ذئاب منفردة تذبح ناشطي الرقة

  • 2015/11/01
  • 1:53 م

محمد رشدي شربجي

اعتاد تنظيم الدولة إدخال بعض المصطلحات الجديدة كل حين لتقتحم بسرعة كبيرة الحياة السياسية والميدانية، وتصبح من مفردات التداول الإعلامي، ومن هذه المصطلحات التي راجت مؤخرًا مصطلح “الذئاب المنفردة”.

يعني تكتيك “الذئاب المنفردة” (وهو ليس حكرًا على تنظيم الدولة) أن ينفذ الأفراد عمليات ضد “الكفار” دون وجود رابط واضح يربط هؤلاء الأفراد بتنظيم معروف، فقط مجموعة صغيرة من الشباب تتألف من فردين أو ثلاثة لا أكثر تقتحم مجمعًا سياحيًا في باردوا في تونس، أو مطعم كوشر يهودي في باريس، أو تدهس شرطيًا في كندا أو تحتجز رهائن في مقهى في استراليا، هذا الكابوس الجديد، بحسب ما وصفته صحيفة الواشنطن بوست، اعتبره بعض المحللين الغربيين من أكبر التهديدات الجدية التي تشكلها الحركات الجهادية على الغرب، فإذا كان من الصعب جدًا مواجهة تهديدات تنظيم الدولة والقاعدة، فكيف بمواجهة مجموعات من الأفراد لا يربط بينها رابط.

يعتبر البعض أن أول من نظّر لمفهوم “الذئاب المنفردة” في السلفية الجهادية هو مصطفى ست مريم نصار (أبو مصعب السوري) في كتابه المرجعي الضخم ”دعوة المقاومة الإسلامية”، الذي ألفه بعد غزو أمريكا لأفغانستان في 2001. واعتمدت تنظيراته على التقليل من مركزية التنظيم لصالح “الجهاد الفردي”، حيث يغدو الجهاد ومقارعة “الكفار” هو الأساس بغض النظر عن التنظيم الفاعل، على عكس تنظير أبي بكر ناجي في كتابه “إدارة التوحش” في منتصف العقد الماضي الذي ركز فيه بشكل خاص على مركزية التنظيم وعلى ضرورة احتكاره واجب الجهاد، شارحًا بخطوات عملية وتكتيكية كيف من الممكن للتنظيم أن يدير ويسيطر على مناطق الفراغ “المتوحشة” التي تنحسر فيها سلطة الدولة المركزية، وكيف يجب على هذا التنظيم إزاحة “خصومه” من ميدان الجهاد.

يعتبر الباحث محمد أبو رامان أن أفكار أبي مصعب السوري أثرت بشكل خاص بتكوين جبهة النصرة فيما بعد، حتى ذهب بعض الصحفيين مثل حازم الأمين إلى افتراض أن أبا محمد الجولاني هو ذاته السوري، في حين أن أفكار أبي بكر ناجي وأبي حمزة المهاجر هي أكثر من أثّر بتكوين ونشوء تنظيم دولة الإسلام.

وبالرغم من الحقيقة السابقة، فإن هناك تقاطعات كبيرةً في مرجعيات التنظيمين، بحكم انتمائهما معًا للسلفية الجهادية، وانتمائهما تنظيميًا لسنوات للقاعدة، ولذلك فإنه من الوارد حصول بعض “الاستعارات” لبعض المفاهيم والتكتيكات، كما أن الواقع يفرض تعديلاته على الأفكار دائمًا.

يوم الجمعة الماضية أقدمت “ذئاب منفردة” على ذبح الناشط في حملة “الرقة تذبح بصمت”  الشهيد إبراهيم عبد القادر مع صديقه فارس حماد في شقتهما في مدينة أورفا التركية، الحملة التي كرست نفسها  لفضح انتهاكات “داعش” في الرقة منذ نيسان 2014 وتبعتها حملات أخرى على ذات المنوال كـ ”دير الزور تذبح بصمت” وغيرها.

على خطى النظام السوري حين قتل بنان الطنطاوي زوجة القيادي الأخواني عصام العطار في ألمانيا، أو اغتيال صلاح الدين البيطار المؤسس لحزب البعث في باريس، يسعى الدواعش لمعاقبة خصومهم بأبشع الطرق حتى لا يتجرأ أحد في داخل سوريا أو خارجها على معارضة هذا التنظيم السادي.

تثبت الأحداث مرة بعد أخرى أن تنظيم الدولة يجب أن يكون عدوًا بأولوية نظام الأسد، بل إن المعركة معه أشد لأنها معركة عسكرية ووجودية وأيديولوجية على السواء، فبسبب تستر التنظيم بعباءة الإسلام بل ومزادوته على المسلمين جميعًا بذلك، استطاع حتى اليوم اختراق خصومه كافة الذين ما زال كثير منهم من يتجنب هذه الحرب بدعوى أن الدواعش من”أخوة المنهج”.

قد لا تكون الذئاب المنفردة هي من نفذت هذه التوحش، وإنما بتخطيط مسبق من قبل تنظيم الدولة لإسكات كل من يعارضه، ولكنها تشير بكل الأحوال إلى ضرورة المواجهة “الوجودية” مع هذا التنظيم السادي، هذه المواجهة التي ستسبب في تفتت جيش الفتح حتى قبل أن تبدأ على ما يبدو.

مقالات متعلقة

رأي

المزيد من رأي