الانتشار العسكري في درعا يفرض واقعًا جديدًا على المزارعين
منذ بداية التصعيد للنظام في محافظة درعا جنوبي سوريا، في حزيران الماضي، بدأ بتعزيز نقاطه العسكرية في المحافظة، التي امتدت معظمها في المناطق الزراعية.
ويعتبر التموضع في مناطق مفتوحة وتحصينها لاحقًا أكثر أمانًا بالنسبة للنقطة العسكرية، إذ يصعب بعد تحصينها التقدم إليها في حال شن هجوم تجاهها.
لهذا الأسلوب من التحصينات جوانبه الإيجابية والسلبية من الناحية العسكرية، إلا أن أثره السلبي ألقى بظلاله على مزارعي المنطقة.
وكان آخر هذه التعزيزات، في 17 من آب الحالي، عندما عززت قوات النظام مواقعها في منطقة تل السمن، وحاجز “العنفة”، والحاجز “الرباعي”، الواقعة في منطقة زراعية تمتد من شمالي طفس حتى غربي داعل، وصولًا إلى قرية الشيخ سعد شمالًا، في محاولة للإعداد لمرحلة ما بعد درعا البلد.
الأمر الذي فرض قيودًا على المزارعين، بحسب حديث أحد مزارعي المنطقة لعنب بلدي، فمن خلال توسيع المواقع العسكرية في ريف المحافظة، يتخوّف المزارعون على ممتلكاتهم من السرقة أو مصادرة سياراتهم غير المرخصة.
واقع جديد فُرض على المزارعين
تعتبر المنطقة المحيطة بمدينة طفس من أهم المناطق الزراعية في درعا، لكثرة الآبار فيها، ومياه السدود كسد “غربي طفس”، وكذلك قربها من سوق “الهال” في المدينة، إذ أثّر انتشار قوات النظام في المنطقة على حركة المزارعين وخاصة ليلًا.
وصار مزارعو المنطقة غير قادرين على الحركة بسياراتهم “غير المرخصة” والدراجات النارية، خوفًا من مصادرتها بحجة عدم وجود أوراق قانونية أو ترخيص قانوني، بالإضافة إلى حالات السرقة للمعدات الزراعية من قبل عناصر تابعين للنظام تمركزوا في المنطقة.
ويتخوف سليمان (38 عامًا) على مصير محصوله الصيفي، إذ قال لعنب بلدي، “لو كنت أتوقع انتشار الجيش بهذه المناطق لما غامرت وزرعت محصول الباذنجان والذرة. محصولي معرض للسرقة”.
التصعيد العسكري في درعا لم ينتهِ بعد، ومن المحتمل نشوب مواجهات عسكرية في المنطقة قد تزيد الأمر سوءًا.
وأضاف سليمان أنه نقل معداته الزراعية فور رؤيته لقوات النظام تنتشر في المنطقة، خوفًا عليها من السرقة، وبطبيعة الحال، فإن القوات العسكرية تمنع وجود المزارعين ليلًا في محيطها، بينما يتجول عناصر النظام في البساتين المحيطة، ما زاد من حوادث السرقة في المنطقة.
وكان نديم (30 عامًا) مقبلًا على زراعة موسمه الزراعي من الخس والثوم، تمهيدًا للشتاء المقبل، إلا أن قدوم قوات النظام إلى المنطقة ثناه عن فكرته، إذ قال لعنب بلدي، إن وجود هذه التعزيزات وازدياد حالات السرقة دفعه لعدم الزراعة في هذه المنطقة رغم توفر المياه والأراضي الخصبة.
بينما أشار سليمان إلى عدم تمكنه من زيارة أرضه الزراعية كما في السابق عبر سيارته (غير النظامية) خوفًا من مصادرتها من قبل قوات النظام، ويستقل اليوم دراجة نارية يسلك بها طرقًا زراعية فرعية للابتعاد عن مواقع وجود التعزيزات.
المزارع عبد العزيز (40 عامًا)، قال لعنب بلدي، إن أغلب العمال الذين يعملون بأجور يومية (المياومة)، صاروا يخشون الذهاب إلى العمل في هذه المناطق خوفًا من الاعتقال أو من حدوث اشتباك أو قصف ربما تتعرض له المنطقة.
وتنتشر في محافظة درعا السيارات التي يطلق عليها السكان المحليون اسم “قصة”، إذ تستورد هذه السيارات على شكل قِطع كمحرك وهيكل أمامي دون قواعد هيكل السيارة (شاسيه)، ويُعدّل المزارعون على هيكلها عن طريق تركيب “شاسيه” لتصبح شبيهة بالسيارات الزراعية النظامية، ولكنها مخالفة من الناحية القانونية والفنية، وتخضع للمصادرة في حال اكتشافها من فرع المرور.
وفي ظل غياب شرطة المرور في أرياف درعا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، انتشر هذا النوع من السيارات والآليات الزراعية، وخاصة بين المزارعين، إذ لا تتجاوز تكلفتها عشرة ملايين ليرة سورية (حوالي 2300 دولار أمريكي)، بينما يصل سعر السيارة الزراعية النظامية إلى أكثر من 35 مليون ليرة سورية (أكثر من عشرة آلاف دولار أمريكي).
الزراعة من متطورة إلى بدائية
تحولت الزراعة في درعا من بدائية إلى متطورة، تُستخدَم فيها شبكات التنقيط، والري بالرذاذ، وانعكس ذلك على الإنتاجية والجودة حتى تجاوزت المحافظة الاكتفاء الذاتي، وصارت تصدّر الخضار والفواكه إلى المحافظات السورية ودول الجوار.
ولكن بعد تدهور القيمة الشرائية لليرة السورية مقابل الدولار، خلال الأعوام العشرة الماضية، خاصة خلال عام 2020، ارتفعت أسعار المواد الأولية اللازمة للزراعة الحديثة.
وكذلك ارتفعت أسعار الوقود وأجور العمال، وأسهم هذا الارتفاع بإبعاد صغار المزارعين عن مواكبة التطور الزراعي.
وكان مدير مديرية زراعة درعا، عبد الفتاح الرحال، أعلن في أيار الماضي، عبر وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن الخطة الإنتاجية للمديرية، خلال العام الحالي.
واعتبر الرحال أن أهم سمات الخطة الإنتاجية المقترحة زيادة مساحة المواسم الشتوية، بنسبة 5%، على حساب الموسم الصيفي، لزيادة مساحات القمح وتقليل استهلاك المياه والمحروقات والأسمدة، دون التطرق إلى مقترحات تخص مساعدة المزارعين على تحمل النفقات.
بينما أسهم التصعيد الأخير في مدينة درعا البلد، منذ 27 من تموز الماضي، بتدهور الوضع المعيشي في المدينة وريفها، جراء الحصار الذي يفرضه النظام وتكثيف وجوده العسكري في الريفين الشرقي والغربي.
وتعرضت حواجز النظام ونقاطه العسكرية في أرياف درعا إلى هجمات مباغتة شنها مقاتلون محليون أدت إلى أسر المئات من عناصر قوات النظام وخسارته ما يقارب 60% من مواقعه العسكرية في الريفين الشرقي والغربي.
بينما لا تزال مدينة درعا البلد تشهد حصارًا خانقًا يشمل جميع المواد والسلع الأساسية من ماء وكهرباء وخبز لليوم الـ63 على التوالي، وسط فشل مستمر في المفاوضات التي تحاول روسيا أن تكون ضامنة لها، والتي لم تلقَ أي تقدم حتى اليوم.
شارك مراسل عنب بلدي في درعا حليم محمد في إعداد هذا التقرير
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :