مع اقتراب بدء العام الدراسي..
أهالي حي طي لا يجدون مدارس بديلة لأبنائهم
القامشلي – مجد السالم
يجري إبراهيم محمد (39 عامًا)، من سكان حي طي في مدينة القامشلي، عدة اتصالات هاتفية مع أصحاب سيارات الأجرة، ويدخل معهم في “بازار” لتحديد الأجرة الشهرية لنقل أبنائه الثلاثة إلى إحدى المدارس الابتدائية التي لا تزال تعتمد المناهج الدراسية لوزارة التربية التابعة للنظام السوري، وفي النهاية لا يتفق مع أي أحد منهم بعد الأسعار المرتفعة التي طلبوها.
في العام الدراسي الماضي كانت المدرسة تبعد عن منزل إبراهيم محمد 150 مترًا فقط، لكن هذا العام سيتوزع أبناؤه على عدة مدارس، وربما يضطر لتسجيل بعضهم في إحدى القرى التي يسيطر عليها النظام السوري.
قال إبراهيم محمد لعنب بلدي، إن سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) على حي طي مؤخرًا أوجدت مشكلة لم تكن في الحسبان، فآلاف الطلبة من المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية سيبحثون عن بديل عن المدارس التي استولت عليها “الإدارة الذاتية”، ما يعني أعباء مادية مرهقة على أولياء الأمور.
وفي نيسان الماضي، سيطرت “قوى الأمن الداخلي” (أسايش) التابعة لـ“الإدارة الذاتية”، على معظم حي طي في القامشلي، بعد عدة اشتباكات مع ميليشيا “الدفاع الوطني” الرديفة لقوات النظام السوري.
وتحول “قسد” أغلب المدارس المخصصة لتقديم خدمة التعليم إلى مراكز عسكرية، كما أن منهاج “الإدارة الذاتية”، الذي طُرح العام الماضي، أثار جدلًا في مناطق شرق الفرات، بسبب تناوله لبعض القضايا من منحى تحفّظ عليه السكان، واعتبروه مسيئًا للثقافتين العربية والإسلامية، من خلال قضايا علم “الجنولوجيا”، وهو علم يختص بالمرأة ودورها في الحياة الندية المشتركة مع الرجل.
واحتوى أحد كتب “الإدارة الذاتية” في المرحلة الإعدادية على خريطة “دولة كردستان”، تضم أجزاء من سوريا بتوجه قومي أزعج العرب وبعض المكونات المجتمعية في شرق الفرات، ورفضه بعض المعلمين.
تكلفة اقتصادية عالية
لا يرغب إبراهيم محمد بأن يتلقى أبناؤه منهاجًا مختلفًا عن الذي تقدمه وزارة التربية التابعة للنظام، لكن وسيلة النقل تبقى عائقًا أمامه.
فسيارة الأجرة تكلّف 25 ألف ليرة سورية عن كل طالب (حوالي سبعة دولارات)، وفي ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية يتساءل إبراهيم محمد كيف يمكن تأمين تلك المصاريف، التي سيضاف إليها تكلفة شراء القرطاسية وغيرها، في الوقت الذي يصعب فيه تأمين الاحتياجات الأساسية للعائلة.
وكان الحي يضم ثلاث مدارس، منها اثنتان فقط كانتا ضمن الخدمة التعليمية وتدرّسان المناهج التابعة للنظام، في حين حوّل “الدفاع الوطني” الثالثة إلى مقر عسكري منذ ثماني سنوات، على الرغم من أن المدارس مكتظة بالطلبة، وأُحدث دوامان صباحي ومسائي لاستيعاب الأعداد الكبيرة التي كانت تأتي من بقية أحياء المدينة التي تسيطر عليها “قسد”، وفق ما قاله أحد المدرّسين في الحي لعنب بلدي، والذي تحفظ على نشر اسمه لأسباب أمنية.
“الآن كل المدارس في الحي صارت بلا تعليم حكومي”، قال المدرّس، مضيفًا أن هناك محاولات من قبل أهالي الحي والمدرّسين للتفاهم مع “الإدارة الذاتية” وطلب تأجيل تدريس مناهجها إلى العام المقبل، دون أن يتوقع الحصول على نتيجة إيجابية.
حلول بديلة في المدارس الريفية
بحسب ما رصدته عنب بلدي من آراء سكان الحي، فإن الأغلبية منهم سيعملون على إرسال أبنائهم إلى الريف للسكن عند أقاربهم، لاستكمال تعليمهم في المدارس “النظامية” كما يطلقون عليها، في صورة تعبر عن انقلاب الحال.
فسابقًا كان أبناء الريف يرسلون أبناءهم إلى المدينة للحصول على تعليم أفضل، ولكن الآن تغير هذا الأمر، إذ لا يزال النظام يسيطر على حوالي 70 قرية في ريف القامشلي الجنوبي، تضم مدارس تابعه له.
وحتى هذا الحل، بحسب ياسر المليحان (38عامًا) من سكان حي طي، لا يمكن تطبيقه في حال كان هناك أكثر من طالب في العائلة، خصوصًا إذا كانوا في المرحلة الابتدائية ويحتاجون إلى رعاية ومتابعة من الأهل، وهذا صعب عند ابتعادهم عن العائلة.
وقد يسبب ذلك حرجًا وأعباء إضافية على العائلة المضيفة في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية، على حد قول ياسر المليحان لعنب بلدي.
قرر ياسر المليحان وآخرون من أصدقائه أخذ أولادهم بالدراجة الهوائية إلى مدرسة خارج الحي كل يوم، ما يوفر عليه الكثير من تكاليف تنقلهم، على حد قوله.
إذ استطاع بعض الأهالي بصعوبة إقناع أحد مديري المدارس الموجودة في المربع الذي يسيطر عليه النظام بقبول تسجيل أولادهم، حيث تشهد المدارس خارج سيطرة “الإدارة الذاتية” اكتظاظًا كبيرًا يصل إلى حوالي 50 طالبًا في الشعبة الواحدة، ويصعب إيجاد شاغر لدرجة تجعل الأهالي يلجؤون إلى “الواسطة” لقبول أبنائهم.
ويضطر الأهالي إلى ذلك بدلًا من قبول الأمر الواقع وتدريس أولادهم مناهج “الإدارة الذاتية”، كونها لم تنل أي اعتراف من جهة محلية أو دولية حتى الآن.
وكانت “هيئة التربية والتعليم” التابعة لـ“الإدارة الذاتية” أعلنت، في أيار الماضي، أنها ستباشر بتأهيل وترميم مدارس الحي “ليتمكن الطلبة من إنهاء عامهم الدراسي دون أي عقبات”، لكن دون وجود أي تطبيق لهذه الخطة بعد قرب بدء العام الدراسي الجديد.
ويتوجه الأطفال الذين لم يكملوا تعليمهم وغادروا المدراس لشغل أعمال مختلفة، فمنهم من يعمل في الورشات والمعامل، وآخرون يفرشون الأرصفة بـ”البسطات”، التي تحقق لهم دخلًا قليلًا، ومنهم من يشارك في الأعمال العسكرية، من خلال الانتساب إلى أحد الأطراف المتنازعة وحمل السلاح للقتال مقابل رواتب شهرية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :