عنب بلدي – جنى العيسى
ترك عمر كلية الحقوق بجامعة “دمشق” في بداية سنته الدراسية الثانية هاربًا من مناطق سيطرة النظام السوري في 2017، باتجاه مدينة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة شمالي سوريا.
دخل عمر إلى إدلب (تحفظ على ذكر اسمه الكامل لأسباب اجتماعية)، راغبًا في استكمال سنوات دراسته في الكلية التي بدأ مشواره الدراسي بها، لكنه اصطدم بالمواد المفروضة على طلاب كلية الحقوق في جامعة “إدلب”، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
ففي مطلع عام 2016، أصدرت إدارة التعليم العالي في جامعة “إدلب” قرارًا إداريًا يقضي بدمج كلية الحقوق بكلية الشريعة.
وبررت الإدارة قرارها حينها، بأنه أتى “حرصًا من الجامعة على مصلحة الطلبة نتيجة تأخر انطلاق كلية الحقوق”، وعليه قررت إدارة التعليم العالي في الجامعة دمج المناهج في الكلّيتين، وإحداث “المعهد العالي للقضاء”، لتخريج “قضاة مؤهلين للعمل في المحاكم الشرعية”.
وبعد قرار إدارة الجامعة، تحفّظ بعض الطلاب على هذا الدمج، فمواد كلية الشريعة تتطلب مجهودًا مضاعفًا من قبل طلاب كلية الحقوق، لأن مضمونها يبتعد إلى حد ما عن مضمون المواد الحقوقية.
وبسبب صعوبة مواد كلية الشريعة وكثافتها، استأنف بعض طلاب كلية الحقوق دراستهم بصعوبة، بينما لم يستطع بعضهم الآخر إكمال دراسته.
قرار مغاير بسبب قرار الجامعة
استفسر عمر من طلاب كلية الحقوق والشريعة في جامعة “إدلب” عن المواد التي سيدرسها، ولكن معظم القصص التي سمعها عن كمية مواد الشريعة التي سيدرسها على حساب مواد القانون، جعلته يتخذ قرارًا مغايرًا لما كان قد خطط له، على حد قوله.
وكان الشاب بحاجة إلى الشهادة الجامعية للاستفادة منها خارج سوريا، ولكنه رأى أن الشهادة التي سيحصل عليها من جامعة “إدلب”، قد تخدمه ضمن حدود المحافظة فقط، بسبب ما تقدمه من منهاج دراسي لا يُغطي جميع أنواع القوانين التي سيستخدمها في عمله خارج البلاد.
لذا عزف عمر عن قراره بإكمال اختصاصه داخل جامعة “إدلب”، مفضلًا البدء من جديد في جامعات تركيا التي تتيح له منهاجًا لدراسة القانون بشكل أكثر كفاءة.
ولكن الحياة في تركيا لم تسعف عمر بدخول الجامعة على حد قوله، بسبب ظروف معيشية صعبة واجهته، ليجد نفسه بعد ذلك موظفًا في مكتب حوالات داخل اسطنبول، يعمل فيه ويحاول تطوير مجال عمله دون أي شهادة جامعية يحصل عليها.
“السبيل الوحيد” للعمل في محاكم إدلب
اتخذ عمر قرارًا بعدم الالتحاق بكلية الحقوق والشريعة في جامعة “إدلب”، على عكس موسى الذي استكمل سنة دراسته الرابعة فيها، بعد أن غادر كلية الحقوق في محافظة إدلب حين كانت تحت سيطرة النظام السوري.
وأوضح موسى (تحفظ على ذكر اسمه الكامل لأسباب خاصة)، لعنب بلدي، أنه قدم أوراقه لدراسة السنة الرابعة في كلية الحقوق والشريعة بعد سيطرة المعارضة على المدينة، وفرضت عليه دراسة 39 مادة بالإضافة إلى المواد المفروضة على طلاب السنة الرابعة أساسًا التي يصل عددها إلى 13 مادة.
وشرح موسى أن المواد الإضافية التي فُرضت عليه كانت معظمها مواد تُدرّس في كلية الشريعة، واقتصرت مواد القانون فيها على ست مواد تقريبًا، ما يؤدي إلى غياب الفهم العميق للمواد القانونية.
ولجأ العديد من طلاب دفعة موسى إلى الاعتراض في قسم شؤون الطلاب بالجامعة، على كمية مواد الشريعة المفروضة عليهم خلال سنة تخرجهم، وجاء الرد، بحسب قوله، بإعطائهم مجالًا أكبر للتخرج، عبر إحداث دورة تكميلية وأخرى استثنائية تتبع تقديمهم لامتحانات الفصلين.
ولتهوين الأمر على الطلاب المعترضين، شرح مسؤولون في شؤون طلاب الجامعة لهم بأن “مواد الشريعة لا يجب أن تشكّل عبئًا عليهم، بل هي من صلب الدين الإسلامي الذي يعتنقونه، معتبرين أن من الواجب عليهم تعلم أصوله وأسسه”.
ويعتمد طلاب كلية الحقوق في العادة على دراسة مواد كلية الشريعة كي يستندوا إليها في عملهم بالقضايا التي تتعلق بالشريعة الإسلامية، مثل قضايا التركات والميراث، والطلاق والزواج.
