عنب بلدي – ديانا رحيمة
تصدّر الملف السوري للمرة الثانية أهم القضايا التي حملها ملك الأردن، عبد الله الثاني، إلى روسيا، في 23 من آب الحالي، بعد زيارته إلى البيت الأبيض في المرة الأولى في تموز الماضي.
وتزامنت زيارة الملك إلى روسيا مع تصاعد التوتر في مدينة درعا المتاخمة للحدود السورية- الأردنية، والتي تتعرض لحصار من قبل النظام السوري وقصف بالأسلحة الثقيلة.
وكانت مطالب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، التي قدمها للملك الأردني، واضحة فيما يخص رغبة روسيا بتطبيع الأردن علاقته مع النظام السوري.
ومن جهته، أشاد الملك عبد الله بالدور الروسي في تهدئة الوضع الأمني في سوريا، بحسب قوله.
إعادة تحريك عجلة الاقتصاد الأردني
زيارة ملك الأردن، عبد الله الثاني، هي زيارة على هامش مؤتمر، وهذا لا يعني أن هنالك ملفات تتم مناقشتها ومتابعتها على مستوى يمكن التعويل عليه، بل يمكن النظر إليها على أنها محاولات لطرح أفكار أو التعبير عن هواجس ومخاوف، بحسب ما قاله الخبير الاستراتيجي الأردني الدكتور عامر السبايلة، في حديث إلى عنب بلدي.
ولا شك أن الأردن يرغب في إتمام عملية معبر “نصيب” والبدء بتحريك عجلة الاقتصاد الأردني من بوابة سوريا، والفكرة الطموحة التي يحلم بتسويقها والمرتبطة بموضوع خط الغاز إلى لبنان، وكل ذلك يتطلب بلا شك الحديث إلى الضامن الوحيد الأقرب إلى الأردن على الأرض، وهو روسيا.
لجوء الأردن إلى روسيا هو من أجل الحصول على ضمانات بأن لا تستولي “قوات المعارضة المسلحة”، التي يعتبرها الأردن معادية وتمثل تهديدًا للأمن القومي، بحسب السبايلة، وبالتالي يسعى الأردن في هذه المرحلة التي يتم فيها ترتيب الوضع في درعا، للحصول على هذه الضمانات.
ولا يعتقد السبايلة أن هناك خطة أو رؤية واضحة لما هو مطلوب في سوريا، وفيما يخص زيارة الملك إلى أمريكا، فإن الزيارة لا تتجاوز الحصول على بعض الاستثناءات في مواضيع تجارية من قانون “قيصر” في محاولة لتنويع الخيارات الاقتصادية الأردنية، وليس لحل المسألة السورية، وبالتالي قد يقود هذا الانفتاح لاحقًا إلى بعض التطورات، ولكنه لن يتم دون رؤية حقيقية وتوافق عربي وبالذات “سعودي”، وعلى المستوى الأكبر الولايات المتحدة التي لا يبدو أنها تريد التعامل مع هذا الملف بصورة جدية.
تجاوز عقوبات “قيصر”
في الأشهر الأخيرة، عززت دول الخليج العربية، ولا سيما الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمملكة العربية السعودية، انخراطها بنشاطات مع حكومة النظام السوري، وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة.
وترتبط قدرة دول الخليج العربية على تعزيز علاقاتها مع النظام، بسياسة إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، تجاه سوريا وعقوبات قانون “قيصر”، وعليه ضغط كل من الأردن والإمارات العربية المتحدة على أعلى المستويات في واشنطن لمصلحة الإعفاءات من العقوبات لدعم توسيع نطاق وصولهما إلى سوريا.
جريدة “الأخبار” اللبنانية كشفت، في 27 من آب الحالي، عن أن وفدًا وزاريًا سيزور سوريا قريبًا، وستتضمن الزيارة بحثًا في الإجراءات المطلوبة لتفعيل اتفاقيتَي استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية، بالإضافة إلى بحث سبل التعاون فيما يتعلق باستجرار الكهرباء من سوريا.
