عنب بلدي – خالد الجرعتلي
تتشابه ظروف “التسوية” في محافظة درعا جنوبي سوريا، عام 2018، مع ريف حمص الشمالي في نفس العام، التي أنهى النظام السوري عبرها وجود المعارضة المسلحة رسميًا في المنطقة، لكنه أبقى على بعض المقاتلين السابقين الذين انضووا في “التسوية” وتحولوا إلى مقاتلين مدرَجين في ألوية الجيش والفصائل المحلية الموالية للنظام.
هذه السياسة أبقت على بذور لانتفاضة ممكنة في المنطقة، تواجه النظام السوري عسكريًا، وهو ما يتخوف منه النظام السوري اليوم، خاصة بعد أحداث درعا، التي يحاول مقاتلون محليون فيها فرض شروطهم بـ”تسوية” جديدة.
وكان النظام السوري، مع بداية عام 2018، بدأ بالضغط على ريف حمص الشمالي للدفع بترحيل مقاتلي المعارضة إلى الشمال السوري، فشنّ، مدعومًا بسلاح الجو الروسي، حملة أدت إلى توقيع اتفاقية “تسوية” برعاية روسية في أيار 2018.
وشمل الاتفاق تسليم كامل السلاح الثقيل، وخروج عناصر فصائل المعارضة مع عائلاتهم بأسلحتهم الفردية فقط، وسمح ببندقية لكل مقاتل قرر الخروج، بينما سمح بحيازة المسدسات للضباط المنشقين بالإضافة إلى البندقية الرشاشة.
وخلال بدء تطبيق بنود الاتفاق، عمد الكثير من سكان ريف حمص ممن قرروا البقاء في المنطقة إلى إخفاء بعض الأسلحة عن طريق دفنها في الأراضي الزراعية في حال الحاجة إليها مستقبلًا.
نموذج مشابه لـ”تسوية درعا”
أحد أكبر الفصائل العاملة في ريف حمص كان فصيل “جيش التوحيد” الذي كان يتخذ من مدينة تلبيسة مقرًا له، واعتبر الفصيل الوحيد الذي بقي بتشكيلاته العسكرية بضمانات روسية، إذ حصل عناصره على بطاقات أمنية من الجانب الروسي، تخوّلهم حيازة الأسلحة.
واعتُبر قائد الفصيل، منهل الصلوح، النموذج الحمصي من قائد “اللواء الثامن” التابع لروسيا في درعا، أحمد العودة، إذ صار الصلوح يتردد إلى قاعدة “حميميم” الروسية في اللاذقية.
ومع مضي ستة أشهر على “التسوية”، وُجهت اتهامات للصلوح وفصيله بالضلوع بعمليات تهريب المخدرات مع تجار محسوبين على “حزب الله”، الأمر الذي أدى إلى اعتقاله، ليفرَج عنه لاحقًا بوساطة روسية.
ومع مرور ستة أشهر أخرى على “التسوية”، عاد منهل الصلوح للعمل في تجارة المخدرات، مستغلًا البطاقة الأمنية التي منحها له الروس، ما أدى إلى اعتقاله متلبسًا عبر كمين نُصب له، وهو ما تسبب برفع الحصانة عنه من قبل القوات الروسية.
ولكن لأحد قياديي فصيل “جيش التوحيد” رأي آخر في رواية الاعتقال، إذ قال المصدر الذي تحفظ على اسمه لأسباب أمنية، لعنب بلدي، إن التهمة دُبرت للصلوح من قبل النظام السوري، لأن الأخير لا يريد وجود فصيل عسكري لا يمكنه السيطرة عليه في المنطقة، مع الحصانة المقدمة له من قبل الروس.
ولذلك عمل النظام على تفكيك الفصيل، فتحوّل مقاتلون منه إلى مرتزقة يقاتلون في ليبيا بالتناوب، كما سُحبت البطاقات الأمنية الروسية من العناصر، واعتُقل قسم كبير من قادة الفصيل وأودعوا سجن “صيدنايا”، بينما سُجن منهل الصلوح في سجن “المزة العسكري” وما زال فيه حتى اليوم، بحسب القيادي.
ورجح القيادي أن من تبقى من فصيل “جيش التوحيد” صاروا اليوم خلايا نائمة تعمل في الخفاء بمناطق سيطرة قوات النظام، وتستهدف ضباطه وعناصره الأمنيين في المنطقة.
النظام يعي القادم.. لكن لا يملك الكثير
زادت المفارز الأمنية من استنفارها في حمص وريفها الشمالي، إذ حصلت عنب بلدي على معلومات تتحدث عن زيادة عدد عناصر المفارز الأمنية بمقدار الثلث، وزيادة العتاد العسكري الممنوح لهذه المفارز بضعف الكميات السابقة.
وتوجه الجهات الأمنية أوامرها لعناصرها وللمخبرين المتعاونين معها لأخذ الحيطة والحذر خوفًا من استهدافات محتملة، والبقاء على استعداد لمؤازرة المفارز الأمنية في حال لزم الأمر.
وفي حديث إلى عنب بلدي، قال الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية العقيد إسماعيل أيوب، إن النظام السوري يعي حالة الغليان الشعبي في المنطقة التي يخلّفها الوضع الأمني والمعيشي السيئين، إلا أنه لا يملك الكثير ليقدمه لأبناء المحافظة.
وفي النهاية، لا يعتقد أيوب أن النظام سينتظر طويلًا حتى يشهد “ثورة شعبية” جديدة في حمص لكثير من الأسباب، أولها الوضع المعيشي المتردي وآخرها تصدير الحلول الأمنية التي يتبعها النظام بشكل دائم، وزج شباب المحافظة على جبهات القتال.
ولم يرجح أيوب أن يحول النظام التوترات في حمص إلى صدام عسكري مع أبناء المنطقة، لأنه يعي واقع مناطق “التسوية”، ورجح أن تقتصر نشاطات النظام على الاعتقالات الفردية، والتحقيقات الأمنية، دون اتباع سياسة العقاب الجماعي كما حصل في درعا.
استقرار هش في الريف الشمالي
بعد سيطرة النظام على محافظة حمص استقر الوضع الأمني في المنطقة بشكل جزئي، باستثناء عمليات الاغتيال بحق عناصر من النظام التي تحدث بين الحين والأخر، وكتابات مناوئة للنظام على الجدران.
وبناء على هذه النشاطات الأمنية، عقدت قوات النظام اجتماعًا موسعًا في مدينة تلبيسة، في 13 من آب الحالي، ضم ممثلين عن مدن وبلدات ريف حمص الشمالي ولجنة من ضباط اللجنة الأمنية في محافظة حمص.
وأفاد مراسل عنب بلدي في حمص آنذاك، أن اجتماعًا أمنيًا جمع بين ضباط من النظام ووجهاء من ريف حمص الشمالي، طالبت لجنة النظام الأمنية خلاله وجهاء ريف حمص بمساعدتها لإلقاء القبض على الخلية التي تنفذ عمليات الاغتيال.
وهددت اللجنة بإطلاق عملية أمنية تعتقل من خلالها كل المشبوهين، في حال لم يستجب وجهاء المنطقة، في حين نفى الوجهاء المقربون من النظام أصلًا معرفتهم بنشاط هذه الخلايا أو هوية عناصرها.
وقالت اللجنة الأمنية خلال الاجتماع، إنها تنوي تنفيذ حملة اعتقالات تطال 60 اسمًا، ممن تشتبه بضلوعهم في عمليات الاغتيال الأخيرة.
وكان فصيل يطلق على نفسه اسم “سرايا 2011″، تبنى، في 12 من آب الحالي، اغتيال عنصر من قوات النظام السوري، عُثر على جثته في مدينة تلبيسة، بعد اختطافه، بالقرب من إحدى المدارس شرق المدينة.
كما تبنّت المجموعة ذاتها العديد من العمليات التي استهدفت قوات النظام في ريف حمص، مثل العملية العسكرية التي أدت إلى مقتل المساعد أول أيوب أيوب، في 4 من تموز الماضي، في مدينة الرستن.
استنفار أمني وتعزيزات عسكرية
استقدمت قوات النظام تعزيزات عسكرية إلى الريف الشمالي لحمص، في إطار الحد من عمليات الاغتيال التي تصاعدت وتيرتها خلال الشهرين الماضيين.
وقال مراسل عنب بلدي في حمص، إن قوات النظام عززت، منذ 15 من آب الحالي، مواقعها العسكرية في ريف حمص، وأُمرت برفع الجاهزية في المفارز الأمنية بمدينتي الرستن وتلبيسة وما حولهما.
ودعمت قوات النظام بعض الحواجز الرئيسة في سهل الحولة ومدينتي تلبيسة والرستن بالعربات الثقيلة والدبابات وعربات “شيلكا”، واستقدمت عناصر من “الفرقة 18” الواقعة على طريق تدمر، وعناصر آخرين من كتيبة “المهام الخاصة” المتمركزة شرق قرية الغنطو.
وقال مصدر محلي من سكان قرية تلدو في سهل الحولة لعنب بلدي (تحفظ على اسمه لدواعٍ أمنية)، إن قوات النظام عززت الحاجز الرئيس في مدينة كفرلاها بعربة “شيلكا”، ووضعت دبابة وعربة مدرعة من نوع “BMP” في حاجز “البايرلي” بالمدخل الشمالي للقرية.
بينما أُعيد نصب حاجز على جسر مدينة تلبيسة، وعادت قوات النظام وانتشرت في النقاط المحيطة بالحاجز، مع تعزيزها بعربات مدرعة من نوع “PTR”، وكُثّفت دوريات الحراسة في محيط النقاط.
أسهم مراسل عنب بلدي في حمص عروة المنذر بإعداد هذا التقرير