
وفي 29 من الشهر نفسه، أكد وزير الكهرباء في حكومة النظام السوري، غسان الزامل، أن السماح باستجرار الكهرباء إلى لبنان عبر سوريا ومدى تأثيره على واقع التيار في البلاد يحتاج إلى قرار سياسي.
وقال الزامل لصحيفة “الوطن” المحلية، “لا أمريكا ولا أي بلد يفرض على سوريا ما تريد فعله، ونرى ما الأنسب وما يحقق مصلحة الوطن وبناء عليه نتصرف”، مشيرًا إلى أن العمل يكون وفق “المصلحة السورية العليا”.
ويأتي ذلك في ظل معاناة مناطق سيطرة النظام من أزمة حادة في المحروقات تُرجمت على الأرض من خلال رفع وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أسعار المحروقات، في 15 من آذار الماضي، للمرة الثانية خلال العام الحالي.
كما تعيش مناطق سيطرة النظام انقطاعًا طويلًا في التيار الكهربائي، أنتج ساعات طويلة من التقنين يوميًا في مختلف المناطق، أخذت بالتيار الكهربائي بعيدًا عن متناول السوريين.
نشاط سياسي يوازي الاقتصادي
حرّك ملف الغاز المصري عبر سوريا عجلة الركود السياسي، ودفع للعديد من اللقاءات على مستوى قادة ومسؤولي الدول المعنية بمرور الغاز عبر سوريا والأردن نحو لبنان.
وفي 19 من تموز الماضي، بعد أربعة أيام فقط من حديث الحريري عن وساطة أردنية لدى واشنطن في ملف الغاز، التقى الملك الأردني، عبد الله الثاني، بالرئيس الأمريكي، جو بايدن، في البيت الأبيض، لمناقشة العديد من القضايا التي كانت سوريا حاضرة بينها.
ولم تتطرق التصريحات الدبلوماسية العلنية لقادة البلدين إلى موضوع الغاز المصري الذي ينتظر عبوره من سوريا، لكن اتصالًا بين وزير الداخلية السوري، محمد الرحمون، ونظيره الأردني، مازن الفراية، بعد نحو أسبوع من زيارة الملك الأردني إلى واشنطن، هو الأول من نوعه منذ سنوات، فتح بوابة تعاون اقتصادي بين البلدين، وأسفر عن “التنسيق المشترك” لتسهيل عبور شاحنات الترانزيت وحافلات الركاب بين البلدين.
وتبعت الزيارة الأردنية إلى الولايات المتحدة زيارة أخرى إلى روسيا، في 24 من آب الماضي، التقى خلالها الملك عبد الله بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
ونوقشت خلال اللقاء العديد من القضايا، من بينها الآمال الروسية بتطبيع العلاقات مع النظام السوري، دون التطرق بشكل علني إلى مرور الغاز المصري من سوريا، رغم أهمية الدور الروسي وحضوره في القضايا الحساسة بالنسبة للنظام السوري.
وفي 27 من آب الماضي، تحدثت جريدة “الأخبار” اللبنانية عن زيارة مرتقبة لوفد لبناني إلى سوريا، مكوّن من نائبة رئيس الحكومة ووزيرة الخارجية بالوكالة، زينة عكر، ووزير الطاقة، ريمون غجر، ووزير المالية، غازي وزني، والمدير العام للأمن العام، اللواء عباس إبراهيم.
وستتضمن الزيارة، بحسب ما ذكرته الجريدة، بحثًا في الإجراءات المطلوبة لتفعيل اتفاقية استجرار الغاز المصري، بالإضافة إلى بحث سبل التعاون فيما يتعلق باستجرار الكهرباء من سوريا.
وفي 4 من أيلول الحالي، استقبل وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، الوفد اللبناني في مبنى وزارة الخارجية والمغتربين بدمشق، لبحث القضايا التي تهم الجانبين.
وكانت “المديرية العامة لرئاسة الجمهورية اللبنانية” أعلنت، في 19 من آب الماضي، أن الرئيس اللبناني، ميشال عون، تلقى اتصالًا هاتفيًا من السفيرة الأمريكية في بيروت، دوروثي شيا، أبلغته فيه قرار الإدارة الأمريكية بمساعدة لبنان لاستجرار الغاز المصري عبر سوريا.