ويكتسب طلاب كلية الحقوق معرفتهم بتلك القضايا المتصلة بالشريعة عن طريق دراستهم ثلاث مواد من أصل 56 مادة، وفق الخطة الدراسية المُعتمدة في كلية الحقوق بجامعة “دمشق”، وتتوزع حسب التالي: “مدخل إلى الشريعة الإسلامية” في السنة الأولى، “الأحوال الشخصية” في السنة الثانية، “أصول الفقه” في السنة الرابعة.
استطاع موسى أن يتخرج في جامعة “إدلب”، بعد ضغوطات نفسية كثيرة عاشها خلال سنة تخرجه، اضطر فيها أحيانًا إلى تقديم أكثر من مادتين يوميًا، على حد قوله.
واليوم يعتبر موسى أن دراسته المكثفة لكل تلك المواد الشرعية في الجامعة، كانت السبيل الوحيد لإيجاد العمل في مدينة إدلب، بسبب طبيعة المحاكم الشرعية الموجودة فيها.
“كلية شريعة وليست حقوق”
أكد عميد كلية الحقوق والشريعة في جامعة “إدلب”، الدكتور أنس عيروط، أن الكلية هي “ليست كلية حقوق، إنما هي كلية شريعة وحقوق، وتميل في الغالب إلى اعتبارها كلية شريعة”، ويتخلل مناهجها الدراسية بعض المواد الحقوقية المشتركة.
وأوضح عيروط، في حديث إلى عنب بلدي، أن قوانين الجامعة الحالية تشترط للحصول على شهادة الكلية، امتحان الطالب الحامل لشهادة كلية الحقوق والذي تخرج في جامعة أخرى بـ15 مادة شريعة، ليتم تعديل شهادته السابقة إلى شهادة تحمل اسم كلية الحقوق والشريعة في جامعة “إدلب”.
بينما يُطبق “قرار النقل” على الطالب الراغب باستكمال دراسته في جامعة “إدلب” الذي درس السنة الأولى والثانية من فرع الحقوق في جامعات أخرى (فإذا كان طالب سنة ثانية هناك مثلًا ينقل إلى السنة الأولى في جامعة إدلب، مع إمكانية إعفائه من بعض مواد السنة الأولى التي قدمها سابقًا”.
وحول أسباب دمج مناهج الكلّيتين، اكتفى عميد الكلية بالإجابة بأنه لم يكن موجودًا في منصبه حين اتخاذ القرار في 2016، دون ذكر أسباب إضافية.
ولم تكن الجامعة سابقًا توافق على استكمال الطلاب إلا في حالة وصولهم في جامعتها السابقة أيًا كانت إلى السنة الرابعة، بحسب حديث عميد الكلية، مشيرًا أيضًا إلى توقف العمل بنظام الاستكمال نهائيًا اعتبارًا من السنة المقبلة.
دراسة لفصل الكلّيتين
تحدث عميد كلية الحقوق والشريعة في جامعة “إدلب”، الدكتور أنس عيروط، عن وجود دراسة يتم العمل عليها حاليًا، حول الفصل بين كلّيتي الشريعة والحقوق في الجامعة.
وبحسب عيروط، سيكون الفصل بين الكلّيتين إما نهائيًا بحيث يُمكن الطالب اعتبارًا من دخوله إلى الجامعة اختيار أحد الفرعين، وإما في السنة الثالثة إذ يتخصص الطالب إما بفرع الشريعة وإما الحقوق، بعد دراسته لسنتين مشتركتين بمناهج الكلّيتين.
وأوضح عميد الكلّية أن سبب الفصل يعود “لمصلحة طلاب الفرعين”، إذ لاحظت الجامعة بعد مرور خمس سنوات على تطبيق القرار، بعض الأخطاء فيه، مبررًا التغيير بألا تعرض الجامعة طلابها لـ”الظلم”، بحسب قوله.
فطالب الشريعة لا يأخذ القسط الفعلي من المواد الفقهية أو الأصولية أو العقيدة الإسلامية، على حساب بعض المواد الحقوقية التي تأخذ مجالًا إضافيًا من سنته الدراسية، بحسب عيروط.
كما اعتبر الدكتور أنس عيروط أن مواد القانون الموجودة ضمن مناهج الجامعة لا تكفي لتخريج طالب حقوق، يكون على دراية تامة بالقوانين والقضاء والمحاكم.
بحسب إحصائية صادرة عن إدارة الجامعة، حصلت عليها عنب بلدي، فإن عدد الطلاب في جامعة “إدلب” بلغ 14700 طالب عام 2021.
وأُسست الجامعة أواخر عام 2015، في المناطق التابعة لسيطرة المعارضة شمالي سوريا، وكانت في بداية تأسيسها تتبع لجامعة “حلب الحرة”، إذ ضمّت ثلاث كلّيات فقط في بداية تأسيسها، وكان نقص المستوى التعليمي في مناطق سيطرة المعارضة وصعوبة انتقال الطلاب من محافظة إدلب إلى بقية جامعات سوريا، أهم الأسباب التي دفعت إلى تأسيسها.
ومع اتساع نفوذها بداية عام 2018، تمكنت “الإنقاذ” من إلغاء عمل جامعات في المناطق التي ضمتها لنفوذها، مثل جامعة “حلب الحرة” التي نقلت مقرها من مدينة إدلب إلى ريف حلب الغربي، على خلفية القرار الذي اتخذته حكومة “الإنقاذ” بتعيين رئيس جديد لها.