الرقة – حسام العمر
“لم تستطع (الإدارة الذاتية) وضع قانون منصف”، هكذا يرى جلال الخالد (40 عامًا) الوضع الحالي الذي تمر به الأملاك العامة في المناطق التي تحكمها “الإدارة”، ومنها مدينة الرقة شمالي سوريا.
جلال من سكان قرى الحمرات بريف الرقة الشرقي، قال إن المنازعات على مرجعية الأملاك العامة، وأحقية بعض العائلات والعشائر باستثمارها وزراعتها، تعود لسوء تخطيط القانونيين، الذين يعملون على صياغة القوانين في المناطق التي تسيطر عليها “الإدارة الذاتية” لشمالي وشرقي سوريا.
“جدي زرعها فهي لي”
الموظف السابق الذي كان يعمل في السجلات العقارية لدى النظام السوري قبل العام 2011، تحدث لعنب بلدي عن تأجير مديرية الزراعة في الرقة التابعة للنظام سابقًا نفس المساحات للسكان المحليين بغرض استثمارها ضمن عقود رسمية.
ورغم مرور عدة سنوات على السيطرة الفعلية لـ”الإدارة الذاتية” على الرقة، لا تزال مناطق في ريفها تشهد توترات، تتطور أحيانًا إلى صدامات مباشرة بين العشائر على استثمار أراضي الأملاك العامة.
يقول جلال، إن السكان يتّبعون عادة تقوم على أن زراعة الجد لمساحة زراعية، تعطي الحفيد أو الابن أحقية استثمارها اليوم حتى بعد مرور 100 عام على حراثة الجد لهذه الأرض.
ويرى جلال أن ترك الأمور على ما هي عليه، وعدم وجود قانون يبيّن أهلية حيازة الأرض أو استثمارها، قد يولد احتقانًا دائمًا بين أبناء تلك العشائر.
الحل في تمكين القضاء
يرى الحقوقي محمد أيوب في حديث إلى عنب بلدي، أن حماية الأملاك العامة تكون في تمكين القضاء واستقلاليته في إصدار قرارات وأحكام تزيل جميع المخالفات، وتلغي الأوضاع التي نتجت عن الفوضى الإدارية التي شهدتها الرقة خلال السنوات الماضية.
وأشار الحقوقي إلى أن ضعف الوعي العام لدى السكان، واعتبار بعضهم أن حيازة الأملاك العامة “غنيمة”، يرجع إلى ضعف الشعور بالمسؤولية، يضاف إليه شعور عام لدى السكان بالظلم الاجتماعي بعد سنوات من الحرب تعيشها سوريا.
وفي 12 نيسان الماضي، أصدرت “لجنة الزراعة والري” في “مجلس الرقة المدني” قرارًا بنزع ملكية جميع الأطراف عن الأراضي والأملاك العامة التي يحدث عليها خلاف بين السكان وإعادتها للملكية العامة.
واعتبر القرار أن “لجنة الزراعة والري” في الرقة هي من يحق لها استثمار تلك الأملاك وفق المصلحة العامة.
وقال رئيس مكتب الأملاك العامة في “لجنة الزراعة والري”، بسام الحمد، في تصريح لوكالة “نورث برس” المحلية، إن القرار صدر بعد حدوث عدة منازعات وقضايا خلاف على الأملاك العامة بين السكان، ما استوجب نزع يد جميع الأطراف وإعادتها للملكية العامة.
وبداية العام الحالي، أصدر المجلس التشريعي في الرقة قرارًا منع بموجبه تملّك أو شراء أو بيع الأملاك العامة بعد 4 من آذار 2013.
“لا ضرر ولا ضرار”
عبد السميع العليان (40 عامًا)، يرى أنه لا ضرر في استثمار أراضي الأملاك العامة، التي يمكن زراعتها، ويفضّل عدم تركها أرضًا قاحلة، وذلك على مبدأ “لا ضرر ولا ضرار”.
ولم ينكر عبد السميع وجود بعض “ضعاف النفوس والطامعين” في حيازة الأملاك العامة بما يفوق قدرتهم على استثمارها، وطالب “الجهات المسؤولة” بالسماح باستثمارها وفق خطط مدروسة وواضحة.
ويعمل “مكتب الأملاك العامة” في “لجنة الزراعة” التابعة لـ”مجلس الرقة المدني” على “تحقيق المصلحة العامة”، حول الاستفادة المثلى من الأملاك العامة في مدينة الرقة وريفها من أراضٍ زراعية أو أراضي البادية المخصصة للرعي، والحفاظ عليها من “المستحوذين بطرق غير قانونية”.
كما يؤجر الأراضي الزراعية العامة للفلاحين بغرض زراعتها والاستفادة منها، بحسب ما نقلته وكالة “هاوار” للأنباء، في 28 من كانون الأول 2020.
وذكرت الوكالة أن المكتب يُنظّم جولات ميدانية بالتنسيق مع “مجالس الشعب” والبلديات في الأرياف للحفاظ على الأملاك العامة ومنع التعدي عليها وإصدار التعاميم الخاصة بذلك، واتخاذ التدابير القانونية بحق المخالفين أصولًا وحسب القوانين النافذة.
وقالت إن المكتب أجّر خلال عام 2019 نحو 25 ألف دونم من الأراضي، ووقّع 417 عقدًا مع المستفيدين، بقيمة إجمالية 18 مليونًا و600 ألف ليرة سورية.
ورغم ذلك، منع “المجلس التشريعي”، التابع لـ”الإدارة الذاتية”، “منعًا باتًا” البناء (التشييد أو التشجير أو التسوير) على أراضي أملاك الدولة، وتملّك أو بيع أو شراء الأملاك العامة (عقود الإيجار، وضع اليد) بعد تاريخ 4 من آذار 2013، “حفاظًا على الأملاك العامة”.
كما منع جميع المكاتب العقارية من بيع أو شراء أو أي وساطة عقارية تقع على أراضي الأملاك العامة، الزراعية وغير الزراعية، تحت طائلة المساءلة القانونية، واعتبر أن أي إجراء “مخالف” يعد كأنه لم يكن، وتُبطل جميع آثاره ومفاعيله القانونية.
التصرف بالأراضي الخالية قانونيًا
أملاك الدولة أو الأملاك العامة في سوريا هي الأملاك المسجلة باسم الجمهورية العربية السورية.
ويجوز لمن يشغل الأراضي الخالية المباحة أو الأراضي الموات أن يحصل على ترخيص من الدولة على حق أفضلية ضمن الشروط المعينة في أنظمة أملاك الدولة، بحسب المادة “86” من القانون المدني السوري.
وعرّفت المادة العقارات الخالية المباحة أو الأراضي الموات، بأنها “الأراضي الأميرية التي تخص الدولة إلا أنها غير معيّنة ولا محددة”.
ويعطى الترخيص من قبل وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، ويعد وضع اليد على الأراضي الموات دون ترخيص جريمة يعاقب عليها القانون في تشريعات أملاك الدولة.
وإذا امتنعت الدولة عن تسجيل حق التصرف لاسم المستولي على الرغم من توفر شروط الاستيلاء القانونية، كان له أن يرغمها على ذلك باستحصاله على حكم قضائي يتضمن وجوب تسجيل الحق المكتسب على الوجه القانوني.
والاستيلاء لا يخوّل اكتساب أي حق على عقار مسجل في السجل العقاري، أو تحت إدارة أملاك الدولة، أو على الغابات، أو العقارات المتروكة المرفقة أو المحمية.