الاحتكار والتهريب يتحكمان بسوق السيارات في مناطق النظام والمعارضة

  • 2015/11/01
  • 1:06 م

عامر الحلبي – دمشق

عصفت الأزمة السورية بمعظم المتطلبات الحياتية للمواطنين السوريين، بداية من توفير لقمة العيش مرورًا بارتفاع الأسعار الجنوني لمعظم السلع، الذي بلغ حدًا لا يطاق، وليس نهايةً عند شح المواد الأساسية وغياب معظمها عن الواجهة الاستهلاكية.

إلا أن “بزنس السيارات” كان له حصة الأسد في الانتعاش من رياح الأزمة، ولاسيما مع تحوله إلى أكبر البورصات لتجار بعينهم ينتشرون على امتداد الجغرافية السورية، ليعبؤوا ما بقي من شواغر في خزائنهم، سواء على حساب المواطن، أو على حساب سعر الصرف، إذ إن كمية الاستيراد تؤثر بشكل مباشر على سعر صرف القطع الأجنبي، فكلما زادت كمية الاستيراد زاد الطلب على الدولار وبالتالي ارتفع سعره.

احتكار للسيارات، احتكار لقطع التبديل، استيراد عشوائي، أسواق سوداء لنمرة السيارة، رفع الأسعار لأضعاف مضاعفة.. استيراد بشكل عشوائي.. كل ذلك في ظل غياب للرقابة على أسواق السيارات.

ارتفاع بنسبة 14 ضعف

استوردت سوريا ممثلة بحكومة النظام 4600 سيارة مستعملة بين عامي 2011 و2014، رغم ذلك تشهد أسعار السيارات اليوم ارتفاعًا كبيرًا ليس له أي مبرر وفقًا لما رصدته «عنب بلدي»، وإذا كان ارتفاع سعر الصرف هو السبب الوحيد كون ثمن السيارات يدفع بالعملة الصعبة، فإن الأخيرة ارتفعت بنسبة 5 أضعاف، فيما ارتفع ثمن السيارات أكثر من ذلك، بينما تضاعف ثمن قطع التبديل أكثر من عشرة أضعاف ليصل إلى 14 ضعف في بعض الأحيان.

وبينما كان بإمكان المواطن، من أصحاب الدخل المتوسط، أن يبتاع سيارة سياحية حديثة بمبلغ لا يتجاوز 550 ألف ليرة، وبالتقسيط على مدى خمس سنوات بدفعة مبدئية 100 ألف ليرة، فإن الأمر اليوم أصعب من ذلك بكثير، إذ ارتفع ثمن السيارة “كيا ريو” السياحية من 550 ألف إلى أكثر من مليون ونصف ليرة سورية، أما السيارة من نوع “كيا فورتي” فارتفع ثمن المستعملة منها إلى مليوني ليرة، بعد أن كان ثمنها 750 ألف ليرة في أحسن الأحوال، وبلغ ثمن السيارة من نوع “هيونداي أفانتي” ما بين 1.7 إلى 2 مليون ليرة، فيما كان ثمنها يتراوح بين 800 إلى 900  ألف ليرة.

الكلام ذاته انطبق على السيارات القديمة التي شهدت ارتفاعاتٍ أقل نسبيًا من الحديثة، إذ ارتفع ثمن سيارة “نيسان” موديل 1983 إلى 500 ألف، ومثلها سيارة “مازدا 929” التي تعود لنفس العام بلغت 600 ألف ليرة، حتى السيارات الصينية والتي يعود كرت تصنيعها إلى 2010، تجاوزت عتبة المليون ليرة، بعد أن كان سعرها 250 ألف ليرة في أحسن الأحوال، وينطبق الكلام على سيارات الأجرة، ولا سيما سيارة “سابا” الإيرانية التي يبلغ سعرها اليوم حوالي 1.2 مليون بعد أن كانت بـ 500 ألف ليرة، وتعتبر هذه السيارة مرغوبة بشدة في الأوساط السورية بسبب توفر قطع غيارها.

قطع التبديل تحلق مع الدولار

انطبق ارتفاع الأسعار أيضًا على قطع الغيار والتبديل، التي تضاعفت مراتٍ عديدة، فالمكابح الخاصة بسيارة “كيا ريو” ارتفع ثمنها من 1600 إلى 4300 ليرة، أما بطارية السيارة نفسها فارتفعت إلى 11 ألف ليرة بعد أن كانت 4500 ليرة، مضخة البنزين أيضًا ارتفعت من 1800 إلى 4700 ليرة.

