سيرين عبد النور – عنب بلدي
بينما أخذت بعض القرى التي كانت تشكل حاضنة أساسية لتنظيم «الدولة» في ريف الرقة بالتحضير لمواجهات قادمة مع خصوم التنظيم الذين يستعدون للهجوم، لاتزال المدينة تشهد أوضاعًا شبه طبيعية وحركة معتادة في الشوارع، رغم إعلان أحد مصادر التحالف الغربي عن تكثيف الضربات الجوية نحو الرقة في الأيام المقبلة، وحالة الخوف التي تنتاب الأهالي من ردات فعل التنظيم تجاههم إثر انطلاق أي عمل عسكري يستهدف عاصمة التنظيم.
ظهر أبو عيسى، القائد العسكري للواء ثوار الرقة، أبرز فصائل الجيش الحر في المحافظة، الخميس 29 تشرين الأول، خلال تسجيل مصور معلنًا الرقة «منطقة عسكرية» ومحذرًا من اقتراب «ساعة الصفر لبدء تحريرها من قبضة داعش».
واعتبر في بيانه أن المعركة ستكون «تاريخية ومصيرية»، بعد أن فرضت عدة فصائل في الجيش الحر والقوات الكردية سيطرتها على ريف الرقة الشمالي نهاية أيار الماضي.
في المقابل يقول أبو العباس، أحد العاملين “المدنيين” مع التنظيم، كما يصف نفسه، إن ’’الإخوة سيخلعون ثيابهم ويهربون نحو دير الزور في حال أي تحرك حقيقي وقوة فاعلة”. كلام لا يوافقه عليه محمد، أحد أبناء قرية الكرامة التي تعتبر من أهم معاقل التنظيم في ريف الرقة، ويقول “سنقاتل حتى آخر عنصر من الدولة الإسلامية”، ويصف الشاب بغضب كيف يجتمع “أعداء الله ضد جنود الخلافة”، مؤكدًا على مظلومية التنظيم من جميع الخلق بينما يثق بالنصر الإلهي القادم، وإن كان مؤجلًا “فإلى السماء جنانًا وحوريات”.
حركة معتادة
وبينما تحافظ ممارسات التنظيم على مستواها المعهود من انتشار سيارات الحسبة وتجول الشرطة الإسلامية بدورياتها، يعيش الأهالي أيامهم يتبادلون حكايات السجون والمعتقلات «الداعشية» وما يجري فيها لكل من يتجرأ على مخالفة التنظيم، وكيف تحولت ساحات المدينة إلى معرض مفتوح لمختلف طرق القتل العلني والجثث المصلوبة والأيادي المقطعة.
عمر، من سكان حي الثكنة، يقول «أيًا يكن القادم فهو أرحم مما نعيشه اليوم»، ويضيف الشاب، الذي ترك منزله بعد أن تحول الحي إلى مربع أمني للتنظيم ومركزًا لتجمع عناصره، «التنظيم نشر السواد والخراب ويجب أن يرحل».
أغلب من تحدثت معهم عنب بلدي من أهالي الرقة اتفقوا على أن التنظيم أفسد كل شيء في المناطق التي يسيطر عليها، على غرار ما يقوله قاسم، الذي يعمل محاسبًا في أحد محلات العصائر في دوار النعيم، ويصف شعوره نحو عناصر الدولة بالعجز والكراهية بعد أن قضى شقيقه تحت التعذيب في سجون التنظيم “لم يعد هناك الكثير لنبكي عليه، فالتنظيم دمر كل شيء فينا من الاقتصاد إلى التعليم إلى البنيان وحتى حب الحياة داخل قلوبنا، الرقة اليوم مجرد كومة من خراب تنعق فوقها الغربان”.
لكنّ هذه الشريحة من الناس لا تمثل كل الأهالي، إذ يرى البعض أن التنظيم «أقام الحدود الشرعية ونشر العدل» ولو كان ذلك ظاهريًا، ولم تتحدث عنب بلدي إليهم خشية الملاحقة من عناصر “الدولة».
غضب سماوي
أصوات انفجارات عنيفة تهز المدينة في كل يوم تقريبًا بسب القصف المستمر، وفي الوقت الذي يرهق الناس من الأسعار المرتفعة باستمرار، تزداد ممارسات التنظيم تشددًا وتضييقًا، وآخرها إيقاف نواشر الإنترنت والإعلان عن تسجيل الذكور لإجبارهم على الالتحاق بجبهات القتال مع التنظيم.
«لقد تخلت السماء عن رحمتها وأصبحت مصدر رعب للأهالي» يعلق عبود ساخرًا، وهو ابن حي الرميلة ويعمل بائع بسطة في شوارع المدينة، ويضيف أن أوضاع الأهالي تغيرت كثيرًا منذ سيطر التنظيم عليها «توالت علينا المصائب من كل حدب وصوب حتى السماء أخذت تمطرنا بالقنابل والصواريخ”.
حكم مبرم والغارات الروسية تعمق المصيبة
أم محمد، إحدى النساء في حارات البدو، ترفض مغادرة المدينة «أين نذهب بأنفسنا وأطفالنا، ليس لدينا المال الكافي لنعيش هنا فكيف بنا في مناطق أخرى»، محاولة توضيح لجوء معظم الأهالي نحو الأراضي التركية وهي تحتاج مزيدًا من المال، وتردف «ربما يكون انتظار الموت هنا أفضل». خيار ليس سهلًا والحيرة تبدو في وجوه أغلب الأهالي الذين يقلبون أبصارهم في السماء بين الحين والآخر خوفًا من غارة مفاجئة.
“الغارات قبل أشهر كانت تتركز على مواقع ثابتة وواضحة، أما اليوم فهي تستهدف أشخاصًا وسيارات (أهداف متنقلة) ما يزيد من احتمال إصابة المدنيين”، وفق أبي حسن، الذي يعمل في سوق الخضرة قرب دوار الدلة، ويتابع “تكثيف الضربات الروسية والسورية العمياء زاد من هلع الأهالي”.
ويضيف أبو حسن بلهجة رقّية “معاد نعرف الصواب منين يجينا”، في الوقت الذي يتنقل عناصر التنظيم بين بيوت الرقة مترفهين بمال المسلمين ومتمتعين ببيوتهم.
وكانت الرقة شهدت حركة نزوح واسعة ونزيفًا بشريًا أواخر عام 2013، حين أخذت سيطرة التنظيم تظهر بشكل واضح وتنتشر ممارساته بين الأهالي، كما أن غارات الطيران الحربي السوري أسهمت في دفعهم للرحيل نحو مناطق أكثر أمنًا.
جواب في ذمة المستقبل
لا يمتلك أغلب من وجهنا إليهم سؤالنا حول مستقبل المدينة في الأسابيع المقبلة جوابًا واضحًا، لكن المدينة تحملت صراعات تفوق طاقتها ولا تزال تنتظر المزيد منها، في ظل وجود عدد كبير يقدر بعشرات الآلاف من المقاتلين التابعين للتنظيم وتخزين كميات كبيرة من الأسلحة والمواد الغذائية والطبية في مواقع تابعة له، مع وجود أبنية وكتل إسمنتية تساعد على التحصن لأسابيع وأشهر وربما لأكثر من ذلك.
في حين يجمع أغلب المحللين العسكريين على صعوبة معارك المدن وتفوق الطرف المدافع فيها على المهاجم، رغم الغطاء الناري الكثيف الذي يتوقع أن توفره طائرات التحالف للقوات المتقدمة.