عرض العقارات يرتفع في حمص والأهالي يرغبون بالهجرة

  • 2021/08/29
  • 9:48 ص

رجل مسن سوري يمشي في إحدى الأحياء السكنية في مدينة حمص بعد أن خرج منها أكثر من 2000 مدني حين انفك الحصار عنها- 12 من شباط 2015 AFP))

عنب بلدي – حمص

يجهز محمد (31 عامًا) نفسه كي يصل إلى شمالي سوريا، من أجل الحصول على فرصة تتيح له الدخول إلى تركيا عن طريق التهريب عبر الحدود.

ضغط محمد على والده لبيع أحد محال العائلة التجارية، وتنازل عن كامل حصته من الميراث، وفق ما قاله لعنب بلدي، كي يصل إلى أوروبا.

يقول محمد (الذي تحفظ على ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية)، “نحن عائلة تجار، أسس أبي تجارته ونجح فيها عندما كان شابًا، كانت سوريا مناسبة للاستقرار في تلك الفترة، الآن أبي لا يفكر بالهجرة أبدًا كونه حقق ما أراده وكبر سنه، لكن دوري الآن أن أعمل وأؤسس لتجارتي الخاصة، وهذا الأمر غير متاح في سوريا”.

بعد تدهور الوضع المعيشي للسوريين في مناطق سيطرة النظام السوري، عادت فكرة الهجرة إلى أوروبا إلى سلّم الأولويات من جديد، لكن مع استنفاد كامل مدخراتهم خلال سنوات النزاع، لم يبقَ في جعبتهم سوى ما يمتلكونه من عقارات كالمنازل والأراضي الزراعية والمحال التجارية، كي يهاجروا من خلال بيعها.

تدهور الوضع الاقتصادي وتراجع القوة الشرائية لسكان مدينة حمص، والتضييق الحكومي من خلال دوريات التموين والجمارك، أربك أصحاب المحال التجارية ودفع بهم إلى عرض محالهم للبيع في المكاتب العقارية لتأمين المبالغ الكفيلة بإيصالهم إلى دول اللجوء.

في حين يلجأ بعضهم الآخر إلى رهن عقاراتهم لدى تجار أو مكاتب عقارية، في محاولة للهجرة مع عدم التفريط بالعقار، والوصول إلى بلدان اللجوء بأقل الخسائر من رأس المال المتبقي.

توجه نحو الهجرة

مع تفاقم أزمات السوريين في مناطق سيطرة النظام السوري، وفقدانهم الأمل بتحسن الأوضاع في المستقبل القريب، ومحاصرة النظام مستقبل الشباب من خلال سَوقهم إلى الخدمة العسكرية الإلزامية، زادت حركة العرض من البيوع العقارية لمساعدة الأهل أبناءهم على الخروج من مناطق سيطرة النظام إلى بلدان اللجوء.

في ريف حمص الشمالي، زاد عدد الأراضي الزراعية المعروضة للبيع، بعد فقد المزارعين قدرتهم على تمويل زراعتها بالشكل الأمثل، وفي نفس الوقت، ضغط أبنائهم للحصول على ثمنها من أجل الهجرة إلى أوروبا.

“أبو ناجي” (65 عامًا) وهو أحد سكان قرية غرناطة في ريف حمص الشمالي، قال لعنب بلدي، إنه عرض ثلث مزرعته للبيع بعد إصرار أحد أبنائه على السفر إلى دول اللجوء في أوروبا.

ورغم موقع المزرعة المتميز وخفضه في سعرها أكثر من 5%، فإنه لم يتمكن حتى الآن من بيعها.

اختلال بين العرض والطلب

بعد سن قانون “ضريبة البيوع العقارية” في آذار الماضي، الذي رفع الضريبة التي تحصل عليها الدولة على البيوع العقارية، شهدت أسواق العقارات ركودًا ملحوظًا تبعته زيادة في العقارات المعروضة للبيع، إثر تدهور الوضع الاقتصادي وعودة السوريين في مناطق النظام للتفكير في الهجرة من جديد.

بعد الركود الكبير الذي شهده سوق العقارات بسبب قانون “ضريبة البيوع العقارية” الذي يعتمد على استيفاء الضريبة على العقارات المباعة بالاعتماد على قيمتها الرائجة بدلًا من القيمة المعتمدة في السجلات المالية، عاد سوق العقارات إلى فعاليته من جديد من جانب العرض فقط.

ورغم العرض المتزايد، لم تشهد العقارات زيادة في الطلب وإنما انخفض بنسبة ملحوظة، ما خفض أسعار العقارات بنسبة تراوحت بين عشرة و15% من قيمة العقار، وفق ما قاله مفيد (52 عامًا) وهو صاحب مكتب عقاري في حي الشماس بمدية حمص.

وأكد صاحب المكتب العقاري، أنه رغم انخفاض الأسعار لم يعد هناك إقبال على الاستثمار في العقارات، إذ إنه استثمار طويل الأجل، والحالة الاقتصادية والقرارات التي تصدرها حكومة النظام أبعدت المستثمرين عن مجال الإسكان.

وبالتالي، يعاني سوق العقارات في حمص وسوريا بشكل عام من “اختلال بين العرض والطلب”، وفق ما يراه صاحب المكتب العقاري.

وتؤثر عوامل وظروف كثيرة بأسعار العقارات، تؤدي إلى اختلال في العرض والطلب، فترتفع الأسعار ثم تنخفض في وقت واحد.

ولخّص صاحب المكتب العقاري، في حديثه إلى عنب بلدي، تلك المؤثرات بتغيرات القدرة الشرائية، وسياسات الحكومة الاقتصادية، وسياساتها تجاه الإسكان، وأوضاع العقارات، وتكلفة التطوير وإعادة الإعمار، وأوضاع الاقتصاد الأخرى، ورغبات وتفضيلات السكان في المحافظة.

وينتج عن نمو الاقتصاد ارتفاع دخول الناس وقوتهم الشرائية، وزيادة القوة الشرائية تعني زيادة الطلب، وفق صاحب المكتب العقاري، وترتبط بهذه الأوضاع مالية الحكومة، كونها مؤثرة في الاقتصاد وقطاعاته، ومن ثم قوة الناس الشرائية وما ينفق حكوميًا على الإسكان.

ولكن حكومة النظام في وضع اقتصادي صعب حاليًا، وفق ما يراه صاحب المكتب العقاري، وهي منشغلة في تركيزها على الإنفاق لدعم المواد الأساسية التي يحتاج إليها السكان، مثل المازوت والخبز، على حساب الإنفاق على المشاريع الاستثمارية العقارية في قطاع الإسكان.

والعقار من أكثر السلع تأثيرًا على مصاير الناس، كما أنه يفضح الطبيعة السياسية والاقتصادية للدولة.

وبعد تدمير أحياء كاملة في مدينة حمص، ورغم استعادة حكومة النظام السيطرة عليها منذ ثماني سنوات، فإن أغلب سكانها لم يستطيعوا العودة إليها لعدم توفر الحد الأدنى من الخدمات، ومع فقدانهم الأمل بالعودة إليها بدأت نسبة كبيرة من أصحاب العقارات بالبيع وبأسعار منخفضة جدًا.

مقالات متعلقة

المساكن والأراضي والممتلكات

المزيد من المساكن والأراضي والممتلكات