نبيل محمد
كل ما يتضمنه مسلسل “مدرسة الروابي للبنات”، الذي أنتجته وعرضته شبكة “نتفليكس” مؤخرًا، يستحق النقد، بل ولوم القائمين عليه من مختلف الكوادر، باستثناء قضيته الأساسية وبعض الجمل الطبيعية الواقعية التي تتضمن الشتائم في الحوارات الخاصة بين بنات المدرسة، وهي الجوانب التي نالت ما نالته من اعتراضات ومواقف حادة بعضها رسمي أردني (البلد الذي تجري فيه الأحداث)، ولعل هذه المواقف أسهمت إيجابًا في زيادة شعبية العمل، بل والمطالبة بجزء ثانٍ منه، قد يُمنَع تصويره رسميًا في الأردن إذا ما استمرت الحملة ضدَّه.
قضية التنمّر في المدارس، والنتائج الكارثية التي قد تترتّب عليها وتنعكس سلبًا على المجتمع ككل، هي قضية غاية في الأهمية، وكان مرورها في الدراما والسينما العربيتين مرورًا بسيطًا غير ذي أهمية، كانت دائمًا قضية هامشية لا يُبنى عليها عمل فني كامل، إلا أن اعتماد هذه القضية كأساس لمسلسل بإنتاج ضخم نسبيًا، لا يكفي ليكتمل هذا العمل ويستحق الشهرة والمتابعة.
يفتقد العمل، بحلقاته الست، إلى موهبة حقيقية يمكن الوقوف عندها، لنقول على الأقل إن ثالث إنتاجات “نتفليكس” العربية يستحق أن تتبناه الشبكة وتجد له طريقًا نحو العالمية، إلا أن السيناريو الذي يسير به، بحوارات متكلّفة، وجمل باهتة، ونمطيات اجتماعية وأسرية مستهلكة حد الملل، من الصعب أن يتيح لممثل موهوب إظهار موهبته في الأداء، لكن حتى هذا الممثل أيضًا غير موجود، إذ اكتفى العمل كليًا بالصورة النظيفة للأمكنة والديكورات والملابس والوجوه، في حين كانت الممثلات اليافعات يؤدين أداء سينفع لا بد لمسرح مدرسي، ببطئه وبروده، لكن يبدو أن القائمين عليه اكتفوا بمحاولات إحباطه الصادرة عن مؤسسات سياسية ودينية تقليدية، وبموضوعه “الترندي” و”السيكسي” لإنتاجه ومن ثم إطلاقه للعرض الجماهيري.
حتى الممثلات المحترفات في العمل، كالممثلة الأردنية المعروفة نادرة عمران، لم يجدن مكانًا للتميز في الأداء، لم يجدن جملة غير نمطية، أو مساحة بصرية مختلفة، ليقدمن أي شيء استثنائي، ومضت القصة متوقّعة بتفاصيلها وحواراتها. لمجموعة فتيات في المدرسة تنقسم إلى قسمين، قسم يمارس التنمّر بشخصيات شبه كاملة السلبية، ومجموعة تحارب التنمّر لأنها وقعت ضحية له بصفات شبه متكاملة الإيجابية. أبيض ناصع وأسود قاتم، كلهن فتيات صغيرات، يحكن المكايد والمقالب ببعضهن، ويتمرّدن قدر ما استطعن على قوانين المدرسة والأسرة. كان هذا يمكن أن ينتج تميزًا ما، لو توفّر للعمل كاتب ومخرج، أدرك قبل تحريك أي كاميرا، أن قضية وجود مادة “مثيرة” غير كافٍ لبناء عمل فني.
التنمّر والتحرش والذكورية وسلطة الأخ الأكبر ووباء “الموبايل” في المدارس، كلها قضايا يمكن حشرها معًا في العمل، بل في مشهد واحد أحيانًا، فالسيناريو يتضمن الكثير من الفراغات والثغرات والمشاهد غير المتماسكة لتحشر فيها ما شئت. شتمت البنات بعضهن شتائم كثيرة الاستخدام في المدارس العربية، وسخرن من مدرّساتهن بأسلوب واقعي غير مستغرَب، وتحدّثن عن الشبان الذين “يطبّقهن” عبر برامج الدردشة ومنصات التواصل، كان تلك الجوانب واقعية غير مبالَغ بها، وهي النقاط التي استثارت مؤسسات أردنية، كانت قد ثارت ضد مسلسل “جن” الإنتاج الأول لـ”نتفليكس” عربيًا، لأسباب مشابهة، حيث اتُّهم العملان بـ”تشويه الذائقة”، وبأنهما “غير مناسبين لتقاليد المجتمع العربي”، وباحتواء ألفاظ وأفكار “غير لائقة”، وفق نقيب الفنانين الأردنيين، مع العلم أن هذا الجانب في “مدرسة الروابي للبنات” الذي نقله الكاتب حرفيًا من الواقع كان مصدرًا لتحريك الركود في العمل، وإظهار جانب كوميدي أجهد طاقم العمل لإظهاره في بعض المشاهد ولم يظهر.
رسالة إنسانية اجتماعية تدعو للوقوف ضد التنمّر، والانتباه إلى ردود فعل الأهل تجاه سلوكيات الأبناء في سن المراهقة، رسالة صاغها العمل في ختامه بجملة مباشرة اختصرت المراد من المسلسل ككل، الذي علّه لو كان دليلًا بصريًا مرافقًا لحملة إعلامية ضد التنمّر لأدى رسالته بشكل أبلغ ووقع في المكان الصحيح، أما أن يكون عملًا دراميًا تنتجه المنصة الأشهر عالميًا، فهو نقطة ضعف أكثر من كونه نقطة قوة، ولا يشير إلا إلى أن خيارات “نتفليكس” وبعد ثلاثة أعمال أُنتجت عربيًا، “جن” و”ما وراء الطبيعة” و”مدرسة الروابي للبنات”، ما زالت محدودة، وبوصلتها بعيدة عن تحقيق أي إضافة في الدراما العربية.