د. أكرم خولاني
داء كرون (Crohn’s disease) هو مرض ينتمي إلى مجموعة من الحالات المعروفة باسم أدواء الأمعاء الالتهابية (IBD)، وهو عبارة عن التهاب مزمن يصيب مناطق مختلفة من السبيل الهضمي، ويمكن أن يؤثر في أي منطقة من الفم حتى الفتحة الشرجية، لكن المناطق الأكثر شيوعًا للإصابة هي الجزء الأخير من الأمعاء الدقيقة أو الأمعاء الغليظة (القولون)، وتؤدي الإصابة إلى حدوث ألم بطني وإسهال شديد وإرهاق ونقص الوزن وسوء التغذية، وقد يكون المرض مؤلمًا جدًا ومدمرًا، كما يمكن أن يؤدي إلى مضاعفات تهدد الحياة.
هذا الالتهاب يتفشى في جميع طبقات الجدار المعوي، ويصل إلى الطبقات العميقة منه، ويتميز بوجود مناطق غير مصابة سليمة وطبيعية، وقد تتناوب مع أخرى مصابة.
يصيب داء كرون الذكور والإناث على حد سواء، وهو أكثر شيوعًا بين المراهقين والشباب بعمر بين 15 و35 سنة، إلا أن انتشار المرض متزايد، وقد أصبح أكثر شيوعًا بين الأطفال الصغار.
ما أسباب داء كرون؟
لا يوجد سبب واضح حتى الآن لحدوث الالتهاب في إطار داء كرون، لكنّ هناك عددًا من العوامل من المحتمل أن تلعب دورًا في تطوره، مثل:
الوراثة: حيث إن الجينات الموروثة قد تزيد خطر الإصابة بمرض كرون، وقد أظهرت الإحصائيات أن حوالي 20% من المصابين بداء كرون لديهم أقارب من الدرجة الأولى (آباء، أو إخوة، أو أبناء) مصابون بداء كرون أيضًا.
الجهاز المناعي: قد يكون بسبب مشكلة في الجهاز المناعي الذي يسبب مهاجمة الجراثيم المفيدة الموجودة في الأمعاء، ما يؤدي إلى تراكم خلايا الدم البيضاء في بطانة الأمعاء، الأمر الذي يؤدي إلى الالتهاب وحدوث التقرحات.
وهناك بعض عوامل الخطورة التي تزيد من احتمال الإصابة، وهي:
الأصل الإثني، فالأشخاص ذوو الأصول البيضاء هم الأكثر احتمالًا للإصابة بداء كرون.
التاريخ العائلي، خطر الإصابة بمرض كرون يكون أكبر عند الأشخاص الذين لديهم قريب من الدرجة الأولى مصاب بمرض كرون.
مكان السكن، هذا المرض أكثر انتشارًا بين سكان المدن الكبيرة والمناطق الصناعية، ويعد هذا مؤشرًا على أن العامل البيئي هو أحد العوامل المسببة لداء كرون.
كما أن الأشخاص الذين يقطنون في النصف الشمالي من الكرة الأرضيّة هم أكثر عرضة للإصابة بداء كرون من قاطني المناطق الأخرى.
التغذية، الأغذية الغنية بالدهون، أو الأغذية المُصنعة قد تكون بدورها عاملًا مؤثرًا إضافيًا.
التدخين، المدخنون هم أكثر عرضة للإصابة بمرض كرون من غير المدخنين، كما أن العلاجات لدى المرضى المدخنين تكون أقل فعالية بل قد تؤدي إلى تفاقم مرض كرون.
الأدوية، على الرغم من أن تأثيراتها لم تُثبت تمامًا، فإن الأبحاث تقر بوجود علاقة بين تناول دواء أيزوتريتينوين (Isotretinoin) وبين نشوء التهابات الأمعاء التقرحية، كذلك فإن الأدوية المضادة للالتهابات اللاستيرويدية (مثل إيبوبروفين ونابروكسين الصوديوم، وديكلوفيناك الصوديوم، وغيرها)، ومع أنها لا تسبب الإصابة بداء كرون، فإنها يمكن أن تؤدي إلى التهاب الأمعاء الذي يزيد من تفاقم داء كرون.
ما أعراض داء كرون؟
تظهر الأعراض عادة بالتدريج، لكن في بعض الأحيان يمكن أن تظهر فجأة دون إنذار، وتكون على شكل نوبات متكررة يحتدم فيها المرض، وقد تمر فترات زمنية لا تظهر فيها أي مؤشرات أو أعراض (تسمى الهَدأَة).
وعندما يكون المرض نشطًا، تشمل الأعراض:
- الإسهال الشديد.
- الحُمى.
- الإرهاق.
- ألمًا وتقلصات مؤلمة في البطن.
- دمًا في البراز.
- قرح الفم (قرحات قلاعية).
- ضعف الشهية وفقدان الوزن.
- الشعور بالألم والحكة بالقرب من فتحة الشرج أو حولها نتيجة الالتهاب، وربما بسبب حدوث ناسور عجاني (اتصال بين الأمعاء وسطح الجلد حول الشرج) أو خراج أو شق شرجي أو زوائد جلدية.
ويعاني المصابون بداء كرون، كأي مرض مزمن والتهابي آخر، من أعراض شاملة في الجسم كله أيضًا، ومن المشكلات الصحية التي تحدث في داء كرون:
- التهاب الجلد (التقيح الجلدي الغنغريني) والعينين والمفاصل الكبيرة والصغيرة.