أما “الشنجمان”، وهو ناقل حركة سرعة السيارة، فارتفع ثمنه من 7 إلى 16 ألف ليرة، فيما ارتفع سعر بخاخات البنزين إلى 4500 بعد أن كانت بـ 1800 ليرة، بينما ارتفع ثمن “مرش” السيارة الذي يستخدم لإقلاعها إلى 15 ألفًا بعد أن كان بـ 2200 ليرة، ويعزو التجار ارتفاع الأسعار هذه إلى ارتفاع الدولار، ولكون أغلبها مستوردًا، كما أن شركات السيارات لم تعد تقدم خدمة صيانة ما بعد البيع كون أغلبها أنهى عمله في سوريا بسبب الثورة.

تهريب السيارات المستعملة

كل هذا الارتفاع في الأسعار، كان سببه الاحتكار الواضح لقطع التبديل من جهة، والتلاعب ببيع وشراء السيارات وفقًا للدولار من جهة أخرى، حسبما يبيّن أنس الخطيب وهو تاجر لقطع التبديل، وأوضح أن مستودعات نسبة كبيرة من التجار تغصّ بالقطع المتوافرة، لكنهم يحتكرونها ويرفضون بيعها حتى بأسعار مرتفعة بغية بيعها بأسعار جنونية بوقت لاحق.

هذا الأمر ذاته حمّل المواطنين معاناةٍ جديدة للحصول على ما يحتاجونه من قطع سيارات أسعارها مرتفعة اصلًا، إذ يبيّن عمار 40 عامًا، أنه يبحث منذ شهر عن “شنجمان” لسيارته القديمة ولم يجد طلبه في الأسواق، فيما بقية سيارته مركونة أمام بيته، بالمقابل اضطر أبو خالد، أحد سكان منطقة باب سريجة، لشراء محرك لسيارته بثلاثة أضعاف نتيجة الاحتكار، الرد من المسؤولين على الموضوع كان جاهزًا بحجهم المعروفة، حيث أكد مصدر في مديرية حماية المستهلك بدمشق أن أسواق السيارات المستعملة خارج نطاق عمل مديرية حماية المستهلك بسبب غياب التسعيرة المحددة لهذه السلعة إضافة إلى أن عمليات البيع والشراء في هذه الأسواق يحكمها العرض والطلب، موضحًا أن عمل المديرية ينحصر ضمن إطار بيع وشراء السيارات الجديدة”.

تفكيك السيارات إلى قطع وتهريبها

الأمر لم يقف عند استغلال التجار، بل امتد إلى تهريب السيارات بأساليب احترافية، حيث كانت تنقل إلى دول الجوار ولبنان خاصةً لتباع هناك، إلى أن صدر المرسوم التشريعي رقم 14 الذي منع بيع السيارات في الخارج، فجاء الرد عليه بسرعة عن طريق حمل قطع السيارات القديمة إلى لبنان لبيعها هناك “كسارة”، أي قطع تبديل، بأساليب احترافية، ويبين عمار، أحد الميكانيكيين المختصين بالسيارات القديمة في حلب، أن قطع السيارات القديمة تعد بمثابة كنز حقيقي في لبنان، بسبب ندرة وجودها بعد اتجاه لبنان إلى السيارات الحديثة، إضافة إلى أسعارها المرتفعة الذي شكّل وجبة دسمة للتجار.

تهريب السيارات بالمفرّق قابله استيراد أخرى أوروبية تعمل على المازوت بالجملة، يتم شراؤها وإدخالها على الحدود بشكل فردي، دون نمرة تعريفية، وبدون إخضاعها لرقابة ورقم جمركي، حيث تباع هذه السيارات بأسعار رخيصة، فيما أكدت مصادر لعنب بلدي أن سوق “بلدة الدانا” شمال إدلب للسيارات، الذي تشكل خلال الثورة، يعتبر المعقل الأساسي لهذه السيارات الحديثة وأبرزها من طراز “نيسان” و”تويوتا”، لكن المصادر ذاتها أكدت أن نسبة كبيرة من الناس امتنعت عن شرائها بسبب عدم حملها لوحة تعريفية أو أي وثيقة ملكية، ولاسيما بعد انتشار سوق سوداء لبيع لوحات السيارات المزورة بأسعار زهيدة.

ركود في الأسواق

يشير أبو يوسف، تاجر سيارات في سوق دمشق، إلى أن حركة البيع والشراء محدودة منذ نحو أكثر من سنتين، إضافة لمحدودية العرض نتيجة حالة الترقب لأسعار السيارات وخاصة بعد الانخفاض الملحوظ الذي شهده السوق مقارنة مع النصف الثاني من العام الماضي، لافتًا إلى أن سوق السيارات في دمشق يعيش حالة من الركود، سواء في حركة البيع والشراء أو من ناحية العرض، فحركة بيع السيارات نشطت في فترة سابقة واشتد الطلب على مختلف الأنواع حيث انتقل قسم من هذه السيارات إلى خارج سوريا بهدف استعمالها، وذلك مع انخفاض سعر السيارات في سوريا مقارنة بدول الجوار، فعدم الإقبال على شراء السيارات في الأشهر الأخيرة يعود كما أوضح أبو يوسف إلى توقع الزبائن انخفاض في أسعارها جراء الأزمة والإشاعات المتعلقة بتخفيض ضريبة الرفاهية وغيرها.

وخلال استطلاع أجرته عنب بلدي في الغوطة الشرقية عن سوق السيارات، قال أبو فهد، عامل حدادة عاطل عن العمل، إنه يتمنى بيع سيارته، ولكنها لا تساوي سوى ثمن كيس من السكر (50 كيلو) لا يكفيه أكثر من أشهر قليلة، ورغم أن سعر سيارته جيد خارج الغوطة المحاصرة لكن من الصعب إخراجها من الحصار.

أما محمود، الذي يعمل في المعجنات، فيملك سيارة نوع هيونداي اشتراها “بعرق الجبين” كما يقول، فيتمنى بيعها “ولو بـ 100 ألف سوري”، ولكنه لا يجد من يشتريها نظرًا لغلاء البنزين، موضحًا أن رغبته في البيع بسبب التخوف من غارة أو قذيفة تحطم السيارة إلى الأبد “فلا تساوي فلس”.

من جهة أخرى تشهد منطقة الغوطة الشرقية عروضًا لبيع السيارات لسببين أساسيين، الأول حالة الفقر وارتفاع أسعار المواد المعيشية، والثاني رغبة المواطنين بالتخلص من كافة ممتلكاتهم بما فيها السيارات، بغية السفر، فلا شيء يمكن حمايته أو الاحتفاظ به على أرض تمطر سماؤها البراميل والقذائف على مدار الساعة.

النظام: السيارات تُهرّب للتفخيخ

بعد سيطرة فصائل المعارضة المسلحة على المعابر الحدودية الشمالية وخروجها من يد النظام السوري، بدأت تجارة إدخال السيارات أوروبية المنشأ إلى الشمال، والتي تتميز بحداثتها وانخفاض أسعارها نظرًا لعدم وجود رسوم جمركية تفرض على إدخالها، على خلاف أسعار السيارات المستوردة إلى مناطق النظام السوري.

في هذه الأثناء انتعشت بشكل واضح ظاهرة تهريب السيارات، على طول الحدود السورية سواء مع تركيا أو لبنان، يقول محسن لعنب بلدي، وهو أحد تجار السيارات شمال سوريا، ”إن السيارات التي يتم إدخالها من تركيا، تأتينا من معبر باب السلامة الخاضع لسيطرة الجيش الحر، الذين يقومون بإحضارها إلينا حيث نتفق معهم على إعطائهم مبالغ محددة، مقابل أجور النقل من تركيا إلى سوريا”، مضيفًا أن ثمن السيارات رخيص جدًا إذا ما قارناه بالسيارات المتواجدة في مناطق النظام والمرخصة نظاميًا، “فبتنا نستخدم أنواعًا من السيارات لم نكن نحلم بامتلاكها أبدًا”.

لكن هذا الاستخدام ليس الوحيد، إذ إن مصادر إعلامية رسمية صادرة من النظام السوري رجحت أن تكون معظم السيارات التي استخدمت في التفخيخ هي مهربة وليس لها أي هوية تعريف أو أوراق رسمية، وهو ما يشكل كارثة كبيرة بسبب غموض مصدر هذه السيارات أو هوية من يقف خلف استيرادها.

داعشيهرب السيارات لرفد قواته

التهريب العشوائي لم يكن حكرًا على أطراف في الحرب السورية، فتنظيم “الدولة الإسلامية” له الحصة الأكبر من التهريب، لكن ليس بدوافع اقتصادية وإنما ليرفد قواته بالمعدات الحديثة، حيث قالت قناة “آي بي سي” الأمريكية إن الأمريكيين طلبوا من شركة تويوتا مساعدتهم في الكشف عن مصدر حصول “داعش” على سيارات دفع رباعي منها، وأكدت شركة تويوتا، التي تعتبر ثاني أكبر منتج للسيارات في العالم، أنها سلمت وزارة الخزانة الأمريكية المعلومات عن سلاسل توريد السيارات إلى الشرق الأوسط والإجراءات الأمنية التي تتخذها لمنع وقوع السيارات في أيدي أشخاص قد يستخدمونها في أنشطة عسكرية أو إرهابية، وفي السياق، قال المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية، العميد سعد معن، إن بغداد تشتبه بأن وسطاء بيع سيارات من خارج العراق يعملون على تهريب سيارات تويوتا إلى أراضي البلاد، مقرًا بأن الدولة عاجزة عن السيطرة على حدودها مع سوريا، إلا أن الشركة أكدت عبر وكيلها في سوريا أنها توقفت عن توزيع السيارات في الداخل السوري منذ 2012.

مقالات متعلقة

في العمق

المزيد من في العمق