عنب بلدي – علي درويش
تصاعدت وتيرة الأحداث في محافظة درعا بعد الرفض الشعبي لانتخابات النظام، التي جرت في أيار الماضي، وانتهت ببقاء رئيس النظام، بشار الأسد، في سدة الحكم.
عمليات اعتقال وحصار وقصف شهدتها عدة مناطق في المحافظة، إلا أن التركيز الأكبر للتوترات كان في أحياء درعا البلد، بمركز المحافظة.
وبرز دور “الفرقة الرابعة” في قوات النظام التي يقودها ماهر الأسد شقيق رئيس النظام، والمحسوبة على إيران كقوة رئيسة في عمليات القصف والاقتحام، إلى جانب “الفرقة التاسعة” والأجهزة الأمنية (المخابرات الجوية والأمن العسكري).
إذ تتركز حواجز هذه التشكيلات في محيط مدينة درعا والريف الغربي، أما الريف الشرقي فهو ملعب الروس بوجود “اللواء الثامن” التابع لـ”الفيلق الخامس” المشكّل روسيًا تحت قيادة النقيب أحمد العودة.
وتزامنًا مع عمليات القصف، كانت “اللجنة الأمنية” للنظام تتفاوض مع “اللجنة المركزية” في درعا، وبينما يجري الحديث عن تعطيل إيراني للاتفاقيات، كان الروس العنصر الأساسي في عمليات التفاوض، رغم غياب حضورهم عسكريًا.
تنافس في المصالح والغنيمة واحدة
محافظ درعا السابق في أثناء سيطرة المعارضة، علي الصلخدي، وصف، في حديث إلى عنب بلدي، ما يجري في المحافظة بأنه “صراع روسي- إيراني بامتياز”، مستدلًا على ذلك بأن “اللجنة المركزية” كانت تفاوض في البداية رئيس “اللجنة الأمنية”، حسام لوقا، وقائد “الفرقة الخامسة” الموجودة في درعا والسويداء، اللواء مفيد حسن.
واتفق الطرفان على وضع ثلاثة حواجز أمنية وتسليم 60 قطعة سلاح وإجراء “تسويات”، لكن في الجولة الثانية عدّل لوقا وحسن من مطالبهما بنشر تسع نقاط، أربع منها أمنية وخمس عسكرية، وتسليم 160 قطعة سلاح مع تهجير عدد من الأشخاص إلى الشمال السوري.
وتعني الحواجز الأمنية وجود عدد من العناصر بسلاح متوسط وخفيف، أما العسكرية فتتضمن سلاحًا ثقيلًا.
ثم توصل الطرفان لنشر خمسة حواجز، منها ثلاثة حواجز أمنية وحاجزان عسكريان، وتسليم 160 قطعة سلاح، لكن المفاجأة كانت بهجوم “الفرقة الرابعة” من الجهة الغربية لدرعا، و”الفرقة التاسعة” والقوى الأمنية من شرقها، وذلك دون تنسيق مع “لجنة النظام الأمنية”، حسبما تحدث به لوقا لـ”اللجنة المركزية” (الممثلة للأهالي في درعا).
ويرى الصلخدي أن ما حصل نقل الصراع الروسي- الإيراني من الخفاء إلى العلن، إذ توجه الروس إلى تقديم دعم أكبر لـ”اللواء الثامن”، ويحاولون حاليًا تشكيل ألوية تتبع لهم بعد تواصلهم مع بعض الشخصيات.
ويستمر حصار قوات النظام لأحياء درعا البلد منذ أكثر من 60 يومًا، قطع النظام خلاله المياه والكهرباء والطحين، وسط انهيار القطاع الصحي في الأحياء المحاصرة.
وكان الوفد الروسي في درعا البلد طرح، في 15 من آب الحالي، على لجان المفاوضات “خارطة طريق” تضمنت إجراءات العمل مع النظام وأجهزته الأمنية، والإجراءات التي ستُتخذ بحق قوات المعارضة المحلية، والتي تضمنت إخراجهم إلى الشمال السوري وتسليمهم أسلحتهم.
وأعدّ ممثل الوفد الروسي قائمة بالأشخاص الذين تمت “تسوية” أوضاعهم، ولائحة بأسماء غير الراغبين بـ”تسوية” أوضاعهم، ولائحة بأسماء المنشقين، ولائحة بأسماء المطلوبين للخدمة الإلزامية، وأخرى بأسماء المواطنين الذين يخرجون من حاجز “السرايا”.
وتقرر، بحسب بنود “خارطة الطريق” التي وصلت إلى عنب بلدي نسخة عنها، اعتبار حاجز “السرايا” ممرًا إنسانيًا لمن يرغب بالخروج من البلد فقط، على أن يتم تغيير الاتفاق ليصبح للخارجين والداخلين في الأيام المقبلة.
