نبيل محمد
جاب فيلم “لآخر العمر” 2020، أحدث الإنتاجات السينمائية للتلفزيون السوري الرسمي، المحافظات السورية مؤخرًا، محققًا تفاعلًا كبيرًا من قبل الجمهور، وفق ما تناقلته وسائل الإعلام المحلية، الفيلم الذي لا بد أن الجمهور المتوافد لمشاهدته قد حفظ قصته عن ظهر قلب، فقد سخّرت مختلف تلفزيونات ووسائل إعلام النظام كوادرها لتغطية عمليات تصويره، وتسجيل اللقاءات مع مخرجه وأبطاله، وسرد حكايته المتوقعة حد الملل.
تقول وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) في خبر نشرته خلال عمليات تصوير الفيلم، “يروي الفيلم قصة صحفية تتعرض للاختطاف على يد الإرهابيين في أثناء ممارسة عملها، قبل أن يقوم جنود الجيش العربي السوري بتحريرها وإعادتها إلى أهلها، مظهرًا الدور الفعال الذي قام به الصحفي والإعلامي السوري في نقل أحداث المعارك ضد الإرهاب بكل أمانة ودقة”، لك أن تتخيل الفيلم بعد تقديم كهذا، وستكون القصة كاملة في مخيلتك.
ليس متوقعًا من كاتب الفيلم ومخرجه أي إضافة، فلا بد أن محرر الأخبار في الوكالة التي تابعت تصويره، وأي مواطن سوري يعي تفاصيل الخطاب الإعلامي السوري في السنوات السابقة، قادر على كتابة هذه الحوارات ببساطة، فهل تتوقع من ضابط مشرف على عملية عسكرية ضد “الإرهابيين” يلتقي بصحفية قادمة من وسيلة إعلام رسمية إلا أن يقول، “الشغل اللي عم تعملو ممتاز، اليوم دور الإعلام مهم وأساسي، مو بس اليوم، من أول ما بلشت الحروب بمنطقتنا، العدو كان يستبق معاركو العسكرية بمعارك إعلامية، هدفها التشويش على الناس والتاثير على معنوياتن، مشان هيك ضروري الناس يعرفو الحقيقة”، وبالتأكيد سترد الصحفية مؤكدة على دور رجال الجيش الأبطال، وواجبها تجاه وطنها، وتعرضها سابقًا لمواقف أقرب إلى الموت، خلال تغطية معارك العزة والشرف.
تركب الصحفية دبابة إلى جانب العقيد “وائل رمضان” الذي ترك والدته في المستشفى ليدافع عن وطنه، ومضى يرش الرصاص في صدور “الإرهابيين” فيسقطون واحدًا تلو الآخر، وينقذ طفلة من القصف، ويحمي إعلامية تنقل الكلمة الصادقة، ثم يستشهد ويدفن في تراب وطنه. “الإرهابيون” أيضًا بينهم الكثير من الشبان الصغار الذين تم التلاعب بعقولهم، أما قادتهم فهم الفاشلون اجتماعيًا، الذين نبذتهم الحضارة إلى الصحراء ليتعلّموا طرق التفخيخ وقتل الأبرياء.
ملأت مشاهد المعارك والرصاص المترامي، والمقاتلة الجميلة التي تقضي الساعات خلف القناصة تترصد ذوي الذقون الطويلة، مساحة مديدة من الفيلم، تمت من خلالها محاولات مطّ الدقائق التي لا تكفي الحوارات الجامدة لملئها، ليس معقولًا أن يختصر الفيلم بجمل إنشائية، ونظرات حزن وغضب وتصميم، تحتاج إلى ما يبث فيها روح الفيلم الطويل زمنيًا. ولن ينقصه أيضًا شخصية مسنٍّ فلسطيني، يحقق للفيلم ميزة أخرى بدمج القضيتين، ورؤية ما يحدث في سوريا من نافذة فلسطين، وجعل الإرهابي على الطرف الآخر من جبهة المعركة، سلفيًا جهاديًا صهيونيًا إمبرياليًا ليس عدوًا لسوريا فقط بل عدو للعالم.
يعلم القاصي والداني أن أغلبية عمليات تحرير الرهائن كانت نتيجة اتفاقيات تبادل، أو شرطًا من شروط هدنة أو إخلاء، ولم تكن قوات الجيش التي لا تتقن من المعركة سوى فن التدمير عن بُعد قادرة يومًا على إطلاق سراح رهائن بعمليات عسكرية مباشرة، وهو ما ينفيه الفيلم، حيث يظهر يأس الضابط مسبقًا من مباحثات سياسية على أعلى المستويات لإطلاق الصحفية وفريقها المختطف من قبل الإرهابيين، وإصراره على أن التحرير لن يتم سوى بعملية عسكرية سيتولاها هو شخصيًا وسيسقط جريحًا جراءها، لكن سينفذ المهمة وستعود الصحفية إلى عملها في نقل الحقيقة.
مخرج هذا الفيلم أبدى بكل مثابرة تبعيته المطلقة للنظام، وإخلاصه الخالص، وقدرته على صناعة المحتوى التعبوي والبروباغندا القديمة الشمولية الكلاسيكية المباشرة، لتفتح له القذائفُ التي تقتل السوريين بابَ السينما ، وليصبح عرّاب السينما أكاديميًا، فيتولى رئاسة مؤسسة من المفترض أنها ستخرّج سينمائيي سوريا المستقبل، وهذا الفيلم من المفترض أن يكون قيمة عليا في الفن لهؤلاء الذين سيتعلمون السينما بكاميرا باسل الخطيب، الكاميرا التي ينقص كتفا حاملها رتبة عميد ليستبدل بها بندقية.