وقالت السفيرة الأمريكية، إنه سيجري تسهيل نقل الغاز المصري عبر الأردن وسوريا وصولًا إلى شمالي لبنان، بحسب ما نشره حساب “المديرية العامة لرئاسة الجمهورية اللبنانية” عبر “تويتر”، مضيفة أن المفاوضات جارية مع البنك الدولي لتأمين تمويل ثمن الغاز المصري وإصلاح خطوط نقل الكهرباء وتقويتها والصيانة المطلوبة لأنابيب الغاز.
وذكرت “الأخبار”، في 27 من آب الماضي، أنه رغم إعلان السفيرة الأمريكية في بيروت نية إدارتها استثناء كل ما يتعلق باستجرار الغاز والكهرباء إلى لبنان من مفاعيل قانون “قيصر”، فإنه لم يتم حتى اليوم تثبيت هذا الاستثناء.
ويعيش لبنان أزمة كهرباء حادة أسفرت عن انقطاع شبه تام للتيار الكهربائي، منذ إغلاق المحطتين الرئيستين لتوليد الطاقة في البلاد، في 10 من تموز الماضي، بسبب نفاد الوقود المغذي لتشغيلهما.
ويحاول لبنان تلافي أزمة الوقود التي يعاني منها أيضًا عبر رفع متكرر لأسعار الوقود من قبل وزارة الطاقة والمياه اللبنانية، فيما يشبه رفع الدعم الجزئي عنها، وسط وعود من الأمين العام لـ”حزب الله” اللبناني، حسن نصر الله، بوصول شحنات من النفط الإيراني إلى لبنان، لإنقاذ حالة النقص الحاد التي تعيشها البلاد في هذا القطاع.
فوائد منتظرة من وصول الطاقة إلى لبنان عبر سوريا
يأتي التركيز على دور سوري في عملية نقل الغاز المصري بسبب مرور خط “الغاز العربي” القادم من مصر بسوريا، إذ يبدأ الخط من مدينة العريش في شمال سيناء المصرية، ويمر بالأراضي الفلسطينية المحتلة، والأردن، وسوريا، ثم لبنان.
ووسط الزيارات الرسمية والتصريحات لمسؤولين في الدول الفاعلة بهذا المشروع، قال وزير الكهرباء في حكومة النظام السوري، غسان الزامل، في تصريحات لصحيفة “الوطن” المحلية، في 29 من آب الماضي، إن السماح باستجرار الكهرباء إلى لبنان عبر سوريا ومدى تأثيره على واقع التيار في البلاد، يحتاج إلى قرار سياسي.
وأضاف، “لا أمريكا ولا أي بلد يفرض على سوريا ما تريد فعله، ونرى ما الأنسب وما يحقق مصلحة الوطن وبناء عليه نتصرف”، مشيرًا إلى أن العمل يكون وفق “المصلحة السورية العليا”.
وبحسب الزامل، فإن الخط الكهربائي الذي يربط سوريا بالأردن عن طريق محطة “دير علي” (المحطة الجنوبية) بحدود “نصيب”، شهد تدميرًا واضحًا، ودُمر 80 برجًا مع وجود ألغام تحت الخط الكهربائي، ما يعوق تأهيله حتى في حال التفكير باستجرار التيار أو إعادة خط الربط العربي.
وتلف الضبابية شروط النظام السوري لإتمام هذا المشروع عبر المناطق التي يسيطر عليها، لكن عضو مجلس الشعب محمد خير العكام قال في تصريحات لوكالة “سبوتنيك” الروسية، في 21 من آب الماضي، إن مسألة نقل الكهرباء من الأردن إلى لبنان عبر الشبكة السورية كانت موضوع نقاش خلال زيارة سابقة لوزيري النفط والكهرباء في حكومة النظام إلى الأردن.
وأوضح أن الأردن لديه فائض من الكهرباء ونقص في المياه، ومن الممكن أن يكون هناك تعاون سوري- أردني بأن يعطي النظام الأردن المياه، ويأخذ منه الكهرباء.
فوائد على كل الأصعدة
وزير الاقتصاد في “الحكومة السورية المؤقتة”، الدكتور عبد الحكيم المصري، قال في حديث إلى عنب بلدي، إن هذا المشروع إن تم يكون خرقًا لقانون حماية المدنيين “قيصر”، الذي يفرض حظرًا على إمداد الطاقة.
وسيستفيد النظام من كسر العقوبات، والحصول على الكهرباء مقابل منح الأردن المياه، وهذا ما سيخفف الحاجة إلى الكهرباء في مناطق سيطرة النظام التي تقدر بنحو 60- 70%، في حين يغطي حاليًا ما نسبته 30% من حاجة البلاد من الكهرباء.
كما سيستفيد النظام من تحسين البنى التحتية وأنابيب الغاز، إذ من المؤكد أن يحصل النظام على حاجته من الغاز، وهذا المشروع لن يمر من دون فائدة للسوريين على جميع الأصعدة الاقتصادية والسياسية.
والاعتماد على الكهرباء في التدفئة شتاء، في حال وصول الكهرباء، سيخفف من الضغط على الوقود وخاصة المازوت، الذي يعاني النظام من صعوبات في تأمينه، بحسب الوزير.
ولفت الوزير إلى أن محطة كهرباء “دير علي” التي تربط الشبكة الكهربائية بين سوريا ومصر والأردن، تعرضت لضرر كبير بسبب القصف والتفجيرات، والنظام لن يستطيع إصلاحها بذريعة عدم وجود الأموال، ما سيدفع الدول الداعمة للمشروع إلى إصلاحها.
وتكمن الفائدة لمصر بتصديرها للغاز الطبيعي، أما الأردن فسيأخذ نسبة مقابل مروره، وسيصدر فائض الكهرباء لديه ويحصل على قيمته.
وأما لبنان، فستعود الحياة له بعودة الكهرباء التي تعد “عصب الاقتصاد والصناعة والمؤسسات الخدمية”، وسيحسن وصول الكهرباء الواقع الاقتصادي المتردي.
الموافقة الروسية أولًا
حول الدور الروسي في هذا المشروع، أضاف المصري أن روسيا ستضع شروطًا كبيرة جدًا تتمحور حول تحسين البنى التحتية وأخذ حصة من النظام، على اعتبارها بلدًا “محتلًا” لسوريا.
وأشار الوزير إلى أن من مصلحة روسيا عودة الحياة إلى سوريا كونها مسؤولة عن النظام، دون أن تضع نفسها بمواجهة العقوبات، وهذا المشروع فرصة لها.
والنظام سيستفيد في حال مرور الغاز أو الكهرباء، فالغاز سيأتي من الأردن إلى حمص ومن بعدها إلى شمالي لبنان حيث توجد محطات توليد الكهرباء، وسيتم تحسين البنية التحتية للأنابيب على امتداد هذه المسافة، وبذلك تكون روسيا خففت هذه الأزمة.
وأوضح المصري أن هذا المشروع هو معاهدة دولية تستوجب موافقة مجلس الشعب السوري الذي لا يستطيع مخالفة قرارات قيادته التي تحتاج أولًا إلى موافقة روسية.
ويرى أن النظام لا يمانع المشروع على الإطلاق، وموافقته موجودة في الأساس لكنها مرتبطة بالمساومة على حصته، وكيفية تجاوز العقوبات مع الأردن واستجرار كهرباء إضافية غير الكهرباء التي ستصل عبر خط لبنان ومقايضتها بالماء، وإعفاء الأردن من العقوبات في حال تعامل مع النظام.
“قيصر” مستمر لمحاسبة “نظام الأسد”
رغم إعلان “المديرية العامة لرئاسة الجمهورية اللبنانية” عن مساعدة أمريكية للبنان، من أجل استجرار الغاز المصري عبر سوريا، بناء على ما أبلغت السفيرة الأمريكية في بيروت، دوروثي شيا، الرئيس اللبناني، في 19 من آب الماضي، لم تعلن واشنطن بشكل واضح آلية المساعدة.
كما لم تعلن ما إذا كانت ستستثني أطرافًا أو دولًا أو مؤسسات من قانون “قيصر”، في سبيل إتمام صفقة تمرير الغاز المصري عبر الأراضي السورية نحو لبنان، بعد أحاديث تدور عن أن تمرير الكهرباء الأردنية عبر سوريا إلى لبنان يعني استثناءات من قانون “قيصر” الذي يعاقب المتعاملين مع النظام السوري.
عنب بلدي تواصلت مع قسم الشؤون الخارجية في وزارة الخارجية الأمريكية، الذي قال ردًا على سؤال حول إمكانية اتخاذ ملف الغاز المصري وعبوره بالأراضي السورية بوابة لاعتراف أمريكي بالنظام السوري، إنه “ليس لدى الولايات المتحدة أي خطط لتحسين العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد”.
كما لم تقدم الخارجية الأمريكية تعليقات حول تفاصيل المحادثات الدبلوماسية في ما يتعلق بمرور الغاز المصري عبر سوريا، مؤكدة دعمها الجهود المبذولة لإيجاد حلول مبتكرة وشفافة ومستدامة تسهم في معالجة النقص الحاد بالطاقة والوقود في لبنان.
وحول ما إذا كانت هناك استثناءات مستقبلية من قانون “قيصر” المفروض على النظام السوري، شددت الخارجية الأمريكية على أهمية العقوبات باعتبارها أداة مهمة للضغط من أجل محاسبة “نظام الأسد”، وأكدت عزمها مواصلة استخدام هذه الأدوات.
وتحفظت الخارجية الأمريكية على التعليق حول وجود تراخيص أو جهات مستفيدة محتملة من التراخيص أو الإعفاءات، كما رفضت التعليق على وجود أو عدم وجود استثناءات.
وأوضح منسق لجنة قانون “قيصر” في “الائتلاف السوري”، عبد المجيد بركات، في حديث سابق إلى عنب بلدي، أن بنود قانون “قيصر” تنص بشكل واضح على فرض عقوبات على النظام والمتعاملين معه، سواء كانوا شخصيات أو كيانات أو حتى دولًا، وبالتالي فلا يوجد أي استثناءات متعلقة بمشاريع من هذا الشكل أو أي مشاريع لها صلة بإعادة الإعمار.
وبيّن أن الاستثناءات المتعلقة بالمساعدات الإنسانية والمواد الغذائية والأمور الطبية، هي واضحة في قانون “قيصر”، وعدا ذلك فهي تعتبر نشاطات اقتصادية تسهم في دعم النظام اقتصاديًا واستمراره دون أن يكون هنالك تغيير على المستوى السياسي والعسكري والأداء الأمني للنظام.
وتحدث بركات عن آلية تعاطٍ جديدة مع مفهوم العقوبات ومراجعة لتأثيرها منذ بداية تسلّم “الديمقراطيين” للحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ كانت الغاية من القانون منع النظام من القيام باتفاقيات دولية مع شخصيات أو دول، من أجل أن تكون العقوبات مؤثرة وتؤدي إلى تغيير سلوكيات النظام على كل المستويات.
وأشار إلى أن أبعاد المشروع على المستوى السياسي والاقتصادي ستنعكس على النظام، لأنه سيستثمره في إعادة تعويم وتسويق نفسه على أنه قادر على تنفيذ اتفاقيات إقليمية ودولية ذات بعد اقتصادي، وأنه قادر على تجيير هذا الأمر سياسيًا.
ثلاثة مشاريع لخطوط الغاز عبر الأراضي السورية
عادت الأراضي السورية إلى صدارة مشاريع خطوط الغاز الطبيعي، مع اقتراح مشروع توفير الكهرباء للبنان عبر الغاز المصري، الذي من المفترض أن يمر من سوريا، سواء كان المشروع سيمد لبنان بالغاز وينتج الكهرباء ضمن أراضيه، أو أن إنتاج الكهرباء سيتم في الأردن ومنه يصل إلى لبنان عبر سوريا.
وطرح المشروع تساؤلات حول إمكانية تنفيذه مع وجود مشاريع سابقة منها ما نفذ ثم توقف نتيجة الأوضاع العسكرية الميدانية، وأخرى جرى التوقيع عليها إلا أنها لم تدخل حيز التنفيذ في سوريا، ومشروع ثالث لم يُكتب له حتى فرصة التوقيع، علمًا أن للمشاريع الثلاثة تأثيرًا على تحكم روسيا بقطاع إيصال الغاز إلى أوروبا واحتكاره.
إذ يتميز موقع سوريا الجغرافي بكونه طريقًا لعبور خطوط تصدير الغاز إلى القارة الأوروبية من دول مصر وإيران وقطر، وصولًا إلى خط أنابيب “نابوكو” الأذربيجاني المار من تركيا.
ويبقى مشروع توفير الكهرباء في لبنان عبر الغاز المصري من الناحية العملية في حال اعتماد سوريا بلد عبور أمام عدة احتمالات، تتأثر جميعها بالأوضاع السياسية، أي بالعلاقات مع الدول والعقوبات المفروضة على النظام السوري، والعسكرية الميدانية، والاقتصادية، وفيما يلي مصير المشاريع السابقة التي كان من المقرر مرورها عبر سوريا:
خط “الغاز العربي”.. نجاح ثم تعطيل
يعتبر خط “الغاز العربي” من أهم المشاريع الاقتصادية في منطقة شرق المتوسط، ويهدف إلى تصدير الغاز المصري إلى دول المشرق العربي ومنها إلى أوروبا.
وجرى الاتفاق على إنشائه عام 2000، وبدأ المشروع في 2003، ويصل طوله عند إتمامه إلى 1200 كيلومتر، بتكلفة قدرها مليار و200 مليون دولار، لنقل أكثر من عشرة مليارات متر مكعب من الغاز سنويًا.
يمر الخط من مصر وإسرائيل والأردن ولبنان وسوريا وينتهي في تركيا، ليكون أول مشروع إقليمي يمر بثلاث قارات (إفريقيا، آسيا، أوروبا).
ومن المقرر تنفيذ المشروع على أربع مراحل، تبدأ من مصر مرورًا بالأردن وصولًا إلى سوريا، لينقل الغاز بعدها إلى تركيا ثم إلى القارة الأوروبية، إلا أن القسم بين سوريا وتركيا لم يكتمل نتيجة اندلاع الثورة السورية عام 2011.
وتعرض الخط منذ كانون الأول 2011 لاستهداف في مصر، كما تعرض في سوريا لعدة تفجيرات تسببت بانقطاع الكهرباء لعدة ساعات قبل إصلاحه، فالخط يمر من عدة محطات حرارية لتوليد الكهرباء في سوريا هي: “دير علي” بالقرب من دمشق، و”تشرين” في اللاذقية، إضافة إلى مروره بشركة “الريان” لضغط الغاز في حمص.
وقال الباحث الاقتصادي في مركز “جسور للدراسات” عبر مقطع مصوّر نشره المركز، إن الخط غير جاهز لإتمام عمليات الإمداد في الوقت الراهن، فهو يحتاج إلى مزيد من الصيانة واستكمال في حال أراد مخططوه أن يوصلوه إلى أبعد من الأراضي السورية.
مشروع الخط “الإسلامي” (الصداقة أو الفارسي)
بدأت مفاوضات خط “الصداقة” الذي يبدأ من الأراضي الإيرانية مرورًا بالدول الحليفة، العراق وسوريا ولبنان، وصولًا إلى أوروبا، في تموز 2010، ووقّعت الدول، في تموز 2012، مذكرة تفاهم لبناء الأنبوب خلال فترة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات.
يتوقع أن يبلغ طول الخط 2000 كيلومتر يبدأ من ميناء “عسلوية” جنوبي إيران وصولًا إلى الحدود العراقية، ليضخ الغاز إلى العراق عن طريق خطين فرعيين، خط “عيلام” الذي سيغذي بغداد والمنصورية والصدر، وخط “خرمشهر” الذي سيغذي البصرة.
ويدخل إلى الأراضي السورية ليغذي دمشق بطاقة 25- 30 مليون متر مكعب يوميًا، عبر خط يبلغ طوله بين 600 و700 كيلومتر، وينتهي في الجنوب اللبناني للتصدير.
تبلغ طاقة ضخ الخط “الإسلامي” الكلية ما يقارب 110 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا، و40 مليار متر مكعب سنويًا، ومن المحتمل أن تعود صادرات الغاز من هذا الخط على الخزانة الإيرانية بين ثلاثة وسبعة مليارات دولار سنويًا.
وعلى الرغم من مد إيران العراق بالغاز وتحكمها بقطاع الكهرباء، فإن المشروع لم يُكتب له النجاح حتى اليوم، نتيجة المعارك في سوريا والعراق، كما واجه المشروع رفضًا أمريكيًا لأنه ينتهك العقوبات على إيران، كما أن تكلفة المشروعين الكبيرة حالت دون نجاحه فاقتصاد جميع البلدان المشاركة منهك.
خط الغاز “القطري”.. مخطط على الورق فقط
بدأ الحديث عن هذا الخط خلال المحادثات التركية- القطرية عامي 2009 و2010، ويكون بمد خط أنابيب من قطر مرورًا بالسعودية والأردن وسوريا وصولًا إلى تركيا.
وبقي المشروع على الورق فقط، علمًا أن قطر لم تستطع تصدير غازها بريًا إلى جيرانها في البحرين والكويت نتيجة المعارضة السعودية.