وقوبلت “خارطة الطريق” الروسية برفض شعبي، إذ أوضح أحد وجهاء درعا “أبو علي محاميد”، لعنب بلدي، أنها لا يمكن أن تحظى بقبول أهالي درعا البلد بشكلها الحالي، كما لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع بسبب وجود معوقات كثيرة.
وأشار محاميد إلى طلب الروس تسليم الأسلحة بالتزامن مع وجود الميليشيات التابعة لإيران وقوات النظام في محيط المدينة من كل جانب، معتبرًا أن غياب ضمانة عدم محاولة هذه الميليشيات اقتحام المدينة يشكّل عائقًا إضافيًا أمام تطبيق بنود الاتفاقية.
وبالمقابل، طالبت “اللجنة المركزية” بالعودة إلى اتفاق تموز 2018، الذي ينص على الإفراج عن جميع المعتقلين، ورفع المطالب الأمنية، وسحب الجيش إلى ثكناته.
وعلى الرغم من “التهدئة” (مقترح خارطة الطريق)، فإن قوات النظام استمرت في استهداف أحياء درعا البلد، ما أدى إلى قتلى وجرحى بين أهالي المنطقة.
كما استقدمت قوات النظام تعزيزات إضافية إلى محيط درعا البلد، مزوّدة بسيارات محملة براجمات صواريخ تتبع لـ”الفرقة الرابعة”.
وقال قيادي سابق في “الجيش الحر” (تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية) في حديث إلى عنب بلدي، إن للنظام هدفين من هذه التعزيزات، الأول إرهاب السكان ولجنة المفاوضات، خاصة أن وسائل موالية تعمدت بثّ صور ومقاطع مصوّرة لهذه التعزيزات.
أما الهدف الثاني فهو تحصين شرقي درعا من جهة بلدتي النعيمة وأم المياذن، تحسبًا لأي هجوم من مقاتلي الريف الشرقي.
تنسيق وتعاون
الخبير العسكري العميد عبد الله الأسعد، لا يرى وجود تنافس روسي- إيراني في درعا، إذ يعتبر “الأمر متفقًا عليه من قبل الروس، والخطة جاءت من دمشق بإشراف مستشارين روس، وقرار إرسال تعزيزات (الفرقة الرابعة) إلى درعا، قرار روسي أيضًا بوجود الضباط والمستشارين الروس”.
وقال العميد عبد الله الأسعد، في حديث إلى عنب بلدي، إن الروس هم أصحاب القرار في درعا، والميليشيات الإيرانية والعناصر الأجانب المدعومون من إيران والموجودون في “الفرقة الرابعة” عبارة عن “بندقية مأجورة”.
فالروس يريدون مكاسب جيوسياسية، أما الإيرانيون فيريدون مكاسب عقائدية بنشر التشيع و”المرتزقة” في الجنوب السوري، أما النظام فيريد بقاء عناصره في المنطقة.
ولم يستخدم الروس الطيران لعدة أسباب أوضحها الأسعد، منها “تكتيكية” لأن مساحة الأرض صغيرة، والاتفاق الذي جرى بين الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل بحضور أردني، يقضي بأن يكون لدرعا وضع خاص، يمنع وجود عناصر مقاتلين فيها، لأن إسرائيل تريدها حديقة خلفية آمنة.
ومنذ العام 2018، لم يستطع النظام إدخال عتاد ثقيل إلى ألوية المناطق المحيطة بإسرائيل، وهذه المنطقة يمنع فيها إجراء أعمال قتالية كونها محاذية للأردن وإسرائيل.
لكن نقاط تمركز الميليشيات الإيرانية والأفغانية والباكستانية التي يقودها “الحرس الثوري الإيراني”، بالإضافة إلى نقاط “حزب الله” اللبناني، ازدادت أكثر من الضعف، إذ كانت 40 نقطة أمنية وعسكرية في آب 2018، وأصبحت في آب الحالي 88 نقطة، حسب دراسة نشرها مركز “جسور للدراسات”.
وجاء في الدراسة، أن الضمانة الروسية التي أقرها التفاهم الدولي حول درعا والقنيطرة تقتضي منع التغيير الديموغرافي، وإبعاد “الحرس الثوري” و”حزب الله” عن هضبة الجولان مسافة 85 كيلومترًا، إضافة إلى عدم السماح لتلك القوات بالتمدد جنوبي سوريا.
وهو مخالف لاتفاق تموز 2018 بين روسيا وفصائل المعارضة السورية، وبموجب تفاهم روسي– أمريكي– إسرائيلي– أردني، بضمانة روسية.