وتأتي الزيارة على خلفية طلب رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق، سعد الحريري، من الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، تزويد لبنان بالغاز عبر خط يمتد عبر الأردن وسوريا في سبيل توفير نحو 50 أو 60% من تكلفة المحروقات في لبنان.
وذكرت الجريدة أنه على الرغم من إعلان السفيرة الأمريكية في بيروت عن نية إدارتها استثناء كل ما يتعلق باستجرار الغاز والكهرباء إلى لبنان من مفاعيل قانون “قيصر”، فإنه لم يتم حتى اليوم تثبيت هذا الاستثناء.
وكان الرئيس اللبناني، ميشال عون، أعلن، في 19 من آب الحالي، عن اتصال هاتفي جرى مع السفيرة الأمريكية في لبنان، دوروثي شيا، أبلغته فيه قرار الإدارة الأمريكية بمساعدة لبنان لاستجرار الغاز المصري من الأردن عبر سوريا.
وأكدت فيه السفيرة شيا أنه سيتم تسهيل نقل الغاز المصري عبر الأردن وسوريا وصولًا إلى شمالي لبنان، بحسب الرئيس اللبناني.
مصالح اقتصادية مشتركة
يتحدث بعض النواب الأردنيين عن تضرر الكثير من الأردنيين ولا سيما في منطقة الزرقاء الحدودية بسبب إغلاق معبر “نصيب- جابر” على الحدود مع سوريا، ولكن تعطل أعمالهم لا يرتبط بإغلاق المعبر أو تحسين العلاقة مع النظام، لأن وضع الاقتصاد السوري كله أصبح سيئًا، فهناك جزء من البضائع كان يدخل عبر تركيا ومن أوروبا ويمر “ترانزيت” من سوريا، ولكن هذا الخيار لم يعد موجودًا في الوقت الحالي، بحسب ما قاله الباحث الاقتصادي خالد تركاوي، في حديث إلى عنب بلدي.
ويرى تركاوي أن إنتاج البضائع في سوريا لم يعد كما كان من قبل، لذلك تستحيل عودة الوضع إلى ما قبل 2011، سواء في ظل تقارب أردني- سوري أو تباعد بينهما.
من جهة النظام السوري، فإن من مصلحته تصدير بعض السلع إلى الخليج، ولكن تجارة المخدرات هي الأساس، لإيراداتها الكبيرة عبر دخولها إلى الأردن أو تصديرها إلى الدول الخليجية عبر الأردن، بحسب تركاوي.
بينما قال الدكتور عبد الحكيم المصري، في وقت سابق لعنب بلدي، إن إعادة تشغيل المعبر والسماح بتبادل التجارة عبره، هو تلبية لمطالب وضغوط تتعرض لها السلطات الأردنية من التجار الأردنيين المتضررين من إيقاف المعبر، والذين تعتمد تجارتهم عليه منذ سنوات طويلة.
وبحسب المصري، فإن الأردن أعاد علاقاته الاقتصادية مع النظام إعادة “حذرة”، للكثير من الآثار السلبية التي قد تطاله، منها قانون العقوبات الأمريكي “قيصر”، وعدم استقرار المنطقة، وتخوف من الهجوم على المعبر بعد الأحداث التي شهدتها محافظة درعا، على حد قوله.
وبلغت قيمة الصادرات بين الأردن وسوريا منذ بداية عام 2021 وحتى نهاية أيار الماضي 22.8 مليون دينار أردني، بينما سجلت قيمة الصادرات حوالي 16.4 مليون دينار أردني، بحسب بيانات لـ”غرفة تجارة عمّان”.
بينما قال مصدر في معبر “نصيب” لصحيفة “الوطن” المحلية (لم تسمه)، في 12 من تموز الماضي، إن إيرادات المعبر بلغت حوالي 17 مليار ليرة سورية خلال الشهرين الماضيين فقط.
وأضاف المصدر للصحيفة، أن معظم الإيرادات تعود لمخالفات في البيانات الجمركية للبضاعة المدخلة عبر المعبر، ضُبطت بعد تدقيق البيانات والمرفقات القادمة مع البضائع الواردة.
