إبراهيم العلوش
رغم مرور أكثر من 70 يومًا على حصار درعا، فإن روسيا لم تكن مكترثة بتعهداتها التي ألزمت بها نفسها في العام 2018 بشأن درعا، وكل ما يهمها هذه الأيام هو المنتدى الروسي العسكري (الجيش 2021) الذي يروّج للأسلحة الروسية، وتجنّد له روسيا دعاياتها وتصريحات ضباطها في سوريا التي تحولت إلى “بسطة لبيع الأسلحة” وحقل رمي للجيش الروسي.
لا يخجل المسؤولون الروس من احتقار قيم حقوق الإنسان، ويعتبرونها مجرد أكذوبة غربية لا تليق بثاني أكبر دولة دكتاتورية بعد الصين، لذلك فإن بيع السلاح في منتدى “الجيش 2021” أهم من الترويج لمشروع إنساني يليق بدولة كانت ثاني أكبر دول العالم في الأهمية، فتجارة السلاح أهم من أي تعاون سياسي واستراتيجي مع الشعب السوري للخلاص من القتل والتهجير اللذين ينهمك بهما النظام مع الإيرانيين تحت مظلة الحماية الروسية.
الإيرانيون يكررون لازمتهم الطائفية ذات الأبعاد العنصرية التي تضمر الكراهية للعرب وتستعملهم كوقود لمناوراتها “الدونكيشوتية” في الشرق الأوسط، أما الروس فلا يعتبرون السوريين بشرًا، بل يستعيرون الوطن السوري من أجل بناء أكبر معرض للسلاح الروسي، مع ميادين تجريب لذلك السلاح الفتّاك الذي فاته الكثير من التطور، وهو يقاوم من أجل ألا يصنّف كخردة تكنولوجية.
الطائرات الإسرائيلية تمرّ فوق أحدث الأسلحة الروسية بلا أي خطر تكنولوجي عليها، وبلا أي خوف من الطائرات الروسية المتكدسة في المطارات وبأحدث الأنواع، فهي غير مهتمة ما دام ميناء “طرطوس” وقاعدة “حميميم” غير مهددتين، وما دامت القوات الروسية تستكمل تدريبها، والمصانع الحربية تستمر بعرض مبيعاتها.
“جيش 2021” الروسي يمارس نفس التكتيكات التي مارسها في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي، والتي تعتمد على التدمير الشامل للمدن وللبشر واعتبار الأغلبية البشتونية في أفغانستان عدوته، ما دفعها للتعاون مع الأمريكيين وطرده من بلادها، وأسهم ذلك الطرد بانهيار الإمبراطورية السوفييتية التي كانت تقودها روسيا.
روسيا اليوم، ومنذ تصريحات لافروف في بداية الثورة السورية التي غازل بها إيران حين قال “لن نسمح للسنّة بتسلّم الحكم في سوريا”، لا تزال تعتمد نفس التكتيك الأفغاني غير مستفيدة من درس الهزيمة الذي تلقته 1989، وهي لا تزال تعتبر الأغلبية السنية عدوتها رغم أنها تشكّل أكثر من 80% من السكان قبل التهجير، وما موقفها من حصار سكان درعا الأخير إلا مثال في الاستهتار وعدم المسؤولية الأخلاقية عن السكان المدنيين باعتبار أنها تصنفهم كأعداء.
لم تتغير العقلية الروسية في تعاملها مع الشعب السوري، بل إن وزير الخارجية لافروف أعاد تعابيره الطائفية، كما نقلت صحيفة “المدن” بداية أيلول الحالي، عندما قال أمام ممثلي الجمعيات الاجتماعية في مدينة فولغوغراد، إن روسيا ذهبت إلى سوريا لحماية المسيحيين، مستعيدًا أجواء الصراع مع الدولة العثمانية وأقوال الدبلوماسيين الغربيين بشأنها في القرن الـ19، ومتجاهلًا وجود المسيحيين في سوريا عبر ألفي سنة، وأعاد لازمته المكرورة بمحاربة الشعب الإرهابي الذي حرّكه “الغرب الاستعماري” ضد نظام بشار الأسد!
“جيش 2021” الروسي جاء لحماية نظام الاعتقال الجماعي والتعذيب حتى الموت، ولا يزال يستعمل المعتقلين كرهائن، ويحمي حرق جثث المعتقلين الذي تخرج صوره وفيديوهاته كل يوم، ولا يزال يسهم بالتدمير اليومي، وكل تهجير للسوريين يعتبره مكسبًا وانتصارًا ضد الغرب الذي يرفض تعويض روسيا عن قنابلها التي تقتل بها السوريين، ويعرقل تمويل إعادة الإعمار الذي تنتظره الشركات الروسية على أحر من الجمر.
منتدى “الجيش 2021” الذي ابتدأت عروضه، في 22 من آب الماضي، في ساحات موسكو وعلى منصات بيع الأسلحة، ودعمته القيادة الروسية في “حميميم” بتصريحات دعائية عن الانتصار الروسي الدائم في سوريا على عكس الهزيمة الأمريكية في أفغانستان، وتفرّغ خلاله وزير الدفاع الروسي شويغو لإلقاء دروس حول أسرار الانتصار الروسي في سوريا، ملمحًا إلى أن تثبيت الدكتاتور، وتوزيع سوريا كحصص على الدول المشاركة بتدميرها هو سر النجاح، وقد تناسى الوزير في تصريحاته هزيمة بلاده المجلجلة في أفغانستان!
منتدى “الجيش 2021” خدشته الطائرات الإسرائيلية ونالت من مصداقية مواصفات السلاح الروسي، وأحبطت إيران الكثير من أهدافه، كما نال الدمار السوري وقصف المدنيين وحصار درعا الأخير من مصداقية وأخلاق ذلك الجيش، وتحوّلت صورته إلى جيش من المخربين والمرتزقة، وفي أحسن الأحوال جيش استعماري جاء من القرن الـ19 ضائعًا بين الأمجاد القديمة، وبين الهمجية التي وصل إليها في سوريا.