- الحمامى العقدية، التي تظهر كعقيدات حمراء اللون مرتفعة عن سطع الجلد غالبًا على السيقان.
- تبقرط الأصابع، وهو تشوه يصيب أطراف الأصابع يجعلها بشكل مضرب الطبل.
- التهاب الكبد أو القنوات الصفراوية.
- حصيات كلوية.
- فقر دم بسبب نقص فيتامين “ب 12″، والفولات، والحديد، أو بسبب فقر الدم المصاحب لمرض مزمن، لكن فقر الدم الأكثر شيوعًا هو فقر الدم الناتج عن نقص الحديد.
- كسور عظمية نتيجة الهشاشة العظمية.
- الخثار الوريدي العميق في الساقين، أو الانصمام الرئوي، نتيجة زيادة تجلط الدم.
- مضاعفات عصبية هي النوبات، السكتة الدماغية، اعتلال عضلي، اعتلال الأعصاب، الصداع والاكتئاب.
- الأطفال المصابون بالمرض قد يصابون بتأخر في النمو أو التطور الجنسي.
كيف تُشخّص الإصابة بداء كرون؟
- اختبارات الدم: تعداد دم كامل للتحقق من الإصابة بفقر الدم مثلًا.
- تحاليل البراز: للكشف عن وجود دم غير مرئي (خفي) أو طفيليات في البراز.
- التصوير بالأشعة السينية (X ray): حيث تظهر فيها نهاية الأمعاء الدقيقة ضيقة ومتقرحة، وفي بعض الأحيان قد يظهر فيها ناسور أيضًا.
- تنظير القولون: يمكن مشاهدة التقرحات المميزة، وملاحظة عدم تتابع أماكن الإصابة، ويمكن أخذ خزعات من الأماكن المصابة.
- الفحص المجهري لعينات من الأنسجة المصابة (خزعات): يمكن من خلالها مشاهدة الرشاحة الالتهابية الحادة والمزمنة، ويشمل الخلايا العملاقة التي تميز المرض.
- التصوير الطبقي المحوري ((CT أو التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI): يفيد لرؤية الأمعاء كاملة والأنسجة حولها، وخصوصًا في فحص احتمالية الإصابة بالنواسير.
كيف يعالَج داء كرون؟
الهدف من العلاج هو تخفيف الأعراض ومنع النوبات وتحقق شفاء الأغشية المخاطية، إضافة إلى تعزيز التغذية والنمو عند الأطفال المصابين.
لا يوجد علاج لداء كرون مناسب للجميع، لكن من المفيد تغيير نمط الحياة، ويستجيب المرضى للعلاج بشكل مختلف باستخدام مجموعة من الأدوية، والعلاج الغذائي، وفي الحالات الأكثر خطورة بإجراء الجراحة.
العلاج الدوائي:
تعتبر الأدوية المضادة للإسهال والأدوية المضادة للالتهابات، ومنها الكورتيكوستيرويدات الأمينوساليسيلات، من الأدوية الشائع استخدامها.
ويمكن استخدام الأدوية التي تؤثر على الجهاز المناعي أو ما تسمى معدلات المناعة، مثل أزاتيوبرين وميركابتوبورين وميثوتركسات، والتي تقلل من فرصة الاستجابة للإصابة بالالتهابات، كما تتسبب في علاج فرط نشاط الجهاز المناعي للالتهابات التي تؤدي إلى ظهور داء كرون.
كذلك تستخدم الأدوية الحيوية، مثل فيدوليزوماب (Entyvio) وإينفليإكسيماب (Remicade) وأداليموماب (Humira) وسيتروليزوماب بيغول (Cimzia)، ويستهدف هذا الصنف من العلاجات البروتينات التي يفرزها الجهاز المناعي وبذلك يخفف الالتهاب.
وقد يتم وصف المضادات الحيوية مثل سيبروفلوكساسين وميترونيدازول، التي تساعد على الشفاء من النواسير الناتجة عن داء كرون، كما أنها تساعد على التخلص من الالتهابات والعدوى.
العلاج الغذائي:
بعض أنواع الغذاء يجب على المريض تناولها مثل الأطعمة العالية البروتين والأطعمة المنخفضة الفضلات للحد من انسداد الأمعاء المتضيقة، وبعض الأطعمة يجب التخلي عنها مثل الدهون والأطعمة الغنية بالألياف، ويكون ذلك بناء على وصف المريض لحالته بعد تناول الطعام.
التدخل الجراحي:
إذا لم تتحسن حالة المريض من خلال تلقي العلاج الدوائي والتغيرات الغذائية، فيتم التدخل الجراحي من خلال إزالة الأجزاء التالفة التي توجد بالجهاز الهضمي أو علاج بعض الأنسجة وإزالة الناسور وغيرها، كما أنه مع تطور المرض قد يتم استئصال القولون أو المستقيم.
تغيير نمط الحياة:
الإقلاع عن التدخين حتى لا يؤدي إلى التأثير على كفاءة العلاج، كما يجب التخلص من التوتر والقلق الذي قد يؤدي إلى المضاعفات لداء كرون، ومن المهم أيضًا تجنب بعض الأدوية مثل مضادات الالتهابات غير الستيرويدية.
أخيرًا ننبه إلى أنه يمكن أن يزيد داء كرون من خطر الإصابة بسرطان القولون، ولذلك يوصى بإجراء تنظير قولون للمصابين بداء كرون كل عشر سنوات بدءًا من سن 50 عامًا.