إبراهيم العلوش
تخلّت الولايات المتحدة عن الشعب الأفغاني وسلّمته لقوة متوحشة هي “طالبان”، حليفة تنظيم “القاعدة” ومشتقاته، كما فعلت مع السوريين الذين تركتهم لوحشية مخابرات الأسد وميليشياته المتوحشة.
مشاهد الذعر في أفغانستان من عودة “طالبان” تملأ العالم عبر التلفزة ووسائل التواصل الاجتماعي، وجحافل المهاجرين الأفغان تفرّ من العنف “الطالباني” المتوقع، في مشاهد تشبه فرار السوريين من مذابح ميليشيات الأسد وحلفائه الإيرانيين والروس الذين لا يزالون يجرّبون كل أنواع الانتهاكات والاتهامات ضد الشعب السوري.
لا ينسى السوريون دعم السفير الأمريكي السابق، روبرت فورد، وزملائه الغربيين للحراك السوري ضد مخابرات الأسد وميليشياته المتوحشة، وخاصة زيارتهم إلى مدينة حماة في يوم الجمعة 8 من تموز 2011، ودعمهم العلني للحراك السوري الذي زلزل قوى النظام، وبالتوازي مع تلك الزيارات المؤيدة كان الرئيس التركي يعلن أنه لن يسمح بحماة جديدة.
وتصاعد الدعم مع سحب السفارات، وطرد ممثلي النظام من الجامعة العربية، وإعلانات حلف “الناتو” عن حالة التأهب في تركيا وعلى الحدود السورية لحماية حقوق الإنسان، كما يردد الغرب دائمًا.
لكن الدعم الغربي سرعان ما توارى، وتصاعد عنف النظام، باعتبار أن هذا الصمت الغربي دعم له ولاستمراره في سياسة التدمير والتعذيب والتهجير، وصمت الغرب عن تدفق الميليشيات الإيرانية وتوابعها من “حزب الله” اللبناني والميليشيات العراقية والأفغانية، وانفلتت بغرائزها الوحشية التي تتذرع بالبحث عن الثأر لمعارك صارت جزءًا من التاريخ بين المتصارعين على السلطة في بداية تبلور الدولة الإسلامية في القرن الميلادي الثامن، ولا تزال تدّعي بأنها جاءت تحمي مزارات مقدسة، رغم أن السوريين هم من كانوا يحمونها طوال القرون الماضية.
وتأتي المشاهد الأفغانية وتدفق المواطنين إلى المطار وإلى الحدود الخارجية، بالتزامن مع الحصار الخانق الذي لا تزال “الفرقة الرابعة” بقيادة ماهر الأسد تفرضه على المدنيين في درعا البلد، فبعد 50 يومًا من الحصار، صار الأطفال والنساء لا يجدون ما يأكلونه، وصار الرجال يتمزقون ألمًا على عائلاتهم التي تموت أمامهم بسبب عودة ميليشيات النظام الوشيكة.
وبعد التخلي عن السوريين والتهاون مع انتهاكات نظام الأسد، صار الغرب يشتكي من موجات هجرة السوريين الهاربين من الجحيم إلى تركيا ولبنان والأردن وأوروبا، متناسيًا صمته عن انتهاكات النظام التي تتناقلها وكالات الأنباء كل يوم، وتحولت المأساة السورية بنظر الولايات المتحدة وأوروبا إلى مجرد مشكلة لاجئين، بالإضافة إلى مشكلة “داعش” التي ولدت من رحم همجية النظام وتوغله برمي قادة الإرهاب على السوريين، وإخلاء سجونه من مجرمي “داعش” و”القاعدة” ليتفرغ للتنكيل بمعتقلي الرأي والمطالبين بالحرية!
