نبيل محمد
لن تنتظر أي مفاجأة في لقاء مع فنانة سورية مثل سوزان نجم الدين، حيث يمكن أن تتوقع كل ما سيحدث فيه، وكل ما ستقوله عن أي موضوع كان، وليس القصد هنا موقفها السياسي فحسب، فهذا أمر محسوم، ستتوقعه من أي ممثل تعرف مسبقًا هويته السياسية، ولكن أيضًا في شؤون الحياة والفن، فهي فنانة كثيرة الحضور وكثيرة تكرار التصريحات، وليس من المغالاة أن نقول إنها عاشت حالة بحث يومي عن جمل ومقولات وتصريحات ومواقف تقولها عبر “الميديا” اليوم، فتراها غدًا وقد ملأت منصات أخبار الفن. علاقة نجم الدين بالإعلام قديمة، تحب الحضور فيه كممثلة وكمنتجة وكمغنية وككاتبة وكمديرة مشروع ثقافي وإنساني، وقد تبوأت الفنانة ما شاءت من مراكز في هذه المجالات كلها، خلال السنوات الأخيرة قبل 2011، حين أتاحت لها الشهرة والثروة والقرب من مراكز القرار أن تفعل ما تشاء.
رغم كل ذلك سوف، تفاجَأ بتصريح لها ورد قبل أيام عبر برنامج المواجهة مع الإعلامي اللبناني رودلف هلال، حين قالت إنها لبست النقاب مدة سنتين كون اسمها “كان على قوائم الذبح” من قبل تنظيم “داعش”، فكانت يجب أن تتنقل في سوريا وفي المطارات التي تأتي منها إلى سوريا مخفية شخصيتها الحقيقية كي لا تذبحها سكاكين التنظيم المتشدد. على الرغم من أن سبب لبسها له لم يكن “الخوف” فما هو إذن؟
قالت نجم الدين في معرض الدفاع عن موقفها هذا، إن كثيرين كانوا يركبون الطائرات قدومًا إلى سوريا، فما إن يصلوا حتى يتم اغتيالهم، قاصدة المشاهير الذين يقفون ضد “داعش”، فيترصد لهم التنظيم في المطارات أو قربها، ليغتالهم، تتم هذه العملية وفق الفنانة من خلال شخص مدسوس داخل الطائرة يبلغ قيادات التنظيم على الأرض بوجود الفنان الفلاني على متن الرحلة الفلانية، ليتم تنسيق العملية واغتياله. وليت كان لدى الإعلامي الذي يحاورها، والذي أظهر جهلًا واضحًا بأغلبية ما تقوله، الجرأة ليطلب منها مثالًا على تلك الفكرة التي رأت نجم الدين أنها تستطيع طرحها ببساطة وتوظيفها في خدمة النظام، وهنا يستوقفك كمتابع أن مشاهير الفن تحديدًا، لم يتعرضوا في سوريا لقتل أو سجن أو تعذيب أو ملاحقة أمنية إلا على يد النظام، والأمثلة كثيرة بلا شك. وهنا لا نبرئ التنظيمات المتشددة من أعمالها الإجرامية، لكن استرسالًا في النقاش كان سيربك الفنانة الضعيفة الحجة بلا شك.
لم تتوفر لتلك المواجهة الممجوجة شخصية قادرة على خوضها، ولا أسئلة تتيح بالفعل تكشيفًا يمكن أن يعلن فيه الفنان خفايا ما في حياته وآرائه، إلا أن نجم الدين كانت تترقب أي سؤال يمكنها من خلاله تسجيل موقف سينتشر عبر فضاءات “الميديا”، وبالفعل لن يكون هنا سؤال مبرر لذلك أكثر من سؤال عن “بشار الأسد”، هل قتل شعبه أم لا؟ السؤال الذي قاد الفنانة بلا تردد إلى مغادرة الاستديو، وهل هناك أفضل من الانسحاب ردًا على هذا السؤال؟ هل سيكون لديها مبرر للدفاع ولغة غير مستهلكة أفضل من هذا الموقف؟ وهل لأي جواب أن يأخذ صدى ويتم اقتصاص الفيديو الخاص به كما حدث في انسحابها ذاك؟ انسحاب بدا وكأنه مجهَّز له، كاميرا في أهبة الاستعداد للتحرك خلف الفنانة، من كرسي الحوار إلى بوابة الاستديو، التي كانت تبحث عنها الفنانة عند خروجها.
نجم الدين وبكل صرامة عبّرت عن موقفها المضاد للمثلية الجنسية وللمساكنة، ورفضت الإجابة عن سؤال يستهدف الفنانة أصالة نصري، وناقضت مجملَ أجوبتها بأنها مع الحرية الشخصية. كل شيء قابل للتناقض لا مشكلة، إلا السؤال الذي يستهدف الأسد؟ مشكلة هذا السؤال في أنه قابل للطرح أساسًا، وقابل لأن يجد من يجيب عنه بنعم أو لا، لكنه وبلا شك أفضل ما يمكن لختام حلقة مع ممثلة من طراز نجم الدين، ولعل لقاء كهذا لن يحسب له أي بادرة إيجابية سوى أنه وضع جدلية قتل الشعب كسؤال أمام فنان من السهل إيقاعه في التناقض، وكشف زيفه في كل لحظة، ثم تهيئة الطريق له للخروج بسؤال واضح بسيط مجرّد.