تجاذب أردني لعودة العلاقات مع النظام
على الرغم من ضبابية موقف الملك عبد الله من إعلان موقف حاسم تجاه إعادة العلاقات مع النظام السوري، أبدى العديد من المسؤولين الأردنيين رغبتهم في عودة العلاقات السورية- الأردنية مجددًا.
إذ قال رئيس الوزراء الأردني، بشر الخصاونة، خلال مقابلة أجراها مع “إندبندنت تركية“، في 19 من آب الحالي، إن النغمة التي تتحدث عن إسقاط النظام السوري صارت تميل إلى الواقعية أكثر بالتركيز على “تغيير سلوك النظام السوري”، بدل الاستمرار في “وهم” العمل على إسقاطه.
وأضاف الخصاونة أن الأردن مهتم مع مصر وعدة دول عربية بعودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، معتبرًا أن غيابها “لم يكن منتجًا، ولأن النظام الرسمي العربي يمكنه أن يؤسس لهوامش مبادرة وحوار أفضل مع السوريين من خلال عودتهم إلى مقعدهم الطبيعي في حضن الجامعة العربية”.
ومن جهته، قال نائب رئيس الوزراء الأردني الأسبق، ممدوح العبادي، إن من مصلحة الأردن الانفتاح على سوريا، مشيرًا إلى إغلاق معبر “نصيب” بقوله، “موقفنا السابق أضر بالأردن على الصعيد الاقتصادي، من خلال إغلاق الحدود واستيراد المواد والبضائع بتكلفة أعلى”.
كما بيّن وزير الإعلام والاتصال الأسبق، سميح المعايطة، أن الرؤية الأردنية في التعامل مع الملف السوري تقوم على التعامل مع الواقع الذي فُرض من قبل حكومة النظام السوري على الأرض عسكريًا كان أم سياسيًا.
ويرى المعايطة أن الأردن يتوافق مع دول عديدة من بينها مصر على أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية هو أمر لا بد منه، وأن عودتها إلى الجامعة فيه مصلحة “عربية سياسية أردنية اقتصادية بالدرجة الأولى”.
ما مصير اللاجئين السوريين في الأردن؟
رئيس الوزراء الأردني، بشر الخصاونة، صرح في مقابلته الأخيرة أن بلاده تتعامل مع ملف اللجوء السوري وتكلفته بـ”صعوبة كبيرة”، إذ التزم المجتمع الدولي بـ7% فقط من المتفق عليه مع الأردن تحت عنوان “تقديم الرعاية لعدد اللاجئين السوريين الضخم في المنطقة”.
وأجاب الخصاونة عند سؤاله عما إذا كان الأردن سيمنح الجنسية للاجئين السوريين، بـ“معاذ الله أن يحصل ذلك”.
ولا يتوقع الخصاونة عودة اللاجئين السوريين في الأردن إلى سوريا بالمدى المنظور، وذلك “لأن المسألة لا تتعلق فقط بعودة اللاجئ السوري إلى بلده، ولكن بتحديد المكان الذي سيعود إليه بصورة دقيقة، والأهم، بتهيئة ذلك المكان أصلًا، وتوفير ظروف موضوعية للحياة الكريمة له في بلده من بينها المشاركة السياسية”.
يوجد في الأردن نحو 671 ألف لاجئ سوري مسجلين لدى مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، بينما تقدر الحكومة الأردنية عدد الذين لجؤوا إلى البلاد بنحو 1.3 مليون منذ عام 2011
وعاد بعض اللاجئين السوريين من الأردن بعد إعادة فتح معبر “نصيب” في تشرين الأول 2020.
وتتخوف المنظمات الإنسانية والحقوقية على مصير اللاجئين العائدين إلى سوريا، خاصة أن النظام السوري لا يسمح لتلك المنظمات، ومن بينها الأمم المتحدة، بمرافقة اللاجئين في أثناء عودتهم والاطمئنان على أوضاعهم المعيشية والأمنية.
ويعمل النظام السوري وحليفه الروسي على الدفع نحو إعادة اللاجئين السوريين من دول الجوار، وعادت دفعات منهم من لبنان والأردن عبر المعابر البرية، بينما ترفض الدول الأوروبية عودة اللاجئين.