لجأت حكومة النظام السوري إلى سياسة رفع الدعم عن المواد الأساسية في سوريا، ومنها المحروقات، وزيادة الأسعار خلال الأشهر الماضية، في حين يطالب مواطنون بتخفيض الأسعار أو تثبيتها ومنع التجار من التلاعب بها بسبب الظروف الاقتصادية المتردية التي تمر بها سوريا.
ولم يسلم القطاع الصناعي، الذي يهجره عاملون فيه، من هذه الإجراءات، إذ رفعت الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية (محروقات)، في 25 من آب الحالي، سعر مبيع طن الفيول إلى 620 ألف ليرة سورية، بعد أن كان 510 آلاف ليرة، بمعدل زيادة نحو 18.8%.
ويدخل الفيول في تكاليف إنتاج العديد من القطاعات الصناعية، كصناعة الزجاج والدباغة وصناعة الأسمنت.
ويأتي القرار بعد أيام من قرار حكومة النظام منع استيراد 20 مادة لمدة ستة أشهر، منها السيراميك والموزاييك، والبلاط، وأحجار النصب والبناء، التي تحتاج صناعتها محليًا إلى مادة الفيول.
ويعد الفيول أحد المشتقات النفطية الرئيسة وأثقلها، ويستخرج منه بالتقطير التجزيئي عند درجة حرارة تتراوح بين 370 و600 درجة مئوية.
ويُستخدم لتدفئة المنازل، وكوقود للشاحنات والسفن، وبعض أنواع السيارات، ولتشغيل مولدات الكهرباء الاحتياطية في المكاتب، بالإضافة إلى محطات توليد الكهرباء.
وخفف عضو في غرفة الصناعة من أثر هذا القرار على الصناعة وأسعار المواد والسلع في السوق المحلية، بحسب ما نقلته صحيفة “الوطن” المحلية، لأن مادة الفيول بالسعر الرسمي بالأصل غير متوفرة ومعظم الصناعيين يعتمدون في تأمين هذه المادة على السوق السوداء بأسعار عالية.
وقال العضو (لم تسمه الصحيفة)، إن معظم الصناعيين غير مهتمين بتعديل سعر الفيول والأهم بالنسبة لهم هو توفر المادة أكثر من مسألة السعر.
اقرأ أيضًا: العجز يجبر النظام السوري على إدارة المواد المدعومة بثلاث طرق
قرار متوقع
ورفع سعر الفيول أمر متوقع، بحسب الدكتور في الاقتصاد والباحث فراس شعبو، فمنذ بداية 2021 اتبع النظام السوري سياسة رفع الدعم تدريجيًا عن الأدوية والأغذية والمحروقات، والآن رفع سعر الفيول.
وقال شعبو في حديث إلى عنب بلدي، إن النظام يرفع الضرائب وإيرادات الدولة، وهذه السياسة ستمتد لكل مكونات الاقتصاد التي كان يدعهما النظام في السابق.
ومن الطبيعي أن ترتفع تكلفة الإنتاج عند رفع سعر محرك أساسي في عالم الاقتصاد كالفيول، وهذا سيؤدي إلى وجود عبء على المواطن في الحصول على السلعة التي هي غير متاحة في الأساس، نتيجة انخفاض القوة الشرائية، وعدم وجود أعمال يستطيع من خلالها تأمين احتياجاته الأساسية، وتغير أولوياته التي اقتصرت على البحث عن الخبز والماء والكهرباء، بحسب شعبو.
وأضاف الباحث أن رفع سعر الفيول سينعكس بالضرر على الصناعة وسيحد من القدرة على التصدير، والنظام يطلق “رصاصة الرحمة” شيئًا فشيئًا على القطاعات الاقتصادية، نتيجة عدم إبداء المرونة في حل أي أزمة.
وأشار إلى أن النظام يرفع الدعم عن المواد ويزيد أسعارها بحجة أن الأسعار في الخارج تجاوزت المستويات في الداخل السوري، وليس لديه قدرة على استمرار الدعم.
كما أن النظام عندما أصدر موازنة عام 2021 خصص 40% منها للدعم، ما يقارب أربعة ترليون ليرة سورية ليست موجودة لديه، وبالتالي لجأ إلى تخفيض الدعم والإنفاق ومحاولة زيادة واردات الدولة لكي يستطيع الاستمرار.
ويرى الباحث أن هذه الإجراءات لن تساعد في استمرار النظام بالحد الأدنى.
وعمل النظام على تحويل علاقة الدولة بالمواطن إلى حالة تحمل المواطن مسؤولية نفسه لتأمين احتياجاته الأساسية، ولذلك سمح للموردين أو الصناعيين باستيراد المازوت والفيول لوحدهم، والبدء بالترويج للطاقة البديلة.
ومن الممكن أن يلزم النظام بعد فترة الشركات أو الصناعيين أو المنازل بتركيب الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، بحسب شعبو، لأنه غير قادر على تأمين الطاقة.
ويعاني واقع الصناعة في سوريا في الأساس من مشكلات عديدة تتعلق بعدم القدرة على توفير الطاقة وتصدير المنتجات، بالإضافة إلى الفرق بين سعر الصرف الرسمي وسعره في السوق السوداء، وغياب الحلول الحكومية لهذه المشكلات، ما دفع العديد من الصناعيين إلى مغادرة سوريا والتوجه نحو مصر.
وكانت وزارة الصناعة في حكومة النظام قدرت حجم الأضرار التي طالت القطاع الصناعي العام والخاص بسبب الحرب بأكثر من 600 تريليون ليرة سورية، (نحو 150 مليار دولار).
اقرأ أيضًا: صناعيون سوريون يهاجرون إلى مصر.. مشكلات القطاع دون حلول