عبد الكريم مهنا – دمشق
تعيش ثلاث عوائل تضم 15 نازحًا سوريًا في منزل يفتقد لأبسط شروط الحياة في منطقة بيادر نادر المتاخمة لداريا في دمشق، ولا يوجد لهم سوى إبراهيم (خريج كلية اقتصاد)، الذي بات متكفلًا بأمه وإخوته وعوائل شقيقيه الذين ارتقوا في معركة الرصافة في آذار 2012.
تعيش العائلة ظروفًا صعبة، فلا معيل لها إلا هذا الشاب الذي اضطرته الظروف وغلاء الأسعار للعمل في أكثر من جهة لسد النفقات اليومية، فمنذ 4 سنوات واستمرار ارتفاع الأسعار والفواتير حديث الناس اليومي، فهي الكابوس الضاغط على دخل المواطنين الحقيقي والهاجس اليومي، فكمية الحاجات الرئيسية باتت تتناقص يوميًا في ظل محدودية الدخل، كما أن نوعية السلع التي يحتاجها المواطنون في تراجع مضطرد، ما أدى إلى تغير العادات الاستهلاكية.
معاملة قوات النظام
يفتقد منزل العائلة للماء والكهرباء، ويقع في أحد الحقول على بعد 4 كلم عن البلدة، على الطريق الذي يصلها بين داريا وبساتين كفرسوسة، وتؤمن العوائل حاجتهم من الماء من من بئر في الحقل، فيما وفر المحسنون احتياجات المنزل بحسب إبراهيم.
يروي إبراهيم الصعوبات الكبيرة التي واجهته في الانتقال من مدينة موحسن في دير الزور للوصول إلى العاصمة، حيث كانت حواجز النظام تعاملهم كمجرمين وفارين من العدالة، إذ اضطر في كثير من الأحيان إلى دفع مبالغ مالية لتأمين وصول ما تبقى من أفراد الأشخاص المسؤول عنهم إلى وجهتم الجديدة.
يعمل دوامين
توقع إبراهيم أن تكون ظروف العيش في دمشق أسهل من دير الزور إلا أن الغلاء الفاحش دفعه للعمل بأحد مطاعم باب توما إضافة إلى عمله الأساسي كموظف بريد، حيث تمكن مع مساعدة أهالي المنطقة التي يقطنها من تأمين أساسيات العيش له ولعائلته وللأيتام، الذين باتوا جزءًا أساسيًا من كل بيت سوري، إذ لا يكاد يخلو منزل سوري من وجود أيتام وأرامل مع انقضاء نصف عقد على الثورة.
توقيف على حواجز النظام
تروي أم إبراهيم، التي كانت تتشح بالسواد، كيف أصابتها حالة رعب عندما تم توقيفها أثناء وصولها إلى دمشق، ولكنها تضيف “بعد ذلك شعرت بأنني مطالبة بأن أكون أكثر قوة فأنا اليوم مسؤولة عن أيتام وأرامل وهذا ما كان بالفعل”.
وتصر السيدة، التي لا تفارق الابتسامة محياها، على فكرة التشبث بالبقاء داخل سوريا، رغم أن موجة الغلاء التي لا تكاد تتوقف، دفعتها وزوجات أبنائها الشهداء للعمل ببعض الأعمال الموسمية التي يتم إنجازها من المنزل، كتجهيز الخضراوات وجعلها جاهزة للبيع في أسواق الشعلان وسط دمشق.
وتقول أم إبراهيم بحرقة “في زمن ليس ببعيد، أي قبل وصول الأسد الأب للسلطة، كان للمرأة السورية دور بارز بين النساء العربيات، فقد ظهرت بأرقى شكل لها، وامتازت بحضورها وثقافتها في جميع الجلسات التي كانت تقام، من حفلات شعرية وأمسيات أدبية وعروض أزياء وملتقيات طبية وغيرها، فكان لها كل التقدير وخاصة في مجالَيْ الإعلام والتمثيل، وفرضت لنفسها مقعدًا مهمًا عند دول الجوار”.
استغلال السوريات
وتتابع أم ابراهيم، “هذا لم يكن حديثًا في تاريخ المرأة السورية فقد كانت منذ آلاف السنين السيدة الأعلى في المجتمع، وأقيمت المعابد لتكريمها ورفع شأنها، وكان لها قدر كبير من الاحترام والتقدير، والآن بعد كل هذه القرون، أغلبية النساء تحاول أن تعمل كل ما بوسعها لأجل أسرتها ولملمة الجروح في العائلة، لكن بعضهن يضطررن للعمل في أعمال خدمية أو غير صحية، فيتم استغلالهن”.
يبحث إبراهيم اليوم عن فرصة عمل ثالثة يستطيع إنجازها ضمن ساعات عمله الطويلة في وظيفته وعمله كمحاسب في مطعم، وذلك في ظل ارتفاع جنوني للأسعار، سيما وأن سعر صرف الدولار يلامس للمرة الأولى عتبة 350 ليرة مقابل الولار الواحد.
في انتظار ما ستؤول إليه الوعود الدولية بإقصاء النظام عن الحكم وإيجاد البديل المناسب وفقًا للمطالب الشعبية، وللثورة التي كلفت دماء ما يقارب نصف مليون شهيد، سيضطر إبراهيم للبحث عن كل سبل العيش الممكنة بعد أن باعت العائلة كل ما تملك من مصوغات ذهبية لتتمكن من سداد الإيجار الشهري.