أطلقت الولايات المتحدة يد روسيا في سوريا بحجة محاربة الإرهاب، وكانت جولات وزيري الخارجية جون كيري وسيرغي لافروف تُعقد بانتظام طوال سنوات، وبالتزامن مع المجازر اليومية التي ينفذها النظام، وكان واضحًا التظاهر الأمريكي بالصمم تجاه أصوات الطائرات الروسية التي تحصد المدنيين وتهاجم المدارس والمستشفيات والأسواق الشعبية في هياج عسكري، اعتبرته العسكرية الروسية إعادة لقوة وجبروت الاتحاد السوفييتي، بالإضافة إلى فوائد التدريب للأسلحة الحديثة وبالذخيرة الحية فوق المدن والقرى السورية.
هل سيكون اجتياح “الفرقة الرابعة” لدرعا البلد أقل عنفًا وإرهابًا من اجتياح “طالبان” للمدن الأفغانية، وهل ستوفر الفرقة الإيرانية وميليشياتها حياة المدنيين وكرامتهم، أم ستعيد سياسة “التعفيش” والاعتقال والإبعاد لكل من لا يستسلم للعبودية إلى الأبد؟
هل سيكون اجتياح الفرق الروسية والإيرانية مع نظام الأسد أقل إرهابًا بحق السوريين الفارين في الشمال السوري، الذين صاروا بحماية المنظمات الدولية، وهل سنشهد مناظر تشبه مناظر الأفغان الهاربين من “طالبان” وهجرات تفوق هجرات الأفغان إلى الدول المجاورة من جديد؟
وهل اجتياح النظام وروسيا وإيران للجزيرة السورية سيكون أقل إرهابًا من إرهاب “طالبان”، وهم يعدّون العدة للانتقام من كل مطالب بالحرية وبالكرامة، ومن كل من لا يخضع إلى الأبد لسلطة الأسد؟
إذا عجز العالم عن الخلاص من “طالبان” فهل سيعجز عن تطبيق القرار الدولي “2254” في سوريا وينهي وحشية النظام المستمرة كل يوم بحق السوريين، ويعيد سوريا إلى أهلها ويبعث الطمأنينة في نفوسهم من أجل إعادة الاعمار بعيدًا عن وحشية الإيرانيين والروس وغيرهم من المحتلين الذين مزقوا سوريا أرضًا وشعبًا، واعتبروا أن نظام الأسد الوحشي هو ما يستحقه السوريون.
مشاهد خوف الأفغان وهروبهم من بيوتهم ومدنهم خوفًا من وحشية “طالبان”، تعيد إلى العالم مشاهد السوريين الذين فروا من بيوتهم ومن مدنهم خوفًا من القتل والتنكيل الذي لا يزال نظام الأسد يمارسه حتى اليوم، وما هذا التجويع وانعدام الخدمات إلا حلقة من سلسلة التنكيل بالسوريين الذين يحلمون ببلاد لهم، وبجيش يحميهم ولا يدمر بيوتهم، وبساسة يخدمون شعبهم ويحترمون إرادته واستقلاله، ولا يستقوون بالاحتلال الإيراني والروسي عليه.
يتعاطف العالم مع الأفغان الهاربين من وحشية “طالبان”، ويتناسى مأساة السوريين الهاربين من مخابرات الأسد وميليشياته المتوحشة، وتسعى بعض الدول لإعادة الاعتراف بنظام الأسد وإعادة الشرعية له بعد كل الجرائم التي ارتكبها بحق السوريين، ولعل الدنمارك صارت أكثر الدول قسوة بحق السوريين الذين تحاول إعادتهم إلى جحيم نظام الأسد أو ربما ترحيلهم إلى رواندا في إفريقيا.
ومع توارد الأخبار أن نظام الأسد أرسل خلال الأيام القليلة الماضية مبعوثًا إلى الإدارة الأمريكية لمحاولة الوصول إلى صفقة تشرعِن استمرار النظام بأعماله الإجرامية، فإننا نذّكر العالم والإدارة الأمريكية بأنه مهما تغيرت الألوان والأشكال والشعارات بين نظام الأسد ونظام “طالبان”، فإن الجرائم ضد الإنسانية هي ما تجمع بين هذين النظامين، وعلى العالم ومنظماته وشعوبه إدراك الحقيقة، وعدم التعامي عن الجريمة المستمرة في سوريا كل يوم وكل لحظة.